07 اغسطس 2024
مصر... برلمان المؤسسات الأمنية الحاكمة
لا يحظى مجلس النواب الجديد في مصر، والمقرر انعقاد أولى جلساته اليوم الأحد، العاشر من يناير/كانون الثاني الجاري، باهتمام يُذكر في الداخل أو الخارج، فهناك حالة قنوط عامة منه، ومن النظام الحاكم بشكل عام، هي امتداد لعزوف المصريين عن المشاركة في الانتخابات البرلمانية، وعزوف العالم عن متابعتها، فالجميع تقريباً وصل إلى قناعة بسلطوية النظام القائم وبانقلابه على التحول الديمقراطي، ويبدو الخلاف حالياً منحصراً حول كيفية التعامل مع النظام والوضع القائم في مصر. فالفئات اليمينية المتشددة في الداخل والخارج ترحب بالنظام، وتراه منقذاً لها، وعودة إلى أيام حكم الرجل الواحد القامع للمعارضة السياسية، وفي مقدمتها الجماعات المتدينة، والفئات المعنية بالديمقراطية والحريات في الداخل والخارج ترفض سياسات النظام، لكنها قد لا ترى بديلاً واضحاً له في الوقت الراهن، بسبب تفرّق المعارضين وانتشار عدم الاستقرار في الشرق الأوسط وقنوط قطاعات واسعة من المصريين من الثورة والتغيير.
وتبقى فئة ثالثة، تنحصر، أساساً، في بعض الشباب والتيار الديني، ترفع شعارات التظاهر والإضراب والخروج الفوري على النظام، وإن كانت لا تمتلك أجندة واضحة لتحقيق أهدافها، أو لإمكانية التغيير الشامل في الوقت الحالي. لذلك، قد لا يجد كثيرون في مناسبة انعقاد مجلس النواب أكثر من فرصة، للتذكير بطبيعة المجلس وطريقة انتخابه، وما يعنيه للسلطوية الجديدة بعد مرور عامين ونصف على انقلاب يوليو 2013. وبهذا الخصوص، يمكن التذكير بالنقاط الخمس التالية:
أولاً: تمت عملية انتخاب مجلس النواب المصري الجديد في ظروفٍ لا علاقة لها بالديمقراطية، فلم تتوفر ضمانات أساسية للانتخابات الديمقراطية، وفي مقدمتها حرية التعبير والتنظيم والترشح، وغياب قوى تسيطر على النظام من خارج المؤسسات المنتخبة. ولذلك، لا يمثل المجلس المذكور المصريين، ولا يعبر أعضاؤه إلا عن النظام الحاكم والموالين له وتنافسهم داخله، وعن توزيع النظام نفسه المناصب على الموالين وفقاً لدرجة رضاه عنهم. فانتخاب 12 عضواً من حزب النور السلفي لعضوية المجلس، مثلاً، لا يعبر عن وزن السلفيين، أو التيار الديني الانتخابي، هو يعبر بالأساس عن مكانة حزب النور لدى النظام ومسانديه، والذين يضعون الحزب في مكانة المواطنين درجة ثانية تقريباً.
وما ينطبق على "النور" ينطبق تقريباً على أحزاب، كالمصريين الأحرار والوفد والتجمع، وغيرها من القوى التي ترفع شعارات أيديولوجية مختلفة، وشاركت في انتخابات مجلس النواب، فهذه القوى رضيت طوعاً، ولطبيعة تاريخها وتكوينها، بأن تكون أحزاباً مناصرة للنظام، تعمل من داخله، ووفقاً لسقفه ولقواعده السلطوية، وبعيداً عن الديمقراطية الحقيقية، ومناداة المصريين بها.
ثانياً: يعد مجلس النواب فرصة مهمة لفهم طبيعة النظام الحاكم، والقوى المشكلة له، وهنا
يظهر الدول الكبير للمؤسسات الأمنية في تشكل النظام الحالي ومجلس النواب، فرئيس أكبر تكتل في البرلمان، اللواء سامح سيف اليزل، لواء مخابرات السابق، كما تحدثت تقارير صحفية عديدة عن دور المخابرات في تشكل قوائم تكتل "في حب مصر" الذي خاض به اليزل الانتخابات، واكتسح به المقاعد المخصصة للأحزاب. ويسعى اليزل لتكوين تكتل من 400 عضو من أعضاء البرلمان الـ 596، يكون داعماً "للدولة المصرية"، أو للنظام داخل المجلس. وبهذا تعود المؤسسات الأمنية إلى دورها التاريخي، وبشكل أكثر فجاجة في التحكم في النظام السياسي في مصر، باعتبار أن تلك المؤسسات هي الوصي على البلد والشعب ومقدراتهما، ومن يستحق القيادة ويمتلك حق فرض إرادته، ولو على حساب أرواح الناس وممتلكاتهم وأسرهم ومستقبلهم.
هذا الدور هو امتداد لنظام 1952، والذي ساهمت تطورات تاريخية مختلفة في تراجع الشق الأمني منه إلى الخلفية، وصعود نخب سياسية موالية إلى الصدارة، ويبدو أن المؤسسات الأمنية لم تعد راضية عن حصتها من النظام الذي ساهمت في سقوطه نسبياً في يناير/كانون ثاني 2011، وها هي الآن تحاول إعادة ترميم سلطوية جديدة، هي امتداد لنظام 1952، على أن تحظى فيها بموقع الصدارة مجدداً، على الرغم من تغير الظروف المحلية والدولية كثيراً من 1952 إلى 2013.
ثالثاً: الشريك الأهم للمؤسسات الأمنية ونوابها في البرلمان الجديد هم رجال الأعمال، أو الأثرياء الذي بنوا ثرواتهم في عهد حسني مبارك، والعقود التي سبقته، وسيطروا بشكل مبالغ فيه على الحزب الوطني وبرلماناته، ويحتل رجال الأعمال حوالى 120 مقعداً، وفقاً لبعض الإحصاءات. هذا بالإضافة إلى حزب المصريين الأحرار الذي يموله رجل الأعمال، نجيب ساويرس، المنتمي لأكثر العائلات المصرية ثراء، حيث يحتل الحزب 65 مقعداً.
وهكذا يبدو رجال الأعمال ثاني أكبر وأهم تكتل داخل مجلس النواب، بعد مرشحي المؤسسات الأمنية، في شراكةٍ واضحةٍ بين نخب المال التي تربت في عهود الاستبداد والمؤسسات الأمنية الراعية للنظام الاستبدادي نفسه، بعد عملية تصحيح، أو تعديل مهم، تقدمت من خلالها المؤسسات الأمنية إلى مقعد القيادة من جديد، بعد أن تراجعت إلى الخلفية، في أواخر عهد مبارك، وسنوات صعود ولده جمال.
رابعاً: لا يعرف النظام الجديد أي دور للجماعات السياسية، أو الأفكار المنادية بتغيير حقيقي، هو لا يعرف إلا الجماعات الداعمة له، والعاملة تحت سقفه المنخفض، بغض النظر عن الشعارات التي ترفعها، سلفية كانت أو علمانية، ليبرالية أو يسارية. أما الأيديولوجية الأهم للنظام، فهي النزعة الوطنية ذات التوجه الأمني الذي يختصر إرادة الناس في مواقف المؤسسات الأمنية، بغض النظر عن طبيعتها أو تضاربها، ففي غياب أيديولوجيات وسياسات واضحة، يفتح الباب على مصراعيه، للتناقض والتضارب في السياسات، مع تغير مواقف النظام لأسباب مختلفة، وفقاً لإرادة النظام، فلا ثابت إلا مصلحة النظام نفسه.
خامساً: بسبب كل ما سبق، لا ينتظر أحد دوراً ذا أهمية للبرلمان الجديد، ولا يبدو أن أحداً في الداخل، أو الخارج، سيعيره انتباهاً يذكر. وفي أغلب الأحيان، سيبقى مؤشراً على طبيعة العلاقة بين الجماعات الموالية للنظام وصراعات المصالح بينها، وخصوصاً بين التكتلين الأهم داخل النظام، وهما المؤسسات الأمنية ونوابها ورجال المال والموالون لهم. ولا شك أن المجلس سيوفر أيضاً فرصة للتندر على توفيق عكاشة وعبد الرحيم علي ومرتضى منصور ومصطفى بكري، ونوادرهم التي لا تنتهي، أما مصالح الناس الحقيقية، وفرص بناء نظام سياسي جاد يقود مصر في القرن الحادي والعشرين، فتبدو مؤجلة، حتى تحدث انفراجة تدفع النظام إلى إصلاحات جادة.
وتبقى فئة ثالثة، تنحصر، أساساً، في بعض الشباب والتيار الديني، ترفع شعارات التظاهر والإضراب والخروج الفوري على النظام، وإن كانت لا تمتلك أجندة واضحة لتحقيق أهدافها، أو لإمكانية التغيير الشامل في الوقت الحالي. لذلك، قد لا يجد كثيرون في مناسبة انعقاد مجلس النواب أكثر من فرصة، للتذكير بطبيعة المجلس وطريقة انتخابه، وما يعنيه للسلطوية الجديدة بعد مرور عامين ونصف على انقلاب يوليو 2013. وبهذا الخصوص، يمكن التذكير بالنقاط الخمس التالية:
أولاً: تمت عملية انتخاب مجلس النواب المصري الجديد في ظروفٍ لا علاقة لها بالديمقراطية، فلم تتوفر ضمانات أساسية للانتخابات الديمقراطية، وفي مقدمتها حرية التعبير والتنظيم والترشح، وغياب قوى تسيطر على النظام من خارج المؤسسات المنتخبة. ولذلك، لا يمثل المجلس المذكور المصريين، ولا يعبر أعضاؤه إلا عن النظام الحاكم والموالين له وتنافسهم داخله، وعن توزيع النظام نفسه المناصب على الموالين وفقاً لدرجة رضاه عنهم. فانتخاب 12 عضواً من حزب النور السلفي لعضوية المجلس، مثلاً، لا يعبر عن وزن السلفيين، أو التيار الديني الانتخابي، هو يعبر بالأساس عن مكانة حزب النور لدى النظام ومسانديه، والذين يضعون الحزب في مكانة المواطنين درجة ثانية تقريباً.
وما ينطبق على "النور" ينطبق تقريباً على أحزاب، كالمصريين الأحرار والوفد والتجمع، وغيرها من القوى التي ترفع شعارات أيديولوجية مختلفة، وشاركت في انتخابات مجلس النواب، فهذه القوى رضيت طوعاً، ولطبيعة تاريخها وتكوينها، بأن تكون أحزاباً مناصرة للنظام، تعمل من داخله، ووفقاً لسقفه ولقواعده السلطوية، وبعيداً عن الديمقراطية الحقيقية، ومناداة المصريين بها.
ثانياً: يعد مجلس النواب فرصة مهمة لفهم طبيعة النظام الحاكم، والقوى المشكلة له، وهنا
هذا الدور هو امتداد لنظام 1952، والذي ساهمت تطورات تاريخية مختلفة في تراجع الشق الأمني منه إلى الخلفية، وصعود نخب سياسية موالية إلى الصدارة، ويبدو أن المؤسسات الأمنية لم تعد راضية عن حصتها من النظام الذي ساهمت في سقوطه نسبياً في يناير/كانون ثاني 2011، وها هي الآن تحاول إعادة ترميم سلطوية جديدة، هي امتداد لنظام 1952، على أن تحظى فيها بموقع الصدارة مجدداً، على الرغم من تغير الظروف المحلية والدولية كثيراً من 1952 إلى 2013.
ثالثاً: الشريك الأهم للمؤسسات الأمنية ونوابها في البرلمان الجديد هم رجال الأعمال، أو الأثرياء الذي بنوا ثرواتهم في عهد حسني مبارك، والعقود التي سبقته، وسيطروا بشكل مبالغ فيه على الحزب الوطني وبرلماناته، ويحتل رجال الأعمال حوالى 120 مقعداً، وفقاً لبعض الإحصاءات. هذا بالإضافة إلى حزب المصريين الأحرار الذي يموله رجل الأعمال، نجيب ساويرس، المنتمي لأكثر العائلات المصرية ثراء، حيث يحتل الحزب 65 مقعداً.
وهكذا يبدو رجال الأعمال ثاني أكبر وأهم تكتل داخل مجلس النواب، بعد مرشحي المؤسسات الأمنية، في شراكةٍ واضحةٍ بين نخب المال التي تربت في عهود الاستبداد والمؤسسات الأمنية الراعية للنظام الاستبدادي نفسه، بعد عملية تصحيح، أو تعديل مهم، تقدمت من خلالها المؤسسات الأمنية إلى مقعد القيادة من جديد، بعد أن تراجعت إلى الخلفية، في أواخر عهد مبارك، وسنوات صعود ولده جمال.
رابعاً: لا يعرف النظام الجديد أي دور للجماعات السياسية، أو الأفكار المنادية بتغيير حقيقي، هو لا يعرف إلا الجماعات الداعمة له، والعاملة تحت سقفه المنخفض، بغض النظر عن الشعارات التي ترفعها، سلفية كانت أو علمانية، ليبرالية أو يسارية. أما الأيديولوجية الأهم للنظام، فهي النزعة الوطنية ذات التوجه الأمني الذي يختصر إرادة الناس في مواقف المؤسسات الأمنية، بغض النظر عن طبيعتها أو تضاربها، ففي غياب أيديولوجيات وسياسات واضحة، يفتح الباب على مصراعيه، للتناقض والتضارب في السياسات، مع تغير مواقف النظام لأسباب مختلفة، وفقاً لإرادة النظام، فلا ثابت إلا مصلحة النظام نفسه.
خامساً: بسبب كل ما سبق، لا ينتظر أحد دوراً ذا أهمية للبرلمان الجديد، ولا يبدو أن أحداً في الداخل، أو الخارج، سيعيره انتباهاً يذكر. وفي أغلب الأحيان، سيبقى مؤشراً على طبيعة العلاقة بين الجماعات الموالية للنظام وصراعات المصالح بينها، وخصوصاً بين التكتلين الأهم داخل النظام، وهما المؤسسات الأمنية ونوابها ورجال المال والموالون لهم. ولا شك أن المجلس سيوفر أيضاً فرصة للتندر على توفيق عكاشة وعبد الرحيم علي ومرتضى منصور ومصطفى بكري، ونوادرهم التي لا تنتهي، أما مصالح الناس الحقيقية، وفرص بناء نظام سياسي جاد يقود مصر في القرن الحادي والعشرين، فتبدو مؤجلة، حتى تحدث انفراجة تدفع النظام إلى إصلاحات جادة.