تسببت أزمة الدولار في ارتفاع أسعار السلع إلى مستويات قياسية، كما أدت إلى اختفاء بعضها من السوق المصري مثل السكر وألبان الأطفال وأصناف أدوية، وخرجت العملة الأميركية عن السيطرة بعد أن زادت الفجوة بين الدولار والجنيه المصري إلى الضعف في السوق السوداء مقارنة بالسعر الرسمي في ظل عجز حكومي عن حل الأزمة ووقف نزيف العملة المحلية.
وفي هذا السياق، رصدت "العربي الجديد" تأثير أزمة الدولار على تحركات الأسعار في الأسواق حيث طاول الغلاء مختلف القطاعات ومنها الأغذية والأدوية والعقارات والسيارات، حسب تجار وقيادات بالغرف التجارية واتحاد الصناعات، كما لحقت الأزمة بالمواد التموينية المدعومة بعد أن رفعت الحكومة سعر السكر رسمياً.
المواد الغذائية
واحتلت المواد الغذائية صدارة السلع الأكثر تأثراً بالارتفاع الجنوني للدولار بسبب استيراد معظم احتياجات مصر في هذا القطاع تحديداً. وفي هذا السياق، قال نائب رئيس شعبة المواد الغذائية بالغرفة التجارية بالقاهرة، عماد عابدين، لـ"العربي الجديد"، إن "أسعار جميع السلع الغذائية شهدت ارتفاعات بنسب متفاوتة، ومن المتوقع استمرار الارتفاعات خلال الفترة المقبلة نتيجة التقلبات المستمرة لأسعار صرف الدولار".
وأوضح أن أسعار مجموعة البقوليات "العدس، الفاصوليا، اللوبيا، الفول" ارتفعت خلال الفترة الأخيرة بنسبة تزيد عن 100%، وأسعار السكر 300% مع نقص المعروض منه بشكل كبير، والأرز بنسبة 20 %.
وأظهر الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (حكومي) ارتفاع معدل التضخم الشهري خلال شهر سبتمبر/أيلول الماضي، بنحو 1.3%، مقارنة بنفس الشهر من العام الماضي، وأوضح الجهاز أن معـدل التضخم السنـوي بلغ 14.6%، خلال نفس الشهر، مقارنـة بنفس الفترة من العام الماضي.
وطاولت زيادة الأسعار السلع التموينية حيث رفعت الحكومة سعر السكر في المواد التموينية، أول من أمس، من 5 إلى 7 جنيهات أي بنسبة زيادة 40%.
وبدأ الجيش في توزيع عبوات غذائية مدعمة، منذ يومين، لمواجهة أزمة ارتفاع الأسعار، وأعلن المتحدث العسكري محمد سمير، عن انتهاء القوات المسلحة من تجهيز أضخم حصة غذائية بلغت 8 ملايين عبوة، لتوزيعها بنصف الثمن على المواطنين في جميع محافظات الجمهورية.
وحسب البيان الذي نشره المتحدث العسكري على صفحته الرسمية، "تأتي تلك الخطوة تنفيذا لتوجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي، بمشاركة أجهزة الدولة في تخفيف العبء عن كاهل المواطنين، وإيماناً منها بدورها الحيوي باعتبارها جزءاً من نسيج شعب مصر وإحدى مؤسسات الدولة التي تحرص على توفير الحياة الكريمة للمواطنين".
ولم يمنع تدخل الجيش استمرار ارتفاع الأسعار وتفاقم الأزمات المعيشية، حسب خبراء اقتصاد.
اللحوم والدواجن
قال نائب رئيس شعبة القصابين بالغرفة التجارية، محمد شرف، لـ"العربي الجديد" إن "أسعار اللحوم الحمراء شهدت قفزات غير مسبوقة خلال الفترة الأخيرة، فارتفع سعر الكيلو من نحو 85 جنيها إلى ما يتراوح بين 115 و120 جنيها، أي أن معدل الزيادة وصل لأكثر من 30 جنيها، مما تسبب في حالة ركود كبيرة، خاصة في ظل ارتفاع أسعار السلع الغذائية الضرورية، الأمر الذي دفع المستهلكين إلى الإحجام عن الشراء.
وأضاف شرف أن "مستوردي اللحوم شبه متوقفين عن الاستيراد لعدم توافر الدولار بالبنوك المحلية وارتفاع سعره بالسوق السوداء، وشح المعروض منه".
وأشار إلى أن الشركات تنتظر التعويم الكامل للجنيه، مؤكداً أن تكلفة استيراد كيلو اللحوم السودانية ارتفعت بشكل كبير في ظل سعر صرف الدولار الحالي فى السوق السوداء.
وشهد الدولار ارتفاعات تاريخية في السوق السوداء خلال الشهر الجاري حيث بلغ سعره 18 جنيهاً قبل أن يتراجع اليومين الماضيين إلى 16 جنيهاً، في حين يبلغ سعره الرسمي 8.88 جنيهات.
وحاولت الحكومة المصرية القضاء على السوق السوداء عبر الحد من الاستيراد وتشديد الحملات الأمنية على شركات الصرافة والطرح الدولاري الأسبوعي للبنك المركزي، إلا أن هذه الإجراءات لم تفلح في ظل تراجع إيرادات النقد الأجنبي من المصادر الرئيسية وهي: الصادرات وتحويلات العاملين في الخارج والسياحة وقناة السويس والاستثمارات الأجنبية.
وفي السياق ذاته، قال رئيس شعبة الدواجن بالغرفة التجارية بالقاهرة، عبد العزيز السيد، لـ"العربي الجديد"، إن "أسعار الدواجن شهدت ارتفاعات كبيرة الأيام الخيرة". وأضاف أن "الدولار قفز بأسعار الأعلاف والأدوية بنسبة 200%، موضحا أن البنك المركزي لا يوفر العملة الصعبة لمستوردي الأعلاف".
وأوضح البنك الدولي، في أحدث تقاريره عن أسعار السلع في مصر عام 2017، أنه من المتوقع قفزات أخرى في أسعار المواد الغذائية بشكل تدريجي أكبر مما كان متوقعاً بنحو 1.4%، وتوقع البنك الدولي ارتفاع أسعار الحبوب 2.9%، وهي نسبة أعلى كثيراً مما كان متوقعاً العام المقبل، في حين من المنتظر أن ترتفع أسعار الزيوت والدهون بوتيرة أبطأ مما كان متوقعا بنسبة 2%.
الأدوية
وشهدت بعض الأدوية نقصاً حاداً وارتفاعاً في أسعارها بسبب شح الدولار، وفي هذا الإطار قال نائب رئيس غرفة صناعة الأدوية باتحاد الصناعات المصرية، أسامة رستم، لـ"العربي الجديد"، إن "أكثر من 60% من مصانع الأدوية قلّلت عمليات الإنتاج نتيجة لعدم توافر العملة الصعبة، مما تسبب في ظهور أزمة نواقص أدوية".
وأضاف أن "قطاع الأدوية لا يستطيع شراء الدولار من السوق السوداء، ويعتمد بشكل أساسي على البنوك لتدبيره"، مشيراً إلى أن الأزمة دفعت المستثمرين بهذا القطاع إلى المطالبة بترك سوق الأدوية بدون تسعير حكومي، لمواجهة أزمة الدولار".
وأوضح رستم أن قطاع الدواء ملتزم بالتسعير الحكومي، واللجوء للسوق السوداء لتوفير العملة الصعبة، مما يعنى زيادة التكاليف وتكبد خسائر فادحة.
ويحتاج قطاع الأدوية إلى 2.6 مليار دولار سنويا، لتلبية احتياجاته من المواد الخام، وفقا لبيان غرفة صناعة الدواء باتحاد الصناعات.
وأكد رستم أن نواقص الأدوية وصلت لأكثر من 1500 صنف دوائي، ومن المتوقع أن تتفاقم أزمة النواقص خلال الفترة المقبلة، في حال عدم تدخل الحكومة لتدبير احتياجات الشركات.
وكانت الأسواق شهدت أزمة نقص حاد في ألبان الأطفال الفترة الماضية، لم تهدأ إلا بعد تدخل الجيش بطرح 30 مليون علبة بسعر أعلى.
الملابس والجلود
قال رئيس شعبة الملابس الجاهزة بالغرفة التجارية، يحيى زنانيري، لـ"العربي الجديد" إن "أسعار الملابس ارتفعت الفترة الأخيرة بنسبة 50%"، موضحا أن "التجار يضعون أسعاراً جديدة بشكل دوري حسب أسعار الدولار المتقلبة بشكل يومي".
وتابع أن موجة الارتفاعات أصابت الأسواق المصرية بالشلل، لافتا إلى أن الملابس لم تصبح من أولويات المستهلك المصري، خاصة في ظل ارتفاع أسعار المواد الغذائية ومصاريف المدارس والتعليم والدروس الخصوصية.
وأشار إلى أن أكثر من 20% من محلات الملابس أغلقت وبعضها تحول إلى أنشطة أخرى نتيجة حالة الركود التي ضربت السوق المصري.
ولفت إلى أن عدداً كبيراً من المحلات خفض العمالة بسبب تفاقم الركود.
وأضاف أن "هناك عوامل أخرى تسببت في ارتفاع الأسعار منها قوانين تقييد الاستيراد الصادرة من وزارة التجارة والصناعة والتي قلصت الكميات المعروضة في الأسواق فأصبحت محدودة، مما أدى إلى ارتفاع أسعارها".
وقال عضو مجلس إدارة غرفة صناعة الجلود باتحاد الصناعات، يحيى زلط، لـ "العربي الجديد" إن أسعار الأحذية والمنتجات الجلدية ارتفعت بنسبة 40%، نتيجة لارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج.
وأوضح أن أقل سعر للحذاء الجيد يبلغ 180 جنيها، ويصل في الأصناف ذات الجودة العالية إلى ما يتراوح بين 400 و500 جنيه، أما الأحذية المستوردة وخاصة الإيطالية منها فتتجاوز أسعارها 600 جنيه نظراً لجودتها العالية، وتأتي في المرتبة الثانية الأحذية الألمانية والتركية التي تعد مرتفعة الثمن نظراً لاستخدام مكونات عالية الجودة من الجلود.
العقارات والسيارات
وطاول الغلاء قطاع البناء والعقارات التي شهد قفزات قياسية الفترة الأخيرة، وأكد رئيس شعبة مواد البناء بغرفة القاهرة التجارية، أحمد الزيني، لـ"العربي الجديد" أن مصانع الحديد والإسمنت تعمل في وضع احتكاري، فرفعت الأسعار بشكل كبير رغم أن الحد الأقصى لسعر الحديد وفقا للأسعار العالمية يبلغ نحو 400 دولار للطن الواحد، ولكن الشركات تقوم ببيعه بمبلغ يصل إلى 1000 دولار في السوق المحلي، ما يشير إلى وجود احتكار تجاري علني.
وحذر الزيني من تأخر معدلات التنفيذ في مشروع الإسكان الاجتماعي، محملاً الحكومة مسئولية ذلك أمام المواطنين نظرا لتقصيرها الرقابي.
وقال رئيس غرفة التطوير العقاري باتحاد الصناعات، طارق شكري، لـ "العربي الجديد"، إن أسعار مواد البناء ومستلزمات التشطيب ارتفعت بنسبة 100%، مما انعكس على أسعار العقارات الجديدة التي زادت بنسبة 50% خلال الفترة الماضية.
وأوضح أن العقارات أصبحت الملاذ الآمن خاصة في ظل الارتفاعات المستمرة للعملة الصعبة، وتعتبر أفضل مخزون للقيمة.
وأضاف أن جميع أسعار مواد البناء ومستلزماتها، مثل الرخام والسيراميك والأدوات الصحية والكهربائية وغيرها شهدت ارتفاعات كبيرة.
وقال نائب رئيس الشعبة العامة للمستوردين بغرفة القاهرة، محسن التاجورى إن "سعر متر الخشب الزان كان يباع بنحو 7 آلاف جنيه الأسبوع الماضي، ووصل سعر شرائه الأسبوع الحالي إلى 8 آلاف جنيه، مؤكداً أن الشعبة أوصت بالتوقف عن البيع والشراء بشكل كامل لحين استقرار الأمور.
ومن جانب ثان، قفزت أسعار السيارات الجديدة بشكل غير مسبوق، بنسب وصلت إلى 100% لبعض الموديلات منذ بداية العام الحالي، فيما أعلن جهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية الحكومي، فتح تحقيق حول الارتفاعات الكبيرة في الأسعار.
وقال رئيس شعبة السيارات في غرفة الجيزة التجارية (جنوب العاصمة)، أيمن الأبيض، في تصريحات سابقة لـ"العربي الجديد" إن "السوق السوداء للدولار من أبرز أسباب صعود أسعار السيارات".