أثارت مقاطع فيديو انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وبيّنت تعرّض مهاجرين سودانيين للخطف والتعذيب في منطقة بن وليد الليبية بهدف طلب فدية مالية من أسرتيهما، ضمن مجموعة من المهاجرين الأفارقة لم تحدد جنسياتهم، عاصفة من الاستياء الشعبي والدبلوماسي في السودان وليبيا.
وأظهرت الفيديوهات التي أرسلتها مليشيات ليبية لذوي ضحيتين من المهاجرين، وهما السودانيان الصادق أبكر أحمد، وطه سليمان حسين، وكلاهما من إقليم دارفور، جرّدتهما المليشيات الخاطفة من ملابسهما تماماً، ثم عرّضتهما لأبشع أنواع التعذيب، من خلال حرقهما بالرصاص الحار، وجلدهما بالسياط، قبل أن يُجبرا على تسجيل مقاطع فيديو أخرى، يطالبان فيها أُسرتيهما بإرسال فدية للمليشيات بنحو 8 آلاف دولار (250 مليون جنيه سوداني)، مقابل إطلاق سراحهما.
واعتبر القائم بأعمال السفارة الليبية في الخرطوم، علي مفتاح المحروق، أن حادثة خطف وتعذيب سودانيين في منطقة بن وليد الليبية، مجرد حادثة معزولة وتصرفات خرقاء، لا يمكنها التأثير على العلاقة العميقة بين الشعبين السوداني والليبي.
وأوضح المحروق لـ"العربي الجديد" أن "الشعب الليبي كله يدين ممارسة العصابات المسلحة"، مشيراً إلى أن "الليبيين أنفسهم ليسوا بمنأى عن تعرّضهم لعمليات الاختطاف الخارجة عن القانون". وأكد أن "السلطات الليبية تحقق فيما أظهرته مقاطع الفيديو، وتعمل بكل جدية من أجل تحرير المختطفين".
وقال آدم أحمد، من أسرة الضحيتين لـ"العربي الجديد"، إن الخاطفين أجروا اتصالاً جديداً مع أسرتي المخطوفين، طالبين تسليم مبلغ الفدية وقيمتها 250 مليون جنيه سوداني (8 آلاف دولار) لعناصر تابعين للشبكة على الحدود.
وأشار إلى أن الخاطفين يرفضون فكرة التفاوض لتخفيض قيمة الفدية، وأنهم ينهون المكالمات الهاتفية بعبارة واحدة "أرسلوا المبالغ".
وعلم "العربي الجديد" أن حملة في السودان انطلقت لجمع المبلغ والتواصل مع الخاطفين. ويقول منظمو الحملة، إن اتصالات أجريت مع جهات ومنظمات ليبية أثبتت لهم صعوبة إطلاق سراح الشابين من دون مقابل. وإن أطرافاً ليبية نصحتهم بدفع الفدية، قبل انقضاء المهلة التي حددتها العصابات بنهاية اليوم الأحد.
وتأكدت الأسرتان من هوية الشابين اللذين ظهرا في مقاطع الفيديو، خصوصاً أن الخاطفين تعمدوا تصوير وجهيهما لكي يطلبوا الفدية ويبتزوا ذويهما لاحقاً.
وتقول مصادر من أسرة الضحيتين، إن الشابين سافرا من منطقة كتم بولاية شمال دارفور قبل ستة أشهر، وتوجّها إلى ليبيا بغرض العبور إلى أوروبا، مشيرة إلى أن عملية الاختطاف وقعت يوم الأربعاء الماضي، وأن الخاطفين يتواصلون مع أسرتي الشابين يومياً، ويمارسون الابتزاز والضغط النفسي على الأسرتين.
وسبق للصحافية السودانية نعمة الباقر أن كشفت، خلال تحقيق استقصائي لصالح "سي إن إن" الأميركية، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، قضية بيع أفارقة مهاجرين غير نظاميين، في أسواق ليبية، كرقيق.
وقالت السودانية أميرة الفاضل، مفوضة الشؤون الاجتماعية في الاتحاد الأفريقي، إن الاتحاد كلف منظمة السيسا، وهي تجمع أفريقي لأجهزة المخابرات، والإنتربول الدولي، بإجراء التحقيقات اللازمة بشأن مقاطع الفيديو الأخيرة، مع تكليف منظمات تُعنى بحقوق الإنسان للمشاركة في التحقيقات.
وأعرب حزب المؤتمر السوداني، في بيان له، اليوم الأحد، عن صدمته من مشاهد التعذيب. وقال إنها تأتي في سياق حرب ضد الإنسان الأفريقي، محملاً الحكومة السودانية مسؤولية رحلات الشباب السوداني للمغامرة في طريق الهجرة إلى أوروبا، بعد أن سُدت أمامه الطرق في الداخل.
وانتشرت فيديوهات التعذيب في ليبيا أيضاً، إذ يظهر المقطع الأول مجموعة من المهاجرين نصف عراة، وعلى أجسادهم آثار ندوب وتسلّخات، بعد أن تعرّضوا للضرب. ويطلب منهم أحد المسلحين الاستلقاء على ظهورهم فتظهر وجوههم للكاميرا، وهو يوجه لهم السباب والشتائم.
أما المقطع الثاني فيُظهر عملية تعذيب بشعة، إذ يتم حرق أنبوب بلاستيكي على ظهر مهاجر عارٍ تماماً. ويبيّن الفيديو البلاستيك الحامي الذي يسيل ويستقر على ظهر المهاجر وهو يصرخ من شدة الألم.
ويكشف المقطعان نموذجاً من عمليات التعذيب الواضحة، والتي تنشر عن قصد، خصوصاً مع تعمد الحديث مع المعذبين وإظهار وجوههم للكاميرا، والتي يبدو أنها أعدت من أجل إرسالها لأهالي المهاجرين المحتجزين لطلب الفدية منهم، خصوصاً أن أحد المعذبين يظهر صوته في الفيديو وهو يقول "حوّل فلوس" (أرسل مالاً).
وقبل الكشف عن هوية المهاجرين السودانيين، دارت التكهنات بشأن مكان وزمان الحادث، وهوية الخاطفين والمخطوفين، مع ترجيح أن تكون واقعة التعذيب حصلت في إحدى مناطق غرب ليبيا، لأن اللهجة التي يتحدث بها ممارسو التعذيب هي لهجة تتطابق مع لهجة مناطق زليتن، ومصراتة، وبني وليد، لا سيما أن الأخيرة من المناطق التي تتوفر فيها أماكن لتجميع المهاجرين القادمين عبر الصحراء نحو الشمال، ليصار إلى نقلهم بعد ذلك إلى نقاط التهريب على الشاطئ.
المقطعان يظهران وجهاً جديداً من وجوه معاناة المهاجرين في ليبيا، فلا يكفي استغلال ظروفهم والدفع بهم عبر قوارب الموت في البحر، بل يعرضهم "تجار البشر" للتعذيب من أجل ابتزاز أهلهم لدفع الأموال مقابل حياتهم.