ورفض عدد كبير من أعضاء مجلس النواب الليبي المعارضين لتحركات حفتر العسكرية
المشاركة في جلسات القاهرة التشاورية، بسبب عدم وضوح طبيعتها، أو الأهداف المرجوّة منها، في ضوء فشل الهجوم الذي أطلقه حفتر في مطلع إبريل/ نيسان الماضي، بغرض احتلال العاصمة طرابلس، مقر حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دولياً، برئاسة فايز السراج.
وقرر رئيس لجنة الشؤون العربية في البرلمان المصري، أحمد رسلان، غلق جلسة التشاور مع النواب الليبيين أمام وسائل الإعلام، وإلغاء المؤتمر الصحافي الذي كان مقرراً عقب اللقاء، في الوقت الذي أصدر فيه رئيس البرلمان، علي عبد العال، تعليمات بعدم نشر البيان الصادر عن المتحدث الرسمي لمجلس النواب، صلاح حسب الله، والذي لمّح فيه إلى تلك المشادات.
وسارع حسب الله بسحب البيان الرسمي الصادر عنه باسم البرلمان المصري، والتواصل هاتفياً مع الصحافيين المكلفين بتغطية شؤون مجلس النواب، لطلب عدم نشر البيان، بعد أن تلقى تهديداً من عبد العال بسحب منصب المتحدث الرسمي منه، كونه بادر بصياغة البيان، وإرساله إلى وسائل الإعلام، من دون العودة إليه، وفقاً لمصادر نيابية مصرية.
بداية المشادات
بداية المشادات كانت مع قول النائب الليبي محمد عامر العباني إن مجلس النواب الليبي الحالي شُكل بموجب القانون رقم 10 لسنة 2014 الصادر عن المؤتمر الوطني العام، من خلال انتخابات يوليو/ تموز 2014 التي ظهرت نتائجها من دون أن يطعن أحد فيها، معتبراً أنه ليس غريباً على دعوة مصر لهذا الحوار، خصوصاً في ظل الأزمات والصراعات التي يمر بها الشعب الليبي.
وأضاف العباني أن الصراع الذي تشهده الدولة الليبية ليس سببه تيارات سياسية، وإنما تيارات إرهابية اختطفت العديد من المدن الليبية، مستطرداً أن "مجلس النواب الليبي هو السلطة الرسمية في البلاد، وسبق أن أصدر قراراً في عام 2014 بحل هذه التيارات، ونزع سلاحها، ولكن نظراً لعدم وجود قوة عسكرية وطنية حينها لم يُنفذ القرار"، على حد تعبيره.
وأشار العباني إلى أن مجلس النواب هو الذي أسس القوات المسلحة الليبية، موجهاً التحية لقيادتها "المرابطة" حالياً على تخوم طرابلس، في سبيل مواجهة قوى الإرهاب، والقضاء عليها؛ الحديث أثار حفيظة النائب مصباح البدوي، الذي رد معقباً: "هذا حديث مغلوط، وأطالب الحاضرين بعدم التطرق إلى هذا الحديث، لأن هذه الجلسة للم الشمل، وليس للحديث عن توجهات معينة".
واحتد العناني على البدوي، بالقول: "رفض تحركات القوات المسلحة الليبية يعني الانحياز للإرهاب"، ما أثار غضب الأخير، قائلاً "اتق الله، طريقة الحديث هذه غير مقبولة"، ليقرر على إثرها رسلان غلق الجلسة أمام الصحافيين، ومطالبتهم بالذهاب إلى مقر إقامة الوفد في فندق "فيرمونت" بضاحية مصر الجديدة، شرقي القاهرة، في حال الرغبة في الحصول على تصريحات من الوفد الليبي، الذي خرج عقب الاجتماع في حراسة أمنية مشددة.
ويعد استقبال مجلس النواب المصري وفد البرلمان الليبي، على هامش اجتماع اللجنة الوطنية المعنية بليبيا، في حضور ممثلين عن مختلف التيارات السياسية داخل ليبيا، وكذلك مراعاة التمثيل الجغرافي بالنسبة لمناطق الشرق والجنوب والغرب الليبي؛ في إطار الجهود المصرية لتوحيد رؤى النواب الليبيين تجاه حل سياسي يقوده مجلس النواب الليبي.
اقتصار الكلمات العلنية على المؤيدين لعملية حفتر
واقتصرت الكلمات العلنية على النواب المؤيدين لعملية حفتر؛ إذ قال النائب الليبي عبد المطلب ثابت إن "الشعب المصري له مواقف تاريخية مع نظيره الليبي، باعتبار أن الدولتين تتشاركان في الحدود الجغرافية، وغيرها من الأمور المشتركة"، مطالباً القيادة السياسية المصرية بمواجهة ما سماه "المد التركي في المنطقة، الذي هُزم في كل من مصر وسورية، والآن يخوض معركته الأخيرة في طرابلس"، على حد زعمه.
وادعى ثابت أن "هناك تدخلات تركية سافرة وواضحة في ليبيا، لأن الرئيس رجب طيب أردوغان هو الداعم والمحرك لكل الجماعات الإرهابية، سواء من خلال الأسلحة أو المعدات اللوجستية"، مستدركاً "حلم الخلافة العثمانية على وشك الانهيار، وجماعة الإخوان صنفها البرلمان الليبي على أنها إرهابية، ومن يتعاملون معها نعرف أنهم يعملون لصالح أجندات خارجية".
وتابع: "نُقدر جهود القوات المسلحة المصرية بالتنسيق مع القوات الليبية في مواجهة الجماعات الإرهابية المدعومة من قطر وتركيا، بعد أن استرد الجيش الليبي عافيته إثر تحرير المنطقتين الشرقية والجنوبية، والغرض من زيارة مجلس النواب المصري هو دعم خارطة الطريق في ليبيا، والسعي نحو استقرارها، ودعم مؤسستها العسكرية، علاوة على تعزيز دور مجلس النواب الليبي الذي يعد الجهة الوحيدة الممثلة للدولة الليبية".
وزاد ثابت بالقول إن "القوى السياسية تعمل على صياغة حل توافقي يُرضي جميع الأطراف، ويدعم مدنية الدولة"، مختتماً أن "وفد مجلس النواب الليبي يعتزم مخاطبة البرلمانات الدولية، والاتحاد الأوروبي، والكونغرس الأميركي، من أجل شرح الأوضاع في ليبيا، والجهود الرامية من القوات المسلحة، جنباً إلى جنب مع القوى السياسية، من أجل استعادة الاستقرار، والمطالبة بوقف تمويل الإرهاب".
بدورها، قال النائبة الليبية ابتسام الرباعي إن "الدور التركي معروف لدى الجميع، ويتسبب في سقوط الضحايا، بما ينعكس بشكل سلبي على أمن ليبيا واستقرارها"، مضيفة "نحن كأعضاء بمجلس النواب الليبي نتطلع إلى دور مصر، وبرلمانها، في مساندتنا على الصعيدين الدولي والأفريقي، لا سيما مع المكانة التي أصبحت تتمتع بها مصر في ظل قيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي"، وفق قولها.
وشددت الرباعي على تكاتف الجهود من أجل القضاء على الإرهاب، مع الاعتراف بأهمية الدور المصري في دعم ومساندة الشعب الليبي، والحفاظ عليه، لافتة إلى أن زيارة الوفد البرلماني الليبي إلى مصر تعكس مدى عمق العلاقات بين البلدين، وحرص الجانب المصري على دعم الجارة ليبيا، والاستماع إلى نواب البرلمان الليبيين حول مستجدات الأوضاع الراهنة.
كان رسلان قد رحّب بالوفد الليبي في بداية الجلسة، قائلاً: "أهلا بكم في بلدكم الثانية مصر، وأتمنى من الله أن تعود ليبيا موحدة إلى الصف العربي"، ناقلاً تحيات عبد العال، والذي وجه بتسخير كافة إمكانات مجلس النواب المصري لخدمة القضية الليبية.
وشدد رسلان على أن أمن ليبيا القومي بمثابة امتداد للأمن القومي لمصر، وهو ما يعني أن مصر لن تدخر جهداً في حل الأزمة، والسعي نحو تحقيق التوافق بين كافة الأطراف الليبية.
بدوره، أعرب النائب المصري سعد الجمال، نائب رئيس البرلمان العربي، عن اهتمام الشعب المصري دوماً بما تمر به الدولة الليبية من ظروف وأوضاع، وتطلعه إلى نجاح جهود الحل السياسي للم الشمل الليبي، لافتاً إلى أن وحدة البرلمان الليبي هي وحدة للشعب بالكامل، بذريعة أن هناك مؤامرات تُحاك ضد الأمة العربية، وهو ما يتطلب تفويت الفرصة على أهل الفتن و"الخونة"، حسب تعبيره.
وأضاف الجمال أن "أمن ليبيا هو جزء لا يتجزأ من الأمن القومي المصري، واستقرارها يستلزم القفز على كل اعتبارات قبلية أو سياسية أو طائفية"، مواصلاً: "لن نسمح على الإطلاق بنجاح محاولات تقسيم ليبيا مهما كانت التحديات، والبرلمان المصري هو سند لليبيا وشعبها. والليبيون أنفسهم لن يسمحوا بتقسيم الوطن، ولن ينجروا وراء التدخلات المشبوهة من الخارج، والتي استغلت الصراع من أجل زعزعة الاستقرار في ليبيا".
نواب طرابلس يرفضون الدعوة المصرية
تجدر الإشارة إلى رفض النواب الليبيين المجتمعين في طرابلس دعوة مصرية لحضور لقاء يجمعهم بنواب مؤيدين لعملية حفتر العسكرية للسيطرة على العاصمة، مؤكدين أن "ما ينتج عن اجتماع القاهرة من قرارات أو مواقف لا يمثل إلا أصحابها، ولا يعبر عن مجلس النواب المجتمع في طرابلس".
وقال المتحدث باسم مجلس النواب المنعقد بطرابلس، حمودة سيالة، إن مجلس النواب يمكنه قبول أي تواصل مع الجانب المصري لبحث وقف العدوان على طرابلس، وإدانة داعمي عملية حفتر العسكرية، مضيفاً في حديث سابق مع "العربي الجديد" أن "الدعوة المصرية غير واضحة، كما أن القاهرة تعد من داعمي حفتر، ولا نعتقد أن اللقاء سينتج عنه حلٌّ لما تشهده البلاد من تصعيد عسكري يهدف إلى عسكرة الدولة".