مسلمو الإيغور في الصين .. أقلية مضطهدة ومتهمة بالإرهاب

25 ديسمبر 2019
+ الخط -
بات وضع مسلمي الإيغور في الصين، الذين ينتمون إلى إقليم تركستان الشرقية (حالياً شينجيانغ)، مقلقاً بعد تفاقم الخطر المحدق بهم جراء ما يعانونه من اضطهاد من السلطات الصينية. وإن كانت الصين على دراية بمستقبل الموارد الطبيعية من نفط وغاز داخل الإقليم، فإنها على درايةٍ أيضاً بما تحمله السيطرة على هذا الإقليم، والقضاء على الإيغور فيه، من قيمة استراتيجية وأمنية، تساهم في صنع مجد الصين وقوتها العظمى، فالإقليم القابع تحت سيطرة الصين منذ عام 1949، والذي يحوز حكما ذاتيا، لا يمكن أن تتخلى عنه الجمهورية الشعبية بهذه السهولة، طالما أن المكاسب التي تجنيها منه غاية في الأهمية. ومع هذا، لا يقبل الإيغور بهذه الممارسات، وحاولوا مراراً القيام بحركاتٍ استقلالية، إلا أنها فشلت بسبب آلة القمع الصينية، وألصقت الصين بهم تهم الإرهاب والتطرّف الإسلامي. ولا يزال الغموض يكتنف الحديث عن الصورة الحقيقية في ظل التعتيم الإعلامي على حقيقة ما يجري داخل هذه الإقليم.
أصول الإيغور
يرجع الإيغور في سلالاتهم إلى شعوبٍ مسلمة من أصول تركية (التركستان) استوطنت في إقليم تركستان الشرقية. وإذ ينتمي الإيغور إلى التركستان، إلا أنهم يعدّون أنفسهم أقرب إلى 
شعوب آسيا الوسطى من ناحية العرق والدين والمجموع الثقافي. وفي واقع الأمر، عانى مسلمو هذا الإقليم، وعددهم حاليا حوالي 11 مليوناً من الإيغور، الويلات لنيل استقلالهم الذي تحقق مدة وجيزة بعد ثورة تركستان في 1931، وأعلنوا من خلالها إقامة حكم ذاتي تحت مسمى دولة تركستان الشرقية، التي ما لبث أن قضى عليها الحكم الشيوعي الصيني عام 1949. وإثر ذلك، أصبح اسم الإقليم الجديد شينجيانغ، بدلاً من "تركستان الشرقية"، وأصبح الإقليم من ملحقات جمهورية الصين. ومنذ ذلك الحين، لم تدّخر السلطات الصينية جهداً لطمس معالم الهوية الإيغورية المسلمة، وفرض الهوية الصينية الشيوعية على سكان الإقليم ككل؛ وباتت ممارسات الصينين، يوماً بعد يوم، تهدّد وجود الإيغور الأصليين في موطنهم.
اضطهاد الأقليات
تتصدّر الصين قائمة الدول التي تمارس الاضطهاد بحق الأقليات الدينية والعرقية في البلاد. ولربما كانت التقارير الصادرة عن مركز بيو الأميركي للأبحاث، والتي استغرقت ما لا يقل عن خمس سنوات لإصدارها، هي الأكثر قدرةً على رصد واقع اضطهاد الأقليات في الصين وحالاته بين عامي 2006 و2010. وتحت ذريعة إدماج "وإذابة" جميع الديانات وإدخالها في القومية الصينية، عملت الحكومة الصينية بشتى الوسائل على فرض أشد أنواع التغيير الديمغرافي وأساليب التطهير العرقي والديني بحق السكان الإيغور. واللافت للانتباه أن هنالك ما لا يقل عن 23 مليون مسلم في الصين ككل، وهم يشكلون أقلية، إلا أن منهم من ينتمي إلى عرق الهُوي، وهم الذين ترضى عنهم الصين، وتعتبرهم المسلمين الصالحين بنظرها، ويَلقون معاملة مثل الصينيين أنفسهم، على نقيض تامّ مع مسلمي الإيغور الذين يتم التنكيل بهم يومياً. ومردّ هذا أن "الهُوي" موالون في صميمهم للنظام الصيني، وبالتالي لا يشكلون خطراً كما الإيغور الذين لا يتحدثون الصينية، ولا يتبعون تعاليم السلطات الصينية، بل وتخشى الصين تكتلهم في إقليم واحد، على اعتبار أن تاريخهم حافلٌ بمحاولات الاستقلال.
وغالباً ما تكون التقارير التي تصدرها الأمم المتحدة، أو أي مؤسسة تعنى بحقوق الأقليات، ناقصةً بحق الإيغور، جرّاء ما تفرضه السلطات الصينية من قيود على الإقليم. والواقع أن من نجا من الإقليم، بأعجوبة طبعاً، يتحدّث عن أفظع أنواع الاضطهاد على الإطلاق. هدم المساجد، أو تحويلها إلى معالم للتصوير فقط، وإجبار النساء على خلع الحجاب، ومنع السكان من صوم رمضان وإجبارهم على شرب الخمور والتدخين، ومنعهم من امتلاك جوازات سفر لأي غرضٍ كان؛ كلها، وما خفي أعظم، من الممارسات التي تفرضها السلطات الصينية على الإيغور.
القومية الصينية وهوية الإيغور
وقد بدت عملية صهر الإيغور في القالب الصيني أنها تصبّ في صالح الصين، لا في صالح الإيغور. في البداية، كانت خطة الصين إدماج المسلمين الإيغور في المجتمع الصيني، 
وتعليمهم اللغة الصينية، مع الحفاظ على هويتهم؛ ثم ما لبثت هذه الفكرة أن تلاشت لتصبح عملية "إذابة" مع نزع الهوية الإيغورية عن أبنائها، وفرض اللغة الصينية (لا غيرها) في التعاملات والحديث وأيّ نوع من التواصل.
وعلى اعتبار اللغة الصينية أهم عامل في بناء الهوية والقومية، فإن فرضها عنوةً كان محطّ الرفض المطلق من السكان الإيغور، ولاقُوه بالتمسّك بهويتهم الأصلية، الأمر الذي ساهم في إذكاء حدّة الخلاف بين السلطات الصينية وأهل الإقليم. وإن كان رد الإيغور عنيفاً لمقاومة سلخ هويتهم واستبدالها بالقومية الصينية البحتة، خصوصا بعد إدخال جماعات صينية وإسكانها في بيوتهم، فإن هذا ما ساعد السلطات الصينية على استخدام ردة الفعل هذه أداة ضدهم، واعتبرتهم متطرّفين خارجين على قوانين الشيوعية الصينية، بل وإرهابيين حتى. ولم تلبث الحكومة الصينية، بعد أحداث "11 سبتمبر" في العام 2001، أن ألصقت تهمة التطرّف والإرهاب بالجماعات القومية التي تطالب بالحفاظ على هوية الإيغور وقوميتهم، وهذا ما أكسب الصين شرعية إبادتهم، مستندة إلى عالمية "الحرب على الإرهاب". ولربما كانت أي جماعةٍ تطالب أو تقاوم فرض اللغة الصينية وتعاليم المجتمع الصيني، المتجه نحو الإلحاد، هي في نظر قوات الأمن الصينية جماعة انفصالية إرهابية، ولا بد من التعامل معها تحت غطاء دولي. وبالتالي، لم يكن لبكّين خيارٌ سوى العنف المدعوم دولياً في فرض نموذجٍ حديث للإيغور، يتناسب مع رؤية الصين القومية.
استقرار الصين ودور الدول الخارجية
ومع وضع جماعات الإيغور على قوائم الإرهاب، لم يعد أمن جمهورية الصين مسألة داخلية تخصّ الصين فحسب، بل سارعت دول عديدة إلى إعلان مساندتها في قمعها الإيغور. وفعلياً، ترى الدول التي ترتبط مصالحها السياسية والاقتصادية والأمنية بمصالح بكين أن الإيغور 
يشكلون خطراً على استقرار الصين، وبالتالي مصالحهم، فأقطابٌ، مثل روسيا وأميركا، معنيّون بأن يكون موقفهم إيجابياً تجاه عمليات الصين ضد الإيغور، فمصالح مشاريع الغاز والنفط، ومشروع طريق الحرير والحزام الاقتصادي الذي ستشكله هذه الدول مع الصين، من شأنها، مجتمعةً، أن تشكل قواسم مشتركة مهمة وحساسة في آنٍ تجاه أي خطر ناجم عن عدم استقرار شمال غرب الصين. وإن كانت الصين تفرض قيوداً ورقابةً منقطعة النظير على السكان الإيغور، إلى درجة أن الإقليم يصنف الأعلى اكتظاظاً بالشرطة في العالم، إلا أنها ترى للصراع داخل هذا الإقليم عواقب وخيمة، تطاول اقتصادها وسياستها الخارجية على المدى البعيد. ولم تغب كل من الإمارات والسعودية عن مشهد تأييد الصين في هذه العمليات، إذ يعتبر قادة هذين البلدين أن للصين الحق في الحفاظ على أمنها القومي، وأن لها الحق في القضاء على الإرهاب. ويدل هذا على مدى تأثير المصالح والعلاقات الاقتصادية بين هذه الدول مع الصين، بالإضافة إلى خبث في التعاطي مع موضوع مسلمي الإيغور، بعد غض النظر عما ترتكبه بكين من ممارسات بحق سكان الإقليم المسلمين، لصالح خطط تنموية ترعاها الصين في الشرق الأوسط، وفي بلدانهم تحديداً.
الإعلام الصيني وخنق الإيغور
وما يزيد الوضع تعقيداً في شينجيانغ أن وسائل الإعلام الوحيدة التي تتحدث عن الإقليم هي تلك التابعة للحكومة الصينية. وعلى الرغم من تسريب بعض الفيديوهات والصور الحذرة للغاية من بعض زوار المنطقة بحجة السياحة، إلا أن المعلومات التي تخرج ما وراء حدود الإقليم ضئيلة جداً، ولا تنبئ عن واقع الحال شيئاً. ويمكن القول إن الصين تحقق صدارةً ضمن أسوأ الدول 
على الإطلاق في حرية الإعلام، بحسب مؤشر بيت الحرية (Freedom House)، إذ جاء مركزها 177 بين 180 دولة في تصنيف المؤسسة، وتصنيف منظمة صحافيين بلا حدود. وبالتالي، فإن رقابة شديدة تطبّق على وسائل الإعلام، بالإضافة إلى خنق الحريات السياسية في الدولة ككل، مع فرض قوانين غاية في الصرامة على التواصل الإلكتروني. وإذا كان هذا هو الحال في أرجاء الدولة، فإن الرقابة على أشدّها في شينجيانغ، إلى درجة أن أي مسلم من الإيغور يشعر بحراسةٍ شخصيةٍ عليه، فأجهزة التنصت في كل مكان، ومعسكرات الاعتقال تحت مسمّى "إعادة التأهيل" مجهّزة بكل التقنيات اللازمة لرصد الإيغور وتعقّبهم داخلها وخارجها، بالإضافة إلى قدرة السلطات على فحص بيانات الهواتف المحمولة لجميع سكان الإقليم تحت أي ظرف.
ولكن، على الرغم من هذه التعقيدات والصرامة، فإن ما يجب التركيز عليه هو خطاب وسائل الإعلام الصينية عن الإيغور، ففي مرحلة ما، كانت اللغة الجمعية التي تتحدّث بها وسائل الإعلام الصينية، وأكبرها "شينخوا" (وكالة الأنباء الرسمية)، تُظهر الخطاب الإعلامي شاملاً للإيغور في صناعة القوة الصينية. وبعد تطور الأحداث وبروز نظرية "الحرب على الإرهاب"، تغيرت ملامح هذا الخطاب الإعلامي، لينتقل بالإيغور إلى مربع "الإسلاميين المتطرّفين" و"الإرهابيين" لتصديرهم على الشاشات أنهم ليسوا مجرد أقلية عادية. وفي حين أن عدة وسائل إعلام غربية، مثل DW وBBC، تؤكد على أن النزاع في شينجيانغ في حقيقته ديني ثقافي واجتماعي ضد الأقليات، إلا أن الإعلام الصيني، بكل أدواته، يصر على نقله أنه صراع ضد الإرهاب. وبذلك، تسعى السلطات الصينية إلى كسب الصوت الدولي ضد الإيغور، عبر تصدير صورتهم "مسلمين متطرّفين" يتأثرون بالتوجه السائد في الشرق الأوسط والحركات الإسلامية المتطرّفة، على حد زعمها.
5050C93B-6DCD-4591-A085-582E58AAC0F8
5050C93B-6DCD-4591-A085-582E58AAC0F8
مهيب الرفاعي

كاتب وباحث سوري في معهد الدوحة للدراسات العليا

مهيب الرفاعي