إسرائيل والجماعات العسكرية الشيعيّة

13 مارس 2024

مقاتلون من حزب الله في تشييع القيادي علي الدبس في النبطية جنوب لبنان (16/2/2024/Getty)

+ الخط -

في المشهد المضطرب في الشرق الأوسط، اتّخذت ظاهرة الجماعات العسكرية الشيعيّة أشكالاً ومسمّيات وتوجّهات عدّة، بدءاً من الحرب الإيرانية العراقية، والحرب على القاعدة وغزو أفغانستان وتلاها غزو العراق، وأخيراً الحرب في سورية. وغالباً ما توازى ظهور الجماعات الشيعيّة مع ظهور التنظيمات السنّية المتطرّفة مثل داعش والقاعدة. ترجع جذور الجماعات الشيعية في سورية ولبنان إلى تفاعل معقد بين العوامل التاريخية والسياسية والدينية بين الطوائف في البلدين، ولعامل آخر مهم هو الدعم الإيراني اللامحدود لوكلائها في المنطقة، وإيجاد شركاء في إحداث نقلةٍ نوعيةٍ على مستوى السيطرة وبسط النفوذ وإعادة ترتيب أوراق القوة. كان ظهور حزب الله وحركة أمل في لبنان مجموعتين شيعيتين مسلحتين قويتين في الثمانينيات نقطة تحوّل مهمّة في مسار العمل العسكري الشيعي في المنطقة، بعد أن تكشفت صلتهما بإيران، الجمهورية ذات الثقل الشيعي الأكبر في المنطقة، واللذين ساعدا إيران على مدّ أذرعها والتوغّل في المنطقة، وشكّلا نواة لهذه الجماعات منذ أربعة عقود.

نشأت فكرة الجماعات الشيعية بمفهومها العسكري الاستخباري مع تأسس حزب الله في خضم الحرب الأهلية في لبنان ثمانينيات القرن المنصرم، والذي تحوّل في عقيدته العسكرية إلى مقاومة الاحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان، ثم تطوّر تدريجياً إلى منظمّة متعدّدة الأوجه ذات أجنحة سياسية واجتماعية وعسكرية. وتبنّى الحزب في إيديولوجيته، التي تأثّرت بشدّة بالإسلام الشيعي الثوري في إيران، مفهوم الكفاح المسلح ذي الطابع الديني الجهادي ضد الاحتلال الإسرائيلي، وامتدّ نشاطه أخيراً إلى سورية. وقد وفّرت الحرب في سورية أرضاً خصبة لتوسّع الجماعات الشيعية لضرب قوات المعارضة السورية واسترجاع الأراضي التي سيطرت عليها قوات المعارضة السورية المسلّحة، والتي بلغت نسبتها في عام 2015 حوالي 65%. وصدّرت الجماعات الشيعية المسلحة خطاب دعوات القتال في سورية أنها واجب ديني جهادي للدفاع عن الأضرحة والمجتمعات الشيعية ضد الجماعات السنّية التي تمثل المعارضة السورية المسلحة، وأهمّها جيش تحرير الشام وجبهة النصرة وهيئة تحرير الشام.

نشأت فكرة الجماعات الشيعية بمفهومها العسكري الاستخباري مع تأسس حزب الله في خضم الحرب الأهلية في لبنان ثمانينيات القرن المنصرم

خدم دخول حزب الله إلى الحرب في سورية المصالح الجيوسياسية الإيرانية من خلال مواجهة نفوذ القوى السنّية في المنطقة وتعزيز النفوذ الشيعي الإيراني، وبسط يد المجتمع الشيعي بجوانبه الاجتماعية والسياسية والأمنية والعسكرية في سورية ولبنان. في تجاهل تام لتعميق التوتّر الطائفي، وفجوة الانقسام بين السنّة والشيعة، وإدانة الدول ذات الأغلبية السنّية والدول الغربية هذا التوسّع، على اعتبار ان إيران عدو تقليدي لدول المعسكر الغربي والولايات المتحدة.

الأمر نفسه في لبنان، حيث تجلت الجماعات الشيعية في المقام الأول من خلال الأنشطة العسكرية لحزب الله ومشاركته في الصراعات الإقليمية. وفي حين حصل الحزب على الدعم من المجتمعات الشيعية لمقاومته ضد إسرائيل، فإن تدخّله في حرب سورية أدّى أيضاً إلى حالة استقطابٍ كبيرةٍ داخل المجتمع اللبناني وإذكاء الانقسامات الطائفية الموجودة بالأساس، وأدّى إلى زيادة توتر التوازن الطائفي الهشّ في لبنان، ما ساهم في أعمال عنفٍ متفرّقة وعدم الاستقرار السياسي.

تعزيز نفوذ الوكلاء الشيعة 

بعد حربها مع العراق 1980-1988، شكّلت سورية حالة الاختبار الثانية لإيران، التي تحمي نفسها من خلال محاولة نشر هيمنتها (وبالتالي الردع) في جميع أنحاء المنطقة، وهي خطّة يتم تفعيلها وتنفيذها من خلال ترويج الجماعات الشيعية وفق  أمر ديني مرتبط بالمرجعية الشيعية في إيران. وبناء على ذلك، تسعى الجماعات الشيعية المنتشرة جاهدة إلى ضمان موطئ قدم دائم لإيران في المناطق السورية بشكل أساسي، والتي تعتبر ضرورية للتطلّعات الإقليمية الإيرانية، من خلال فرض النفوذ السياسي والعسكري والديني الإيراني بين المناطق والسكان في سورية. من وجهة نظر الواقعية السياسية التي تركّز على الوصول إلى السلطة والنفوذ الدولي كأهم أولويات الدول، يرى عالم السياسة كينث والتز[1]  أن النظام الدولي منافسةٌ لا مفرّ منها، إذ تُقيّم قوة كل دولة فقط بالمقارنة مع قوة الدولة الأخرى؛ أي إن البقاء يحتاج إلى دول رائدة في منطقة الصراعات، تسعى نحو تعظيم قوتها من خلال السيطرة على خصومها وإضعافهم والتحوّل إلى قوة إقليمية مهيمنة. وفي حالة السياسة الإقليمية لإيران، بناءً على تحليل الألماني فولكر بيرثيس، فإن منطق السياسة الإيرانية في مرحلة ما بعد الثورة الإسلامية عام 1978 قائم على مزيج من الطموح والخوف في الوقت نفسه[2]. اصطدم طموح إيران في إعادة هيكلة الوضع في المنطقة على مزاج المرشد الأعلى، وإعادة أمجاد الإمبراطورية الفارسية المتحكّمة بإقليم كامل في آسيا الغربية، بواقع سياسي أفرزته الحرب الباردة واتفاقيات تقسيم المنطقة بين المعسكرين، السوفييتي والغربي، وإنشاء مجالس عربية، أهمها مجلس التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية، قضى على أحلامها بالنفوذ الكامل في المنطقة وفق قواعد لعبة سياسية وأمنية تفرضها المرشدية العليا للجمهورية.

تعزّزت عقدة النقص لدى إيران بعد خروجها من حربها مع العراق، بين 1980 و1988، بخسائر مدوّية  على المستويين، البشري والمادي، وفشلها في بسط السيطرة على دولة مجاورة وضمّها لنفوذها، وانتقلت إلى مرحلة الحرب بالوكالة لضمان جبهتها الداخلية وضمان عدم الوقوع في عزلة دولية ناجمة عن حرب الخليج الأولى؛ ورأت أن من المهم للغاية تعزيز مكانة حزب الله اللبناني في المنطقة، حتى أصبح قوة تخطّت أجهزة الدولة اللبنانية والسورية، وأثبتت وجودها امام الاحتلال الإسرائيلي وفي الحرب في سورية.  خوف إيران من مهاجمتها من خصومها سواء في دول قريبة أو بعيدة، دفعها إلى تعزيز قدرة القوات الشيعية في المنطقة، ورفدهم بالاستشاريين الأمنيين والعسكريين ووضع قادة الحرس الثوري الإيراني جنباً إلى جنب مع قادة هذه الجماعات. ونتيجة لهذه القوة، وصلت القوات الشيعية إلى عمق مدن كبرى في المنطقة، بدءاً من بغداد وصولاً إلى دمشق وحلب وحمص ودرعا والبقاع الغربي في لبنان، وسهّل هذا الوصول انتشار سلاسل توريد أسلحة وذخائر إلى القوات الشيعية العاملة في المنطقة، بما يخدم مشروع الجماعات الشيعية ومقارعة الاحتلال الإسرائيلي وردع خصوم إيران.

لضمان قاعدة شعبية لقواتها الشيعية، استثمرت إيران في التغيير الديموغرافي للمدن السورية من خلال ترويج التشيّع

ولضمان قاعدة شعبية لقواتها الشيعية، استثمرت إيران في التغيير الديموغرافي للمدن السورية من خلال ترويج التشيّع ومحاولات ضم أكبر عدد ممكن من سكّان المدن الكبرى، كدمشق وحلب وحمص، للألوية الشيعية، مثل "زينبيّون" و"فاطميّون" و"النجباء"، وزجّهم في أتون المعارك في سورية. فعلياً، أصبح لدينا مستويان من الحشد والتجييش الجهادي الشيعي في سورية: الأول داخلي، يتمثل بمعارك ذات نزعة طائفية بحتة، قوامها حماية المقدّسات الشيعية وسلالة آل البيت من الجماعات السنّية المسلحة. والثاني خارجي، يتمثل بالصراع مع إسرائيل وعدّه قلقاً وجوديّاً، وعدّ طريق القدس حكراً على القوات الشيعية المنتشرة في المنطقة، ولها الحقّ في الوصول إلى دول المنطقة بذريعة المقاومة. ونتيجة هذا الحشد، تغيّرت ملامح المدن الكبرى في سورية، وأصبح وجود القوات الشيعية واضحاً وعزّزته بانتشار قادة عسكريين واستخباريين في أحياء عدة من العاصمة دمشق كمركز انطلاق للعمليات. بحسب المجلس الأطلنطي للشؤون الدولية، بلغ عدد قوات لواء "زينبيون" وحده في دمشق حوالي ستة آلاف مقاتل، إضافة إلى عشرات آلاف من المقاتلين غير المسجلين في نظام تعريف عسكري واضح، يُجنّدون عبر وكلاء محليين وشعبيين يندرجون قتاليّاً تحت ألوية شيعية وتحت راية حزب الله والحرس الثوري الإيراني، إلى جانب ألوية شيعية تتّصل مباشرة بخط إمداد مع القوات الشيعية في لبنان والعراق، لتشكّل ثقلاً عسكريًا في المنطقة وتنخرط في المعارك الدائرة.

خطّة الردع الإسرائيلية

 لم يشكّل الوجود الشيعي في لبنان خطراً على إسرائيل بقدر ما فعل توغّل إيران في سورية منذ بداية الحرب، على اعتبار أن الوجود الشيعي في لبنان حالة طبيعية تاريخية، كون الشيعة مكوّناً له ثقل طائفي على المستويين السياسي والعسكري، بينما في حالة الحشد الشيعي في سورية هو حالة مستحدثة ناجمة عن انخراط إيران والفصائل الشيعية في المعارك في البلد، وتوغلهم في مفاصل الحياة الاجتماعية والدينية والاقتصادية والعسكرية في المناطق التي تشكل قلقًا على الحدود مع إسرائيل. بالنسبة لإسرائيل، يعيد الوجود الشيعي في سورية الصراع إلى خانة الجماعات الشيعية، ويدرك العسكريون الإسرائيليون أن وكلاء إيران يتلقّون دعماً هائلاً على مستوى التسليح والاستشارات العسكرية ومستوى قيادة العمليات. 

أول ما تنبّهت إليه إسرائيل في بدايات الحرب في سورية هو الاستفادة من قوات المعارضة السنية المسلحة المعادية للوجود الشيعي في محور ريف دمشق الغربي- القنيطرة- درعا الغربية، واحتوائهم لصدّ هجمات لواء "فاطميون" الشيعي في منطقة "مثلث الموت"؛ وإفشال مخطّط إيران باحتلال هضاب وقرى على تخوم الجولان السوري المحتل وتهديد أمن إسرائيل.

عزّزت تل أبيب دعم هذه الفصائل، وأمنت غطاءً لحركتهم في الجزء الجنوبي الغربي من البلاد. وبين عامي 2013 و2014، وفي أثناء المعارك في القنيطرة، سمحت إسرائيل لجرحى قوات المعارضة السورية بالدخول إلى مشافي مستوطنات الجليل [3]، بعد إصابتهم في معارك تثبيت نقاط في قرى الحميدية وجباتا الخشب وبئر عجم وبريقة. وصنّف الجيش الإسرائيلي هذه الحالات أنها حالات إنسانية، وتلقّت مستشفى بوريا في تلك المدة حوالي ثلاثمائة جريح من الفصائل السنّية المسلحة، لمعالجتهم وإعادة تأهيلهم ضمن صفوف المقاتلين في المحور الغربي. أما الدعم اللوجستي أمام القوات الشيعية في المثلث الجنوبي الغربي فاعتمد أيضأ على تأمين خطّ تواصل مع غرفة القيادة الحربية المشتركة (الموك) في الأردن، ووضع شبكات الاتصال في الجولان السوري المحتل تحت تصرف قوات المعارضة، بحيث يكون التواصل أسرع في ظل انقطاع الاتصالات في المثلث نتيجة العمليات العسكرية، ووجود تنسيق أمني استخباري يؤمّن تحرّك قادة ألوية الفرقان ولواء الريف الغربي وجبهة النصرة بين سورية والأردن لتنسيق الاجتماعات وتأمين الدعم اللازم لضرب مخطّط الانتشار الإيراني في المنطقة.

تعاملت إسرائيل مع التحدّي المتمثل في الجماعات الشيعية بعد 2011 بمزيج من الحسابات الاستراتيجية، والعمليات العسكرية الرامية إلى حماية مصالحها الأمنية

تعاملت إسرائيل مع التحدّي المتمثل في الجماعات الشيعية ومركزها في سورية بعد 2011 بمزيج من الحسابات الاستراتيجية، والعمليات العسكرية الرامية إلى حماية مصالحها الأمنية، وانتقلت من  التنسيق الاستخباري  إلى الغارات الجوية: شنّت إسرائيل غارات جوية عديدة استهدفت الجماعات الشيعية وحزب الله والأصول الإيرانية في سورية. نفّذت في 5 مايو/ أيار 2013 أول ضربة  ضد القوات الإيرانية في سورية، ووجهت تحذيراً لطهران بعدم توريد السلاح النوعي والثقيل لأيٍّ من القوات الشيعية في سورية، والتي يمكن أن تعزّز قوة هذه الجماعات. وتوالت الضربات حتى يناير/ كانون الثاني 2015، لتطاول هذه المرّة قياداتٍ على مستوىً عالٍ من الأهمية لدى حزب الله في سورية، أبرزهم جهاد نجل عماد مغنية، والذي كان قد تسلّم إدارة عمليات المثلث الغربي حينها، بالإضافة إلى مقتل ستة قادة من الحرس الثوري الإيراني في الضربة نفسها. وتهدف هذه الضربات إلى منع نقل الأسلحة المتقدّمة إلى حزب الله، وتعطيل الحشد العسكري الإيراني على طول الحدود الشمالية لإسرائيل، ومنع تثبيت أي نقاطٍ عسكريةٍ شيعيةٍ على المحور. اعترضت تل أبيب إسرائيل عدّة شحناتٍ من الأسلحة المتّجهة إلى حزب الله، بما في ذلك أنظمة صواريخ متقدّمة وطائرات بدون طيار.

 استمرّت سلسلة نجاحات الموساد بالوصول إلى عمق القيادات الإيرانية وملاحقتهم في سورية، وتحديداً دمشق وريفها، وكان آخر هذه العمليات استهداف منطقة المزّة فيلات غربية في العاصمة دمشق، واغتيال أربعة مستشارين من الصف الأول في الحرس الثوري الإيراني، ومن المسؤولين عن قيادة العمليات الأمنية والاستخبارية في دمشق، وهم حجة الله أميدوار، وعلى آقازاده، وحسين محمدي، وسعيد كريمي، من دون أي ردٍّ من الجانب الإيراني.  وفي فبراير/ شباط الفائت، استهدفت إسرائيل بطائرة مسيّرة قيادييَّن بارزَين في الحرس الثوري الإيراني في منطقة كفرسوسة في دمشق، من دون الكشف عن هويتهما الشخصية، ورتبتهم العسكرية.  

هذه العمليات مخطّطة ومدروسة وفق بيانات استخبارية عالية الدقة، ولم تكن مجرّد تخمينات لوجود قادة عسكريين شيعة في هذه الأبنية. وكان للمتحدّث باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هاغاري، فرصة لتوضيح أهداف الغارات الجوية على مناطق سورية، إذ أعلن، في مقابلة صحافية جرت في 3 الشهر الماضي (فبراير/ شباط) أن إسرائيل هاجمت أكثر من 50 هدفا لحزب الله في سورية و3400 هدف في لبنان منذ بدء الحرب على غزّة في أكتوبر/ تشرين الأول، ما يعني أن الحرب على وكلاء إيران والجماعات الشيعية الممتدّة على حدود الأراضي المحتلة ما تزال في وتيرة عالية.

تسعى إسرائيل إلى التخفيف من التهديدات التي تشكّلها الجماعات المسلحة الشيعية في المنطقة، مع الرغبة الملحّة في الحفاظ على الاستقرار

تندرج هذه العمليات ضمن استراتيجية الهجوم والردع بما يضمن عدم اكتساب حزب الله والجماعات الشيعية في سورية قدراتٍ يمكن أن تهدّد أمن تل أبيب. بالإضافة إلى ذلك، وظف جهاد الموساد قدرات تل أبيب التقنية في تعظيم قدرات التجسّس عبر تطوير أجهزة الرصد والمراقبة على الحدود الشمالية والشمالية الشرقية، عبر توظيف إمكانات الشركات الأمنية الناشئة واستخدام أجهزة التعقب وتطبيقات التجسس التي تصنّعها تلك الشركات. تراقب إسرائيل عن كثب حدودها مع لبنان وسورية لمنع تسلل الجماعات المسلحة الشيعية، وكشف أي محاولاتٍ لإنشاء بنية تحتية عسكرية بالقرب من حدود الأراضي المحتلة.

في عام 2023، طوّرت شركة نوفولا ديجيتال (Nuvola)  تطبيقاً يعمل منصة تسجيل وتحليلات للفيديوهات متعدّدة المواقع، ويتم تقديمها نموذجاً للمراقبة بالفيديو كخدمة VSaaS بنظام المراقبة بالحرارة. وتحوّل الشركة نظام المراقبة إلى إنذارات تصل إلى المستخدمين (الجيش الإسرائيلي)، ما يمكّن المستخدمين النهائيين من تلقّي التنبيهات والتقارير والتحليلات، بناءً على مقاطع الفيديو المسجلة الخاصة بهم في مناطق مختلفة على الحدود أو نقاط الجيش أو الحواجز الأمنية. وفي السياق نفسه، استخدمت تل أبيب برنامج Liquid360 iquid360 ليوفّر عرضاً موجّهاً بالكامل وثلاثي الأبعاد ومتماسكاً ومعزّزاً للواقع، وموحّدًا في شاشة عرض جغرافية واحدة متنقلة، ويكشف حوالي مائة كيلو متر من الحدود. يدمج هذا البرنامج جميع أجهزة الاستشعار (الكاميرات الذكية، والرادارات، والأسوار النشطة، والطائرات بدون طيار) مع توفير إحداثيات تسلّل أي من النشطاء أو مقاتلي الجماعات المسلحة على الحدود الشمالية والشمالية الشرقية، مع اتصال مباشر مع الأسلحة الذكية ذاتية الإطلاق حال وجود إنذار خطر.

ولمواجهة المدّ الشيعي في المنطقة، لم تكتف تل أبيب بالعمل العسكري واستخدام القوة الصلبة، وتوجّهت إلى توظيف الدبلوماسية العامة والدعاية الصهيونية لضرب محور إيران وتمدّد الجماعات الشيعية، وتعاونت مع حلفائها الدوليين، خصوصاً الولايات المتحدة، لحشد الدعم لضرب الوجود الشيعي في المنطقة، وحثّت إسرائيل المجتمع الدولي على اتخاذ موقفٍ حازمٍ ضد أنشطة إيران المزعزعة للاستقرار في المنطقة. استفادت تل أبيب من موجة التطبيع في المنطقة، وأقامت تحالفاتٍ سرّية وعلنية مع الدول ذات الأغلبية السنّية، قديماً مع الأردن عام 1994، وأخيراً مع البحرين والإمارات ضمن برنامج "اتفاق أبراهام" عام 2020، والتي تشترك في المخاوف بشأن نفوذ إيران المتزايد والجماعات الشيعية. وقد سهّلت هذه التحالفات تبادل المعلومات الاستخبارية والتعاون في مواجهة التهديدات المشتركة.

تسعى إسرائيل من هذه العمليات إلى التخفيف من التهديدات التي تشكّلها الجماعات المسلحة الشيعية في المنطقة، مع الرغبة الملحّة في الحفاظ على الاستقرار على مستوى الجبهة على طول حدودها الشمالية والشمالية الشرقية، وعلى مستوى الجبهة الداخلية امام الرأي العام الإسرائيلي.  ومع ذلك، فإن الطبيعة المعقدة والمتقلبة للمنطقة تعرقل إسرائيل في تنفيذ مخطط محو شامل لهذه الجماعات نظرًا لوجود تحالفات واستقطابات بين دول كبرى، الأمر الذي يعيق تنفيذ استراتيجيات الردع لمواجهة التحدّيات الأمنية الناشئة بشكل فعّال.

المراجع:


[1] Waltz, K. N. (2008). Realism and international politics. Abingdon, UK: Routledge

[2] Perthes, V. (2010). Ambition and fear: The Iranian foreign policy and nuclear program. Survival, 52(3), 95–14.

[3] بحسب صحيفة القدس العربي، ونقلاً عن القناة العاشرة الإسرائيلية، أدّت المعارك في محور القنيطرة إلى إصابة عديدين من قوات المعارضة السورية وأدخلوا إلى الجليل بحالات إنسانية. https://shorturl.at/bsEQ6

5050C93B-6DCD-4591-A085-582E58AAC0F8
5050C93B-6DCD-4591-A085-582E58AAC0F8
مهيب الرفاعي

كاتب وباحث سوري في معهد الدوحة للدراسات العليا

مهيب الرفاعي