انتشر فيديو على مئات المواقع الإعلامية والصفحات الاجتماعية عبر الإنترنت يُصوِّر فيه النظام السوري مقطعاً تلفزيونياً، لمن ادعى أنهم مسلحون خرجوا من المناطق التي تنتمي للمعارضة في محافظة حلب، والتي يفرض عليها النظام حصاراً في الساعات الأخيرة. الفيديو يُقدمه مراسل يتلعثم، غير واثق بالكلمات التي يقولها. يخطئ لغوياً لأكثر من خمس مرات من دون أن يُصلح لغوه، يُوضح لمشاهديه أنهم يشاهدون تسليم جنود المعارضة لأنفسهم استجابة للعفو الذي قدمه الرئيس بشار الأسد. الفيديو بدا ساذجاً وخيالياً للكثير من المتابعين.
التلفزيون صورّ مجموعة من المسلحين الذين يخرجون من بناء قديم، رغم أن المراسل يتحدث عن الخروج من ممر آمن. أغلب الشباب الذي يدّعي المراسل أنهم من المعارضة المسلحة هم فتيان لا يتجاوز عمرهم العشرين عاماً. ثم أجرى المراسل مقابلة مع أحد الشباب الذي وضع وشاحاً على وجهه. تحدّث الشاب الذي يدّعي بأنه مسلّح سلّم نفسه للجيش، عن أنه أُعطي السلاح رغماً عنه، وقاتل إلى جانب المعارضة وأصيب ولم يسعفه أحد، وأن "المعارضة إرهابية، وأنه قد عاد إلى حضن الوطن بقيادة الدكتور بشار". المُضحك أن المراسل حاول طرح الأسئلة على الشاب، إلا أنه كان يهرب من الأسئلة ويُسارع للهتاف للرئيس السوري، مُزيحاً ما يُحاول المراسل تكريسه وفرضه من أسئلة لجعل القضية حقيقية. ومن المستحيل تصديق قول الشاب، لتنافيه مع أي منطق: فلماذا يقاتل ويُصاب رغماً عنه، رغم أن كل طرق الهروب مفتوحة؟
يحتاج النظام لهذه الصور، في ظل محاولته الدائمة لتكريس صفة الدولة على نفسه. خاصة أن الحصار الذي فرضه النظام على مدينة حلب كان محتاجاً لتحفيز وحشد إعلامي واسع، ليدعم إعلامياً حملته العسكرية، ويشجع مواليه على الالتحاق بالجيش. وثانياً لمحاولة ضرب معنويات المعارضة، بتصوير مسلّحين يسلّمون أنفسهم، استسلاماً وعفواً، تحت ضربات النظام والقوات الروسية الجوية. كل هذا لم ينفع النظام، إلا من جهة مواليه والإعلام الروسي والإيراني واللبناني المساند للنظام. فقد تم التركيز على هذا الفيديو لمدار أسبوعٍ كامل، كرغبة لتوسيع الهيمنة الاجتماعية للنظام. إلا أن هذا قد يصلح في مدار التضليل الإعلامي للنظام إقليمياً وعالمياً، أما بالنسبة للموالين فيبدو الفيديو كصيدٍ عكر. فالمسامحة للمسلحين كعنوان لحملة حصار حلب هوجم من الموالين على الصفحات الاجتماعية، فالنظام يغفر لآلاف من المسلحين الذين قتلوا آلافا من الجنود، وفي حسابات الحرب الأهلية الطائفية يبدو هذا مشيناً وعاراً. ولأن جمهور النظام في أغليه من سكان الساحل وهم الخاسرون الدائمون على مستوى البشر في الحرب فإنهم يحتجون من موقعهم في الحرب، وليس من موقع الدولة التي تحاول أن تظهر بشكل بيروقراطي ومنظم وموسع، لتجذب كل الأطراف. في هذا الفخ يبدو فيديو النظام المركب، عاراً لفئته الداعمة، مسامحة قتلة الأولاد، وجعل المسلحين بلا عقوبة، هنا الموالون يفقدون موقعهم المتوقع مع الدولة بوصفها طرفاً في الحرب الأهلية بجانبهم، ويرفضون قرارات الدولة الاستعراضية أمام العالم.
بين سذاجة التصوير والإخراج، وصعوبة تبني النظام لقراره السياسي بلا صعوبات، يتخبط النظام إعلامياً، لكن الأبرز هو استخفاف النظام بمتابعيه، وفقدانه للعلاقة مع الصورة، ما لم نستثن المؤمنين بالنظام بوصفه حالة كهنوتية لا تنطق بالخطأ.
اقــرأ أيضاً
يحتاج النظام لهذه الصور، في ظل محاولته الدائمة لتكريس صفة الدولة على نفسه. خاصة أن الحصار الذي فرضه النظام على مدينة حلب كان محتاجاً لتحفيز وحشد إعلامي واسع، ليدعم إعلامياً حملته العسكرية، ويشجع مواليه على الالتحاق بالجيش. وثانياً لمحاولة ضرب معنويات المعارضة، بتصوير مسلّحين يسلّمون أنفسهم، استسلاماً وعفواً، تحت ضربات النظام والقوات الروسية الجوية. كل هذا لم ينفع النظام، إلا من جهة مواليه والإعلام الروسي والإيراني واللبناني المساند للنظام. فقد تم التركيز على هذا الفيديو لمدار أسبوعٍ كامل، كرغبة لتوسيع الهيمنة الاجتماعية للنظام. إلا أن هذا قد يصلح في مدار التضليل الإعلامي للنظام إقليمياً وعالمياً، أما بالنسبة للموالين فيبدو الفيديو كصيدٍ عكر. فالمسامحة للمسلحين كعنوان لحملة حصار حلب هوجم من الموالين على الصفحات الاجتماعية، فالنظام يغفر لآلاف من المسلحين الذين قتلوا آلافا من الجنود، وفي حسابات الحرب الأهلية الطائفية يبدو هذا مشيناً وعاراً. ولأن جمهور النظام في أغليه من سكان الساحل وهم الخاسرون الدائمون على مستوى البشر في الحرب فإنهم يحتجون من موقعهم في الحرب، وليس من موقع الدولة التي تحاول أن تظهر بشكل بيروقراطي ومنظم وموسع، لتجذب كل الأطراف. في هذا الفخ يبدو فيديو النظام المركب، عاراً لفئته الداعمة، مسامحة قتلة الأولاد، وجعل المسلحين بلا عقوبة، هنا الموالون يفقدون موقعهم المتوقع مع الدولة بوصفها طرفاً في الحرب الأهلية بجانبهم، ويرفضون قرارات الدولة الاستعراضية أمام العالم.
بين سذاجة التصوير والإخراج، وصعوبة تبني النظام لقراره السياسي بلا صعوبات، يتخبط النظام إعلامياً، لكن الأبرز هو استخفاف النظام بمتابعيه، وفقدانه للعلاقة مع الصورة، ما لم نستثن المؤمنين بالنظام بوصفه حالة كهنوتية لا تنطق بالخطأ.