قد نتوقّع أن هذا التباعد أحد أسباب "أزمة المسرح العربي"، تلك العبارة التي يجري استعمالها عربياً بكثرة، ما يدعو إلى فحصها من جديد. فماذا عن رأي المسرحيين أنفسهم؛ هل كانت 2017 تعبيراً عن أزمة كهذه أم على العكس تثبت السنة المنقضية أن الأزمة على مستوى التقبّل أكثر منها على صعيد الممارسة؟
في حديثه إلى "العربي الجديد"، يقول الممثل والكاتب المسرحي التونسي عصام العياري إنه "على عكس ما يراه النقاد وكثير من المتابعين الذين يعيدون مقولتهم حول أزمة المسرح العربي، فإنني خلال متابعتي لعروض عدّة من مصر وسورية وفلسطين خلال "قرطاج"، إلى جانب العروض التونسية طوال السنة، وجدت أن هناك كثيراً مما يبعث على الأمل وهناك تجارب صاعدة تستحق الاهتمام خلافاً للتشاؤم الذي يبديه "الكبار". في المسرح التونسي، هناك أسماء لافتة مثل وليد الداغستاني وغازي الزغباني ونوفل عزارة وآخرين".
بنفس قدر التفاؤل تقريباً، كان حديث المخرج المسرحي الأردني حكيم حرب الذي اعتبر أن الحدث الأبرز في 2017 هو عودة "فرقة مسرح الرحالة" للعمل من جديد بعد انقطاع طويل، وهي الفرقة التي سبق أن تأسّست في الأردن عام 1990 من مجموعة من الشباب الذين درسوا المسرح في جامعة اليرموك على يد الفنان المصري الراحل عبد الرحمن عرنوس (1934 - 2009)، فحملوا نفس أفكاره وساروا على خطاه في تقديم عروض مسرحية حية وغير تقليدية تتجاوز الصالات المغلقة. يرى حرب في ذلك ما "يبشّر بعودة الحياة للمسرح الأردني، ويساهم في خلق جمهور حقيقي، بعيداً عن مسرح المهرجانات الذي لا يشاهده سوى المسرحيين أنفسهم الذين تتكرّر أسماؤهم سنوياً في كافة المهرجانات العربية، كأنهم في حفل تأبين للمسرح العربي".
في السنوات الأخيرة ازداد الحضور الثقافي العربي في المهجر، وبالتالي فإن المسرحيين العرب صارت لديهم منطقة تحرّك جديدة. تقيم الناقدة المسرحية المصرية مروة مهدي في برلين، وهي ترى أن أهم ما يلفت في 2017 هو الحضور العربي في المشهد الألماني نفسه، إذ إنها تشير إلى "وجود توجّه مسرحي خلال السنوات الأخيرة لعمل عروض يمكن أن نسميها عروضاً عابرة للغات، تحاول تجاوز الحدود اللغوية، للوصول إلى لغة مشتركة إنسانية عامة. وظهر ذلك في عروض متعددة اللغات حيث تقدّم بلغات عدة في نفس الوقت، أو عروض تعتمد الرقص والعلامات الجسدية القابلة التأويل المتعدد. كما سادت ترجمة العروض التي تعتمد على لغة واحدة".
تعتبر مهدي أن ذلك "يعكس بوضوح الحراك الاجتماعي والسياسي الذي عرفته أوروبا حين استقبلت عدداً كبيراً من النازحين من دول الأزمات، فأصبح التعبير عن التعددية الثقافية هدفاً في حدّ ذاته، وهنا يجد المسرحيون العرب فرصاً لم تكن متوفرة للوصول إلى فئات واسعة من المتفرّجين".
تتابع مهدي أيضاً واقع المسرح في بلادها، وتقول "في 2017، حضرت فعاليات "مهرجان المسرح التجريبي والمعاصر" في القاهرة وقد لفتني حضور المرأة وقضاياها في المسرح العربي. شاهدت عدداً من العروض ذات النزعة النسوية، من تونس والمغرب والأردن، كما لمست حضور المرأة كمبدعة وممارسة للفن المسرحي". تختم بالقول: "إن ما يقدّمه المسرح العربي يمثّل صدى واضحاً للحراك الاجتماعي الذي يسود داخل المجتمعات العربية منذ سنوات".
لعلنا، من خلال قراءات المسرحيين لسنة 2017 نقف على تباين حاد: صورة تغلب عليها القتامة في متداول النقد والصحافة، مقابل مسحة واضحة من التفاؤل نلمسها في شهادات المسرحيين عن فنّهم.