حصاد الترجمة: المؤسسات و(لا)سياساتها

06 يناير 2018
(مقطع من ملصق "معرض القاهرة الدولي للكتاب"، 2017)
+ الخط -

يصعب الحديث عن الحصاد السنوي لحركة الفكر والثقافة في الوطن العربي، دون التعريج على سؤال الترجمة، المرتبط بالمواكبة والاطلاع على نتاجات "الآخر" الثقافية والفكرية والأدبية، سيّما في هذا العصر الذي أضحى متشابكاً ومتّصلاً، كنتاج للحركة التكنولوجية العاصفة، التي جعلت الكون صغيراً، بشكل يصبح فيه الحدث المحلّي دولياً، يتداول في أقاصي الأرض.

كما أن حركة الأدب ظلّت مرتبطة بحركة الترجمة، حيث انتبه الآباء الأوائل لـ"النهضة العربية الحديثة" لأهمية الترجمة، كـرفاعة الطهطاوي (1801- 1873)، الذي أشرف على تأسيس "مدرسة الألسن"، وطه حسين (1889- 1973)، الذي أشرف على "مشروع الألف كتاب"، وغيرهما من رواد النهضة الثقافية، ممن ساهموا بمشاريع طموحة، ساعدت على تحرير اللغة العربية من حالة الجمود، فضلاً عن مساهمتها في نقل العلوم والفنون من لغات العالم إلى اللغة العربية وبالعكس.

ورغم استحداث عدد من المراكز والهيئات المختصة بالترجمة، سواء أكانت محليّة قُطرية أو عربية، إلّا أن ثمة معضلات لا تزال تواجه حركة الترجمة في الوطن العربي عموماً، أهمها افتقادها منظومة واضحة تحدّد أسسها وأطرها النظرية، وطبيعة النصوص المختارة، فالترجمة في المحصّلة لا ينبغي النظر إليها على أنها فعل "تعريب" للنصوص، بقدر ما ينبغي الاهتمام بتأثيراتها على الواقع، كمنتوج متّصل بالوعي وتشكيل المفاهيم، لغةً واصطلاحاً وفكراً، فالترجمة في متسوى ما، هي "فعل إعادة توليد للأفكار والمفاهيم".

ثمة إشكالية أخرى تتعلّق بعدم ارتباط الترجمة الراهنة، بمشاريع نهضوية طموحة، تتقاطع وتطلّعات المجتمعات العربية وتتحرّر من سيطرة الآني وطغيان السياسي على الثقافي والفكري، وهو أمر لا يخصّ الترجمة وحدها بل حركة الأدب والثقافة ككل.
لعل نهاية عامٍ وبداية آخر قد تكون فرصة مواتية لإحصاء أمور كثيرة، على أكثر من مستوى، وهذا ما تقوم به معظم المؤسسات الثقافية الحريصة (وفي صلبها مشاريع الترجمة)، على تجويد إنجازاتها، وتحسين أدائها، واعتماد خطط وسياسات ناجعة للعام الجديد، بعد ممارسة نقدية شفافة لحصاد العام المنقضي.

وهذا - ربما- ما توقّعه كثيرون من المؤتمر الأخير الذي أقامه "المركز القومي للترجمة" في مصر قبل ثلاثة أيام من نهاية العام. كرّم المؤتمر عدداً من المترجمين العرب والمصريين، وأعلن فيه وزير الثقافة المصري، عن نجاح المركز في ترجمة حوالى 270 كتاباً خلال عام 2017.

هذا الرقم قد يعدّ إنجازاً في الظروف المصرية الراهنة، لكنه يظل معياراً كمياً ينبغي إخضاعه للتقييم النوعي، بفحص طبيعة العناوين المترجمة والأسماء المُترجم لها، فضلاً عن مدى تنوع مجالات الترجمة، من الأدبية إلى العلمية والفلسفية والسياسية وغيرها من مجالات العلوم والفنون، وضمن أية سياسات ثقافية (عربية بالضرروة) تأتي هذه الترجمات.

بدون ذلك سيكون الأمر مجرّد "تخليص واجب" أمام جمهور القراء، سيّما وأن التبرير الوحيد الذي صاغه وزير الثقافة المصري لتثمين حصاد "القومي للترجمة"، قوله: "عندما تم إعلان فوز الأديب البريطاني من أصل ياباني كازو إيشيغورو، بـ"نوبل الأدب" في 2017، كان المركز يملك ضمن كتبه التي ترجمها ثلاثاً من إصداراته".

هل هذا معيار كافٍ للتقييم؟ وهل المتابعة الأدبية وترجمة أعمال أديب ذي سمعة عالمية ورواج تجاري، كافية - وحدها - للحكم على مدى نجاح المركز في المهام الأخرى المتعلّقة بالجودة، ومدى تنوع مجالات وتخصصات الترجمة؟ أسئلة تحتاج إلى متابعة واعية ودقيقة تتجاوز حاجز "الكم".

المساهمون