وقال كاتب السيناريو السوداوي تشاك فريليخ، الذي شغل في الماضي منصب نائب رئيس مجلس الأمن القومي، إن تعاظم الثقل الديمغرافي للحريديم سيؤدي حتى عام 2060 إلى صعود رئيس وزراء حريدي لأول مرة، وانهيار اقتصادي يدفع إسرائيل إلى مكانة دول العالم الثالث.
وفي مقال نشرته اليوم الأحد صحيفة "هآرتس"، لفت فريليخ إلى أن "تعاظم تمثيل الحريديم الديمغرافي سيفضي حتماً إلى انهيار الاقتصاد الإسرائيلي، وتحوله إلى اقتصاديات العالم الثالث، لأن معظم المدارس ستتوقف عن تدريس المواد الأساسية (علوم، رياضيات، والإنكليزية)، التي يعد تدريسها مطلباً لاندماج الشباب في المرافق الصناعية والإنتاجية المهمة".
ونظراً لأن قطاع الصناعات المتقدمة، الذي يُعَدّ مصدر الدخل الرئيس للموازنة والمحرك الأهم للنمو الاقتصادي، يتطلب وجود نظام تعليمي يستند إلى تدريس المواد الأساسية، فإن الواقع الجديد سيفضي إلى انهيار هذا القطاع وتحييد إسهامه في عجلة النمو.
وأضاف فريليخ أن "تعاظم تمثيل الحريديم ونفوذهم سيؤدي إلى تغليب المضامين الدينية في مناهج التعليم الإسرائيلي، بشكل يؤدي في النهاية إلى توقف كل المدارس في إسرائيل عن تدريس المواد الأساسية".
وحسب هذا السيناريو، فإن تدهور مؤسسات التعليم والمرافق الاقتصادية سيؤدي إلى "تكثيف هجرة الأدمغة إلى الولايات المتحدة، ولا سيما في عهد ما بعد الرئيس دونالد ترامب، حيث يتوقع أن تفتح الإدارات الأميركية المقبلة أبواب واشنطن أمام الهجرة النوعية، ما سيزيد في معدلات الفقر في إسرائيل". وأضاف ساخراً: "صحيح أن تعاظم معدلات الفقر سيحسن من مكانة إسرائيل في ميزان عدم المساواة، لكنه في المقابل سيفضي إلى انهيار المؤسسات التعليمية".
ووفق السيناريو، فإن وزير التعليم في الحكومة الحريدية التي ستدير إسرائيل، الذي ينتمي إلى حزب "ديجل هتوراة" (المركب الليتائي في الحريدية الغربية)، سيأمر بالتوقف عن اعتماد المعايير الدولية التي على أساسها تُقاس إنجازات المؤسسات التعليمية.
وحسب توقعات فريليخ، فإن تعاظم الثقل الديمغرافي للحريديم ونفوذهم السياسي سيجعل إسرائيل غير قادرة على التعافي من تبعات انتشار وباء كورونا مطلقاً.
ودل المتحدث ذاته على الانعكاسات السلبية لتعزيز مكانة التيار الحريدي وتزايد نفوذه السياسي، بالتهاوي الذي طرأ على واقع الجهاز الطبي الذي كان يحظى بسمعة عالمية بعد أن تولى إدارته وزير من حزب حريدي "لا تعنيه الدولة ومتطلباتها، ما جعل هذا الجهاز واقعاً تحت تأثير الفساد والاعتبارات غير المنطقية".
وعلى المدى المنظور، توقع فريليخ أن يسهم تشكيل حكومة "طوارئ وطنية" بمشاركة كل من "الليكود" و"كاحول لفان" إلى تحوّل إسرائيل إلى دولة "ثنائية القومية"، مشيراً إلى أن "إقدام الحكومة الجديدة المتوقع على ضم مناطق محددة في الضفة الغربية سيفضي إلى ردة فعل فلسطينية كبيرة، تتمثل بوقف التعاون الأمني، ما يقود إلى تفجر الأوضاع الأمنية، وهو ما سيدفع الجيش إلى العودة للسيطرة المباشرة على مناطق "أ" و"ب"، ما سيمثل بالنسبة إلى اليمين فرصة مواتية لإعلان الضم الكامل للضفة".
وحول مسار الأحداث الذي سيفضي إلى وصول الحريديم لقيادة حكومة الاحتلال الإسرائيلي، أشار فريليخ إلى أن "حكومة الطوارئ الجديدة التي من المتوقع أن تشكل بمشاركة الليكود وكاحول لفان ستمرر قانوناً يحظر بموجبه محاكمة الشخصيات المنتخبة في قضايا فساد، ما يمنح نتنياهو الفرصة لمواصلة الحكم حتى عام 2045".
وتوقع الكاتب أن يلغي المستشار القضائي للحكومة في 2040 الإجراءات القضائية ضد بنيامين نتنياهو، بحجة أنها لم تعد تعني الجمهور، مشيراً إلى أن نتنياهو سيرغب عندها في تولي منصب رئيس الدولة.
وأشار إلى أن الحريديم، الذين سيمثلون في ذلك الوقت ثلث السكان، "سيستغلون توحدهم والانقسام في الأوساط العلمانية في تحقيق نتائج انتخابية تمكنهم لأول مرة من تشكيل الحكومة، وهذا ما سيمكّنهم حتى عام 2060 من إعلان تحوّل إسرائيل إلى دولة شريعة".
وأضاف أن المدن العلمانية، ولا سيما حيفا وتل أبيب، سترد على ذلك بإعلان ذاتها مناطق حكم ذاتي لتكون في معزل عن الإكراه الديني والتمييز على أساس الجنس، مشيراً إلى أن الإسرائيليين في هذه المناطق سيرفضون دفع الضرائب للحكومة.
ولفت فريليخ إلى أن هذا السيناريو ليس خيالياً، مشيراً إلى أن بلدية رمات غان عمدت إلى وضع حاجز بينها وبين مدينة بني براك في أثناء انتشار وباء كورونا، مشيراً إلى أن هذا التطور يعكس اشمئزاز العلمانيين وضجرهم من تغول التيار الديني بشقيه الحريدي والقومي.
ولم يستبعد أن يؤدي الواقع الجديد إلى تكثيف العمليات الإرهابية التي تستهدف فلسطينيي الداخلي على غرار العمليات التي تنفذها منظمة "شارة ثمن" حالياً في الضفة الغربية وداخل الخط الأخضر.
وتوقع أن "يفضي صعود التيار الحريدي إلى انهيار العلاقات مع الولايات المتحدة، على اعتبار أن الأغلبية الساحقة من اليهود الأميركيين ترى في التيار الحريدي تهديداً لهويتهم العلمانية والإصلاحية، وهذا ما سيؤثر في مدى استنفار اليهود الأميركيين للدفاع عن مصالح إسرائيل في الولايات المتحدة".
وشدد فريليخ على أن "التطور الوحيد الذي يمكن أن ينقذ إسرائيل من هذا السيناريو هو أن ينهض العلمانيون الذين أقاموا الدولة ويحولوا دون تحققه".
يُذكر أنه سبق لمدير "مؤسسة شورش للأبحاث الاقتصادية والاجتماعية" البرفيسور دان بن دافيد، أن توقع في بحث طويل زوال إسرائيل بعد جيلين بسبب تعاظم تمثيل التيار الحريدي الديمغرافي.
وفي الدراسة التي نشرت في سبتمبر/ أيلول 2018، وأشارت إليها "يديعوت أحرونوت" في حينه، فإن تعاظم الثقل الديمغرافي للتيار الحريدي سيفضي إلى عدم تمكن إسرائيل من توفير الإمكانات الاقتصادية والمادية الكفيلة بالإنفاق على الجيش والمؤسسات الأمنية.