مرشح "النهضة" للرئاسة يشغل تونس... والحسم بعد الانتخابات التشريعية

12 سبتمبر 2014
الغنوشي أعلن تمسّك الحركة بمرشح توافقي (فتحي بلعيد/فرانس برس/Getty)
+ الخط -

انطلقت التكهنات عن الشخصية التي يمكن أن تدعمها حركة "النهضة" التونسية للانتخابات الرئاسية في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، بمجرد انتهاء أعمال مجلس شورى الحركة في نهاية الأسبوع الماضي، وإعلانها عدم تقديم مرشح من صفوفها للانتخابات، خصوصاً في ظل إطلاق أسماء عديدة من بعض أعضاء ومسؤولي "النهضة"، ما زاد في حدة الغموض وأشعل بورصة الترشيحات.

أصبحت حركة "النهضة" تتقن لعبة التشويق والاستفادة من الزمن السياسي، وتركت مسألة الخوض في حسم قرارها الرئاسي إلى اللحظة الأخيرة، مبقية على كل إمكانيات التحالف مفتوحة أمامها. ولم يأتِ إعلان رئيس الحركة، راشد الغنوشي، عن تمسك "النهضة" بالمرشح التوافقي إلا في اللحظة الأخيرة بعد أن كانت أصوات كثيرة من داخل الحركة تدعو إلى ترشيح نهضويّ للرئاسة، خصوصاً بعد رفض العديد من الأحزاب والشخصيات السياسية التوافق حول الرئيس التونسي المقبل.

قرار الغنوشي دعمه مجلس الشورى كما كان منتظراً، وقطع نهائياً إمكانية ترشيح أحد من داخل الحركة، وبمجرد إلقاء النرد على الطاولة، انطلقت تكهنات الإعلاميين والساسة حول من ستكون هذه الشخصية الممكنة.

هذا الشغف بمعرفة الشخصية المدعومة من "النهضة"، مفهوم بالنظر إلى أهمية مساندة الحركة للمرشح في تحديد هوية الفائز، نظراً للثقل الانتخابي الذي تمثله الحركة، والذي يمكن أن يكون حاسماً في القسمة السياسية المقبلة للسلطات الثلاث.

أسماء كثيرة قُدمت في الأيام الأخيرة كمرشح رئاسي مدعوم من الحركة، ومنها الرئيس الحالي منصف المرزوقي، ورئيس المجلس الوطني التأسيسي، مصطفى بن جعفر، ورئيس الهيئة السياسية للحزب الجمهوري، أحمد نجيب الشابي، ورئيس حزب "المبادرة"، كمال مرجان، ورئيس الحكومة الحالي، مهدي جمعة، إضافة الى بعض الشخصيات المستقلة الأخرى، رافقتها موجة من التعليقات والهجومات المعاكسة التي تميزت بشراسة سياسية واضحة ورغبة من منافسي "النهضة" لاستبعاد بعض الأسماء من دائرة الاهتمام.

وتبدو الطريقة الأكثر موضوعية في تحديد ملامح هذه الشخصية، هي العودة إلى الشروط أو الأسس التي وضعها مجلس الشورى نفسه في نهاية الأسبوع الماضي، فقد قال عبد اللطيف المكي أبرز قياديّي "النهضة" لـ"العربي الجديد": إن الشروط الضرورية والملامح الأساسية للشخصية التي يمكن أن تدعمها الحركة تتمثل في ثلاثة مبادئ: تحفظ وحدة التونسيين وتحمي الديمقراطية وتحقق أهداف الثورة.

المكي نفسه قال منذ أيام: إن هذه المبادئ يمكن أن تتوفر في جمعة، الأمر الذي أثار موجة قوية من ردود الفعل المتباينة، فجمعة نفسه ذكّر أنه ملتزم أخلاقياً بعدم الترشح لأي منصب في الانتخابات، علاوة على عدم استعداده لترؤس الحكومة المقبلة.

أشرس هذه الردود جاءت من محسن مرزوق، أحد أبرز قياديّي "نداء تونس" ومدير الحملة الرئاسية، الذي عبّر عن استيائه من تصريحات المكي لأنها مخالفة لخريطة الطريق المتفق حولها. مشيراً الى أن مهدي جمعة لن يقبل "أن يُلوث اسمه بنكث العهود".

كما أن الأمين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل (راعي الحوار الوطني)، القاسم العياري، أشار في تصريح إذاعي، أمس الخميس، الى "أن هذه الحكومة ملتزمة بتطبيق بنود خريطة الطريق، وأنه لا تراجع عنها، وهي لا تتضمن صيغة رئيس توافقي، وعليه فمهدي جمعة، وأعضاء حكومته، لا يحق لهم الترشح للرئاسيات".

ولكن عبد اللطيف المكي عاد وصرح بأن "النهضة" لن ترشح جمعة ولكن شروطها تنطبق عليه أيضاً، مثلما تنطبق على شخصيات أخرى أبرزها المرزوقي وبن جعفر والشابي وغيرهم، ليُلقي من جديد بكل الإمكانيات على الطاولة.

ويقول متابعون لـ"العربي الجديد" إن "بالونات الاختبار" التي تطلقها "النهضة" ستظل قائمة حتى إعلانها الرسمي عن مرشحها، أي بعد الانتخابات التشريعية وقبيل الانطلاق في الحملة الرئاسية ووضوح المشهد السياسي كاملاً، مع ما يمكن أن يُطرح عليها من تحالفات عن تقسيم رئاسة مجلس النواب ورئاسة الحكومة، وعلى أساسها سيُحدد اسم الرئيس الجديد الذي يمكن لـ"النهضة" أن تدعمه.

كما علمت "العربي الجديد" أنه من المستبعد أن تدعم "النهضة" مرجان على الرغم من تأكيدها أن اتصالات كثيرة حصلت بين الطرفين إبان التشاور على الرئيس التوافقي في الشهرين الأخيرين، بالإضافة إلى أحمد نجيب الشابي الذي أعلن صراحة رفضه المبادرة مثل شخصيات أخرى، ولكن هذا الرفض من الشابي لم يمنع قياديين في "النهضة" من تأكيد أنه "سيستجيب للشروط أيضاً" في تلميح لا يخلو من معنى.

ومع استثناء زعيم حركة "نداء تونس" الباجي قايد السبسي، الذي يتعرض هذه الأيام لهجوم كبير من شخصيات "نهضوية"، فإن القائمة تتقلص إلى بعض الأسماء القليلة أبرزها بن جعفر والمرزوقي، فالأول أعرب عن قبوله فكرة الرئيس التوافقي، فيما يلازم الثاني صمتاً انتخابياً تكتيكياً واضحاً، وهو ما يعني أن عقد الترويكا لم ينفرط في القمّة رغم تحلّله في القاعدة، وأن الالتزام الأخلاقي الذي وقّعه الغنوشي، وبن جعفر والمرزوقي، لا يزال قائماً.

وستحسم الشروط التي وضعتها "النهضة" مسألة الاختيار بين الرجلين، وإذا كان شرطا حماية الديمقراطية وتحقيق أهداف الثورة متوفرين في الشخصيتين، فإن شرط الحفاظ على وحدة التونسيين يحتمل أكثر من تأويل وقراءة، وسيعتمد كثيراً على مضامين الحملات الانتخابية للشخصيتين، وسيتطلب توضيحاً أكبر من حركة "النهضة" لمفهومها للوحدة الوطنية وتحقيق أهداف الثورة، وإن كان الغنوشي قد حددها نسبياً حين أشار إلى أنها شخصية ينبغي أن تكون "رمزاً لوحدة الدولة، ورئيساً فوق الصراعات والتجاذبات والأحزاب".

كلام يفتح باب التنافس جديّاً بين هاتين الشخصيتين، رغم أفضلية فكرية وتقارب أعمق بين "النهضة" والمرزوقي، ومحطة غير سعيدة بين بن جعفر والحركة إبان قراره تعليق أعمال المجلس بعد اغتيال المعارض محمد البراهمي.