مرثية الغيطاني

19 أكتوبر 2015
محمود سعيد، "غروب على النيل" (1945)
+ الخط -

يدعونا الموت إلى تفهّم أشياء كثيرة، حتى أننا لا يمكن أن نخوض في مساوئ خصومنا الذين ما فتئنا نفكّكهم (ثقافياً). هذا ما أحسسته حين سمعت خبر رحيل جمال الغيطاني.

لقد جاءت مواقف الرجل السياسية، في منعطف الثورة، لتضع طبقة سميكة من الغبار على علاقتي بأدبه. قرأت "كتاب التجليات" بعد فترة من وفاة أحد أقاربي، وسمعت بعد ذلك الغيطاني يقول بأن كتبه كمرثية لوالده، وهي مرثية اختلطت بين رثاء الوالد وعبد الناصر.

كلما فكّرت في هذه العلاقة الحميمة التي نشأت بيني وبين نصوصه، أوجعني أن نكون على مفترقي خيارات سياسية ورؤية للأوطان والمؤسّسات.

طالما رأيت العسكريتاريا (المصرية بالخصوص) مثل سدّادة قارورة لو أزيحت ستنطلق كل طاقات الحرية والإبداع التي داخلها، بينما يرى هو العكس، فالجيوش بالنسبة له هي صانعة الأوطان وضامنة إرادتها.

لأقدّر من هنا فصاعداً، بأن الغيطاني لم يفعل سوى أنه كان انعكاساً لوضعه كمثقف ضمن مرحلة، فكيف أحاسبه؟ إنه كاتب ضمن جيل بأكمله يفكر مثله، لماذا أصرّ أن يفكّر مثلي؟

لقد تمنيت أن يتجاوز نفسه، ويلتحق بمطامح جيل لم يعش فيه، لكن ليس من الضرورة أن يكون كما تمنّيت. الموت يحمل دائماً معه إمكانية استئناف ومراجعة العلاقات الخفية التي صنعناها مع كل شيء، والتي نجفّفها في موقف نهائي.

المساهمون