لم يكن من السهل على أسرة الطفلة الفلسطينية شيماء الجعل أن تتعامل مع حالتها بشكل طبيعي كباقي الأطفال، وهي التي تعاني من اضطرابات سلوكية مختلفة، حتى اهتدت قبل نحو ثلاث سنوات من الآن إلى مركز الإرادة للتوحد والاحتياجات الخاصة.
هذا المركز الذي تحول منذ وقتٍ قريب إلى مدرسة معتمدة من وزارة التربية والتعليم أسهم بتحويل الطفلة شيماء (6 سنوات) من اضطرابات متعددة إلى حالة من الارتكاز والهدوء لتصبح "فاكهة" غرفتها الصفية بروحها المرحة.
وتسجل مدرسة الإرادة أنّها الأولى من نوعها في فلسطين لرعاية هذا النوع من الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، إذ تحولت من مركز يستقطب الأطفال دون سن الدراسة إلى مدرسة تستقطب من هم في سنها ويصعب استيعابهم في المدارس العادية، حتى لا يتعرضوا لحالة من التنمر أو الاصطدام بواقع لا يتماشى مع حالتهم.
يقول مدير المدرسة إسلام بركات لـ"العربي الجديد"، إنّ المركز منذ إنشائه في عام 2013 حقق إنجازات عالية ومميزة من خلال اعتماد مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص بين أطفال التوحد والأطفال العاديين عبر دمج مجموعة كبيرة من أطفال التوحد في المدارس العادية بعد التأكد من تخفيف الأعراض لديهم بنسبة حوالى 10 بالمائة.
ويشير بركات إلى أنّ المركز يهتم برعاية أطفال التوحد دون سن بدء الدراسة بما يعني أقل من ست سنوات، فيما تهتم مدرسة الإرادة باستيعاب الطلبة الذين يصعب استقبالهم في المدارس الحكومية العادية إلى حين تأهلهم بشكل كبير لدخولها بحد أدنى من الاضطرابات السلوكية.
والتوحد هو مجموعة من الاضطرابات تظهر في سن الرضاعة وقبل بلوغ الطفل ثلاث سنوات على الأغلب، وتوثر هذه الاضطرابات التي تختلف حدتها وخطورتها من شخص إلى آخر على قدرة الطفل على الاتصال مع المحيطين به وتطوير علاقات متبادلة معهم.
ويؤكّد بركات، وهو مختص في علاج أطفال التوحد، أنّه لا يوجد علاج تام للتوحد، لكن المتابعة المكثفة والمبكرة للطفل قد تحدث تغيراً ملحوظاً وجدياً في حياة المصابين بهذا النوع من الاضطرابات.
وتضم مدرسة الإرادة مجموعة من الفصول الصفية مجهزة بطريقة تناسب حالات الاضطرابات لدى الأطفال، حيث لا يزيد عدد الأطفال في الفصل الواحد على ثمانية يشرف على تأهيلهم ذوو خبرة عالية من الكوادر التدريبية.
وتعتمد المدرسة العلاجية على تقييم حالات التوحد بالطريقة المحوسبية، إذ تقدم مجموعة من التقارير عن الطفل منها ما هو إيجابي أو سلبي، كما تقوم بتوضيح درجة التراجع أو التقدم في شخصية الطفل.
كما تصنف المدرسة من خلال برامجها قدرات الطفل ونسبة العجز والكفاءة، وتوضح أيضاً قدرته على أداء المهارات المتنوعة، ويعد التدخل المبكر لعلاج المصابين باضطرابات التوحد هو أهم إنجاز يمكن العمل عليه، الأمر الذي يساهم بنتائج أفضل وأعلى على حالة أطفال التوحد.
وتعتمد الخطة العلاجية للمدرسة على تحليل سلوك الأطفال لمعرفة السبب الحقيقي للسلوكيات السلبية أو الأزمات السلوكية لديهم، حيث يطبق الطفل 40 ساعة تدريب في الأسبوع بين الأسرة والمدرسة، ويمكث أكثر من 6 ساعات يوميا على مدار الأسبوع.
وتعكف المدرسة على تطوير وتقديم برامج النطق واللغة لأطفال التوحد بطريقة نوعية من خلال تعزيز التركيز والانتباه والتواصل وتعزيز المفاهيم المعرفية للطفل، من خلال تقديم مناهج ميسرة وضمان علاج ناجع لكل حالة وتنمية مواهب وقدرات الأطفال.
ويلفت مدير المدرسة بركات إلى أنّ غالبية أطفال التوحد يتمتعون بذكاء منقطع النظير، لكن الاضطرابات السلوكية في ضعف التواصل البصري والسمعي وغيرها تؤثر عليهم وتجعلهم يفقدون كثيرا من القدرات والمهارات في التعبير عن هذا الذكاء.