في صمت راقب الطالب المغربي معاذ سفوري (13 عاماً) نزع شعار واسم مدرسة محمد الفاتح التابعة لجماعة "الخدمة" التي يترأسها الداعية التركي فتح الله غولن، تنفيذاً لقرار وزارة الداخلية، الصادر في 5 يناير/كانون الثاني الماضي، بإغلاق أبواب مجموعة مدارس الفاتح في المملكة في موعد أقصاه شهر واحد.
لم تكن أسرة معاذ وغيرها من عائلات الطلاب والطالبات، تتوقع صدور القرار منتصف العام الدارسي، كما تقول والدة معاذ، متساءلة عن المدرسة التي ستقبل ابنها وسط العام الدراسي، في ظل مغادرته مقعده وانفصاله عن زملائه وأساتذته من أجل الالتحاق بمؤسسة تعليمية جديدة ودراسة مناهج ومقررات مغايرة لما كان يدرسه في مؤسسة الفاتح التي تعتمد على برامج تعليمية بالإنكليزية، على عكس أغلبية المدارس المغربية التي تسودها الفرنسية.
وتعد مدرسة محمد الفاتح في طنجة، أولى مدارس جماعة "الخدمة" التعليمية في المغرب، إذ انطلقت سنة 1994، شمالي المملكة، قبل أن تضاف مدارس أخرى في كل من تطوان والجديدة والرباط والدار البيضاء ومراكش وأغادير، وتضم تلك المدارس 2400 تلميذ، وفق ما أكده إبراهيم أكتاش رئيس مجلس إدارة مجموعة مدارس محمد الفاتح في المغرب لـ"العربي الجديد" في تصريحات سابقة.
مصير التلاميذ
يسود شعور عميق بالقلق أوساط التلاميذ وعائلاتهم ومدرسيهم، كما يقول سليمان بوسليمي، عضو لجنة التنسيق لمؤسسة محمد الفاتح بالدار البيضاء، موضحاً أن العديد من أصدقائه من أولياء الأمور يعانون مفاجأة القرار التي جعلت من الصعوبة بمكان البحث عن مدرسة جديدة بمواصفات مرضية في هذا الوقت من العام، وهو ما تؤيده فيه سامية لوداني، أم التلميذ وحيد سباطة، والتي ترى أن القرار سيشتت ابنها ويمنعه من التركيز في دروسه في النصف المتبقي من العام الدراسي.
غير أن وزارة الداخلية المغربية أكدت أن وزارة التربية المهنية والتكوين المهني تعمل على إعادة انتشار كافة التلاميذ الذين يدرسون في هذه المدارس بمؤسسات تعليمية أخرى، وهو ما تم بالفعل في مدينة الدار البيضاء إذ جرى توزيع التلاميذ بشكل جماعي على عدد من المؤسسات التعليمية المجاورة، بينما في المدن الأخرى لا يزال الموضوع يراوح مكانه، بحسب ما وثقه معد التحقيق عبر اتصالات مع أهالي الطلاب.
مصير المدرسين والعاملين
يشاطر الأساتذة والعاملون في مدارس محمد الفاتح طلابهم معاناتهم، كما يقول هشام المعمري، الأستاذ بمؤسسة الفاتح التعليمية، لـ"العربي الجديد"، متابعاً أن "مصيرنا مجهول، وضعنا المهني بات معلقا منذ قرار إغلاق المدارس الذي جاء مباغتا ولم يأخذ بعين الاعتبار الأساتذة والعاملين الذين يعيلون عائلاتهم، وهو ما يشكل عبئاً اجتماعياً علينا".
واسترسل المتحدث ذاته بالقول إن "الأمر لا يتعلق فقط بالتلاميذ الذين يمكنهم الدراسة في أية مؤسسة أخرى رغم صعوبة ذلك، ولكن الأمر يتعلق بهؤلاء الأساتذة والتربويين الذين وجدوا أنفسهم بين عشية وضحاها مشردين مهنياً"، وهو ما تؤيده فيه هاجر زعيمي، المعلمة في إحدى مؤسسات الفاتح بالجديدة، والتي قالت لـ"العربي الجديد"، "إذا لم نجد من يساندنا في محنتنا هذه، قد نجد أنفسنا عاطلين بلا عمل، ماذا سنفعل بعائلاتنا التي نعيلها".
ويعمل 490 تربوياً وتربوية في مدارس الفاتح بالمغرب، ووفقا لما يؤكده مسؤول في وزارة التربية الوطنية، فضل عدم الكشف عن اسمه، فإنه يمكن للأساتذة العمل في التعليم الخصوصي الذي تتوفر له فرص عديدة لهم، على حد قوله.
ويرد أساتذة مدارس الفاتح على ذلك بأنه "يصعب جدا العثور على فرص عمل في مجال التعليم، في مثل هذا التوقيت من العام، ويتعيّن عليهم انتظار نهاية السنة الدراسية"، بحسب ما ذكره التربوي هشام المعمري.
لماذا صدر القرار في هذا التوقيت؟
في يوليو/تموز الماضي قدّم القائم بأعمال السفارة التركية في الرباط إبراهيم خليل صاكلي، طلباً إلى وزارة الخارجية المغربية، "لاتخاذ اللازم" تجاه مؤسسات جماعة الخدمة التي يترأسها الداعية التركي فتح الله غولن، بعد أن وقعت محاولة الانقلاب الفاشلة التي اتهمت السلطات التركية على إثرها جماعة الخدمة وزعيمها بالوقوف خلفها، واستغرق الأمر ما يزيد عن 6 أشهر، حتى حسم المغرب قراره، بعد أن انبرت الجمعية التركية العربية للعلوم والثقافة "تاسكا" (مقرها يقع في أنقرة)، إلى مطالبة المغرب بإغلاق المؤسسات التعليمية "محمد الفاتح" التابعة لجماعة فتح الله غولن، ودعت الجمعية التركية العربية، في بيان سابق حصل عليه "العربي الجديد"، المواطنين المغاربة إلى مقاطعة المدارس والمؤسسات التي تديرها جماعة غولن التي وصمتها بكونها إرهابية، ونصحهتم بعدم تسجيل أبنائهم في مدارس هذه الجماعة، "لأنه سيتم إغلاقها عاجلا أم آجلا".
ويعزو الباحث المتخصص في الحركات الإسلامية إدريس الكنبوري، توقيت صدور قرار إغلاق مدارس "الخدمة" في المغرب، إلى طبيعة التفاهم الذي يمكن أن يكون قد حصل بين الرباط وأنقرة، والتي تحدث بعضهم عن عروضها إغلاق تلك المدارس في البلدان التي توجد فيها وتحويلها إلى وزارة التعليم التركية، الأمر الذي كان سيؤدي فقط إلى استبدال طاقم بآخر، وربما إدخال تعديلات طفيفة في المناهج التعليمية، غير أن "المغرب أمسك العصا من الوسط، إذ أغلق تلك المدارس، لكنه لم يقم بتفويتها إلى السلطات التركية".
الخدمة تنفي
اختزلت السلطات المغربية دوافع قرار إغلاق مدارس غولن في المغرب بـ"عدم استجابة مسؤولي هذه المدارس لتنبيهات وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني، كقطاع وصي على المجال التعليمي، من أجل تصحيح الاختلالات المسجلة والتلاؤم مع المقتضيات القانونية والمناهج التعليمية المعمول بها".
هذه التنبيهات والاختلالات التربوية، بحسب ما أورده مسؤولو الوزارة لاحقاٍ في بيانات وتصريحات صحافية تتمثل في "فتح تعليم أولي بدون ترخيص، وتشغيل مدير ومدرسين بدون تراخيص، والاستعانة بمدرسين من التعليم العمومي في إطار الساعات الإضافية دون ترخيص، واستعمال كتب غير مرخصة مستوردة من تركيا وبريطانيا، فضلا عن تدريس مواد علمية بالإنكليزية في الابتدائي".
ويرد طيار كوشاك، المدير المسؤول بمدارس الفاتح بالدار البيضاء، بأن مؤسسات محمد الفاتح التعليمية خاصعة لقوانين التعليم في المغرب، بدليل أن أول مدرسة تأسست سنة 1994، وتلتها مدارس أخرى واصلت مهامها التربوية ومقرراتها التعليمة تحت إشراف سلطات الوزارة.
وتابع المتحدث ذاته بأن الحديث عن اختلالات تربوية يمكن النقاش حولها إن حدثت، ولا يصل الأمر إلى حد إغلاق المدارس دون إخطار أو إشعار مسبق، ما يشكل تهديدا حقيقيا لمسارات الطلبة والعاملين، مبرزا أن مدارس الفاتح كانت ولا تزال تعمل بتوجيهات السلطات التعليمية بالمملكة.
وحول ملاك هذه المدارس أفاد المسؤول بأن رأسمال مجموعة مدارس الفاتح يعود إلى ثلاثة مستثمرين أتراك بشراكة مع مغاربة، مشيراً إلى أنه إذا كان المشكل محدداً في ملكية أو اسم هذه المدارس يمكن حله بتسليم هذه المدارس إلى أيدٍ مغربية، "لأن المهم بالنسبة لنا هو ضمان مستقبل التلاميذ والعاملين وعدم تعريضهم للأخطار".
يظل ملف مدارس الفاتح بالمغرب مفتوحاً على جميع الاحتمالات الممكنة، في ظل رفض القضاء طلب هذه المؤسسات الطعن على قرار وزارة الداخلية، بينما ينظم آباء وأولياء التلاميذ والأساتذة والعاملون فعاليات احتجاجية تندد بالقرار وتداعياته الاجتماعية والنفسية والتربوية.