أثار اتهام الرئيس الأميركي دونالد ترامب لألمانيا بأنها "رهينة لروسيا"، ورسالته شبه التوبيخية لزعماء دول الأطلسي قبل القمة، حول نسبة إنفاقهم 2 في المائة من ميزانيتهم للأطلسي، مخاوف جديدة لبعض دول حلف شمال الأطلسي من أن تصبح سياسة "إضعاف موقف الحلف بوجه روسيا تحديداً، أساسية قبل قمة ترامب مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يوم الإثنين المقبل في هلسنكي الفنلندية"، حسبما وصفت أستاذة السياسات الأمنية في جامعة جنوب الدنمارك، ترينا لوكهارت، لـ"العربي الجديد".
وعلى الرغم من رد ألمانيا السريع، الرافض لاتهامات ترامب، رأت لوكهارت، الخبيرة في الشؤون الدفاعية للأطلسي، أن "السجال الذي خلقه ترامب في قمة الحلف فيه أيضاً إضعاف لموقفه في قمته مع بوتين في هلسنكي". وذكرت أن "غياب مصداقية الحلف يمكن أن يسهم في إضعاف سياسة الردع بوجه روسيا". والخشية على الردع، في دول البلطيق (إستونيا، لاتفيا، ليتوانيا)، بعد ضمّ شبه جزيرة القرم الأوكرانية (2014)، ومن تطلعات روسيا لنفوذ أوسع في البلطيق وبولندا، وعلى أمن دول إسكندنافيا، وخصوصاً التوترات التي أقلقت السويديين في تلك المنطقة، فاعتبرت لوكهارت أن "الحلف أظهر خلافات قللت من قدراته وسرعته، وقد ظهر ذلك في المناورات التي تابعها عن كثب الكرملين".
وأخيراً تزايدت الشكوك السويدية حول جدية التزام واشنطن والأطلسي، في التصدي لاستفزازات روسيا لها. وهو ما أكده الخبير في الشؤون الأمنية والدفاعية سيمون أبيلدغورد في لوند السويدية، في حديث مع "العربي الجديد"، قائلاً إن "توجهات ترامب تشير إلى أنه أراد في الواقع دعماً أوروبياً (من أعضاء الحلف) لمباحثاته المرتقبة مع بوتين، وفي حال عدم حصوله عليها، يذهب إلى لعب الورقة الأخرى مقابل توجس بعض الأوروبيين من مساعيه للتطبيع مع الكرملين".
واعتبر أبيلدغورد أن "ارتفاع صوت ترامب منذ قمة الدول الصناعية السبع في كندا، ونبرة انتقاده المستمر لأوروبا بشأن الموازنات الدفاعية، وفتح النار بهذا الشكل على ألمانيا، هي استراتيجية تجارية يريد من خلالها إظهار أنه: مستقل عن الحلف وأية التزامات، وهو يعمل فقط لأجل مصالح أميركا، في مقابل بحثه عن توافقات ومقايضة مع الروس في مناطق أخرى منها سورية وإيران. في المقابل يجري تغييب قضايا هامة للأوروبيين ومنها أوكرانيا والسياسات العدائية للروس". ورأى أن "استهداف ترامب لألمانيا يجمع بين قضايا عدة فهو يستهدفها لأسباب أخرى، بعضها متعلق بالموقف الأوروبي من الحرب التجارية ومن الموازنة الدفاعية، وسياسات برلين في شدّ عصب الاتحاد الأوروبي، الذي يتمنى له ترامب أن يتفكك".
بدوره، اعتبر كبير الباحثين في المعهد الدنماركي للدراسات الدولية، الخبير في الشؤون الروسية، فليمنغ سبليدسبول، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "منظمة حلف شمال الأطلسي تعيش كأسرة غير متعاونة وهو أمر يسعد موسكو جداً، ويجعل مواقف الأوروبيين ضعيفاً في هذا الحلف". ولفت إلى أنه "يوجد مخاطر أخرى يراها الأوروبيون في مواقف ترامب قبل قمة هلسنكي، ففيها سيجد بوتين نفسه يلعب على أرضه، لأن فنلندا خارج الأطلسي وتتعاون مع موسكو، ويتجهز للقمة بشكل جيد دون إفصاح عما قرره، فيما الرئيس الأميركي يتصرف بتهور ويفقد اعصابه ويطلق تصريحاته وما يفكر به، وخصوصاً في علاقته بمن يفترض أنهم حلفاء تقليديين لأميركا".
وأضافت أن "في انتقاده لألمانيا رمى الرئيس الأميركي دونالد ترامب كالعادة اتهامات من دون أدلة كدفع مليارات ومليارات لروسيا، وإدعاءات بأن ألمانيا تخاطر بجعل نفسها تحت سيطرة موسكو بترك التحكم بنسبة 60 إلى 70 في المائة من طاقتها لمصادر روسية. وهجوم ترامب على برلين، بهذا الشكل يضعف موقف الأخيرة، التي كانت من أكثر المنتقدين لتصرفات روسيا في أوروبا وغيرها، واندلاع حرب كلامية بين (المستشارة الألمانية أنجيلا) ميركل وترامب ليس في مصلحة الحلف على الإطلاق". واعتبرت أن "كلام ترامب عن المليارات الألمانية لروسيا يثبت بالاقتصاد والتجارة أنه غير صحيح على الاطلاق، ولا حتى فيما يتعلق بالطاقة. فكل ما تستورده ألمانيا من نفط وغاز روسي لا يتجاوز 20 في المائة، وليس 60 إلى 70 في المائة، كما ألمح ترامب".
وعلى الرغم من ذلك، بدا ترامب وكأنه حقق شيئاً من الانقسام الأوروبي، فقد أيّد موقفه النقدي من ألمانيا، كلٌّ من بولندا والدنمارك. فقد ذكر رئيس وزراء الدنمارك، لارس لوكا راسموسن، للتلفزيون الدنماركي، مساء الأربعاء، من بروكسل بأنه "يتفهم تصريحات ترامب حول خط الغاز وإن كنت لا أتفق معه بالطريقة". راسموسن الذي ترددت بلاده في منح الروس موافقة استكمال "نوردستريم"، اعتبر أن "الخط مرتبط بالسياسات الأمنية، وليس فقط مسألة تجارية بحتة". بل ذهب أبعد من ذلك بموافقة ترامب على أنه "على أوروبا فعلاً زيادة إنفاقها الدفاعي والأمني، وأظن أنه علينا التفكير جدياً في سياسة دفاعية تخص الاتحاد الأوروبي".