محمد عليوي: التعاون الزراعي المغاربي يقتصر على الكوارث

01 فبراير 2016
+ الخط -
يقول الأمين العام للاتحاد العام للفلاحين الجزائريين، ولاتحاد الفلاحين المغاربة، محمد عليوي، إن الجزائر مُقدِمة على مشاريع فلاحية نهضوية، في حين اعتبر أن التعاون الفلاحي المغاربي لا يزال ضعيفاً...

وهذا نص المقابلة:

* بالإضافة إلى ترؤسك الأمانة العامة لاتحاد الفلاحين الجزائريين، ترأس في الوقت نفسه الأمانة العامة لاتحاد الفلاحين المغاربة، فكيف تقيّم مستوى التعاون المغاربي في المجال الزراعي والأمن الغذائي؟
صراحة، التعاون المغاربي في القطاع الفلاحي لا يزال محتشماً وضعيفاً، ولا نتعاون في ما بيننا إلا في وقت الكوارث ووقت الجراد والأوبئة والأمراض الفتاكة. لكن التعاون في ما يتعلق بالأمن الغذائي لا زال بعيد المنال، حسب رأيي، فالعمليات التجارية الفلاحية بين الدول المغاربية يتم غالباً بصفة فردية وكل دولة على حدة. وأتمنى طبعاً لو كان يوجد استيراد جماعي مغاربي على شكل قطاع موحد أو مؤسسة شراكة مغاربية تتفاوض لتشكيل قوة إقليمية فلاحية. وهذا أمر مصيري يتعلق بالأمن الغذائي بالنسبة لجميع دول المنطقة، بحيث لا يجب أن تقتصر عمليات التعاون على عقد الاجتماعات ولا على أوقات الكوارث التي تحل بالقطاع.

* في ظل تراجع أسعار النفط، والحديث عن اتجاه الجزائر نحو تنويع الاقتصاد، هل يستطيع قطاع الفلاحة إنقاذ الجزائر فعلاً من الأزمة الاقتصادية؟
سبق أن مرت الجزائر نهاية الثمانينيات بمرحلة صعبة، حين تهاوت أسعار النفط إلى تسعة دولارات للبرميل. حينها كان القطاع الفلاحي بعيداً كل البعد عن مستوى الاعتماد عليه، لكن في الوقت الحالي اختلفت الأمور، فظروف التسعينيات ليست هي نفسها ظروف اليوم، إذ بات القطاع الفلاحي أكثر قوة، لدرجة أننا تمكّنّا من تحقيق الاكتفاء الذاتي في غالبية المنتجات الفلاحية. ومع أن الدولة اهتمت أكثر بالجانب الصناعي على حساب الفلاحة، إلا أن هذه الأخيرة (المنتجات الفلاحية) وعلى الرغم من إهمال الدولة لها ومحدودية الدعم الذي تتلقاه والذي لا يتعدى الـ4.5%، إلا أنها استطاعت أن تحقق استثمارات واسعة ومكّنت البلاد من تحقيق اكتفاء ذاتي في كل الخضر والفاكهة. لكن لا زال هناك نقص في الحبوب والحليب.

* أين أصبح برنامج رئيس الجمهورية القاضي بخلق مليون هكتار من الأراضي الفلاحية المروية؟
هذا المشروع أقر في برنامج رئيس الجمهورية. لا أكشف سراً إن قلت لك إنه حاليا بيد الوزير الأول ويتابعه معنا خطوة بخطوة، وهو برنامج إذا ما تحقق 100%، فإننا سنتخلّص من التبعية في مجال الحبوب والحليب بنسبة 90%، خاصة إذا ما وزعت الأراضي بالمناطق الجنوبية الصحراوية، كولايات الوادي وأدرار وغرداية وورقلة، ووجهت هذه المساحات للمنتوجات الاستراتيجية كالحليب والحبوب. فالجزائر تستورد سنوياً ما قيمته مليار و300 مليون دولار من غبرة الحليب (الحليب المجفف).

* تتوافر في الجزائر مساحات شاسعة من الأراضي الفلاحية والسُّهبيّة، وقد كانت دولة مصدّرة للحبوب، فما هي النسبة المستغلة من هذه الأراضي الآن، وماذا يوفر الإنتاج الفلاحي من حاجات البلاد حالياً؟
نحن الآن نستغل نحو 60 إلى 70% من الأراضي الفلاحية المتوفرة، والأراضي التي لها إمكانات باتت مقسمة ومجزأة. فالفلاحون وعلى الرغم من دعم الدولة لهم، إلا أنهم لا يستغلون هذه الأراضي بالطرق المدروسة الحديثة، مثلما هو حاصل في البلدان المتقدمة، حيث يستغل كل شبر من الأرض الفلاحية. أضف إلى ذلك أن الفلاحين الذين كان يفترض بهم وبأبنائهم خدمة الأرض والاهتمام بها سيطرت على أذهانهم فكرة الخدمات والربح السهل، بعدما طغت العوامل الصناعية والتجارية، يضاف اليها ارتفاع تكاليف الفلاحة والعتاد الفلاحي. ناهيك عن المنافسة الخارجية للمواد الفلاحية الأكثر جودة وعدم حماية الإنتاج الفلاحي الوطني.

* أين تكمن مظاهر عدم حماية الإنتاج الوطني، وخاصة أنكم صرّحتم أنه يوجد نحو مليون و800 ألف قنطار من البطاطا معرّضة للتلف إذا لم يتم تدارك الأمر من طرف الدولة ورجال المال والأعمال؟
مشكلتنا في الجزائر هي أنه إذا ما كان عندنا فائض في الإنتاج الفلاحي فإننا لا نعرف كيف نستغله في صناعات غذائية تحويلية مثلاً، وهي صناعات صارت نادرة حالياً، وتقتصر على منتج الطماطم، بعدما كانت متوفرة سنوات السبعينيات. وبدأت هذه الصناعات تعود بطريقة محتشمة في 2010 و2012، ولكن وصلنا في مسألة الإنتاج، خاصة في ولاية الوادي ومعسكر وعين الدفلة ومختلف الولايات المنتجة للبطاطا مثلاً، إلى مرحلة أنه لدينا أكثر من مليون قنطار بطاطا مخزنة وبالتالي يجب توفير شركات خاصة لتحويل وتعليب وتوزيع هذه المادة، وهو ما تعكف الحكومة عليه حالياً كون هذه هي الحلقة المفقودة التي تعطي فكرة سيئة عن إنتاجنا الفلاحي.

* إن كان الإنتاج وفيراً، لماذا إذن شهدنا في السنوات الأخيرة ندرة واضحة وغلاءً غير مسبوق لعدد من المنتجات الفلاحية خاصة البطاطا؟
المشكلة لم تكن في الندرة بل كانت في التوزيع وظاهرة الاحتكار التي مارسها " قطاع الطرق" من المستثمرين المضاربين، الذين تحكموا في تخزين هذه الخضر وأسعارها، وخاصة أن الفلاحين كانوا يتلقون الدعم لإنتاج هذه المواد، خاصة البطاطا، التي أصبح منتجوها أكثر تنظيماً وانتشاراً عبر الوطن. واليوم المشكلة ليست مطروحة في قضية الكم، بل المشكلة المطروحة هي على مستوى التخزين والتوزيع. حيث أصبح تخزين وتسويق هذا المنتج في غير محله ولا فصله، وبالتالي خُلق احتكار وسوق سوداء يسيطر عليها بضعة أشخاص. ولهذا نحن نطالب بأن يكون الفلاح هو النواة الأولى والمحورية في العملية الإنتاجية. وليس أدل على كلامنا هذا أكثر من المبادرة التي اتخذها الفلاحون في رمضان الماضي عندما قرروا تسويق منتجاتهم بأنفسهم بلا واسطة ومضاربة، حيث فتحنا أسواقاً للجملة واقتحمنا الأسواق بالتنسيق مع وزارة التجارة. وشهد هذا الشهر ولأول مرة استقراراً في أسعار المنتجات الفلاحية ووفرة غير مسبوقة بعدما كسرنا احتكار قطاع الطرق ومضارباتهم. ونحن هنا لا نقطع الطريق أمام من يريد الاستثمار في تجارة المنتجات الفلاحية، ولكن نريد أن يكون ذلك بمسؤولية ورحمة لجيوب المواطن البسيط.

* كيف تقيّمون دعم الدولة للقطاع الفلاحي حالياً، هل يرقى إلى مستوى تطلعاتكم؟
دعم الفلاحة ببلادنا غير كاف أبداً، باعتبار أن البلدان الغربية وحتى الآسيوية لا زالت تدعم القطاع الفلاحي وبنسب متفاوتة، حتى دول الاتحاد الأوروبي، وعلى الرغم من توحيد كل شيء بينها، إلا أنها تختلف في ما يتعلق بدعم المنتجات الفلاحية. ففي الوقت الذي تدعم فيه سويسرا مادة الحليب بـ60% تدعمه فرنسا بـ40%، في حين تدعم أميركا إنتاج الحليب بـ47%، أما عندنا فالدعم الفلاحي بصفة عامة لا يتجاوز الـ4.5%، الأمر الذي جعل بلادنا تعاني عجزاً في مادة الحليب بنحو ثلاثة مليارات ليتر، بينما نحن نستهلك خمسة مليارات ليتر، ونسجل عجزا في الحبوب بـ70% في غير سنوات الجفاف. وأعتقد أنه يجب مراجعة سياسة الدعم الحالية التي تعتمدها الحكومة من خلال تركيزها على دعم المعدات والآلات، حيث يجب تركيز الدعم على الإنتاج وليس على مرحلة ما قبل الإنتاج، حتى نشجع المنتج الحقيقي.

* الكثير من الفلاحين صاروا يشتكون من ندرة اليد العاملة في أراضيهم، ما السبب برأيك في تراجع عدد العمال الزراعيين؟
هذه من المعضلات الكبيرة التي يعانيها القطاع الفلاحي نتيجة سياسة دعم الشباب التي تتبعها الحكومة للقضاء على البطالة. ولسوء حظ الفلاحة فإن أغلب هذا الدعم انحصر في قطاع الخدمات وكل ما هو أعمال غير شاقة، حتى أن أبناء الفلاحين استفادوا من دعم الوكالة الوطنية لدعم تشغيل الشباب "أونساج "، وتحولوا إلى قطاع الخدمات مبتعدين عن النشاط الزراعي، ونزحوا من الأرياف إلى المدن. الأمر الذي خلق عزوفاً كبيراً من قبل الشباب عن الفلاحة، فصارت اليد العاملة الفلاحية عملة نادرة، وفي الوقت نفسه الفلاحون لا يملكون الإمكانات الكافية لشراء الآلات والمعدات الفلاحية التي يمكنها تعويض النقص الحاصل في اليد العاملة والذي بلغ نحو 90%.

* وقّع اتحادكم اتفاقاً مع اتحاد الفلاحين السودانيين سنة 2011 لاستيراد اللحوم الحمراء من السودان، لكن الجزائريين فوجئوا بقرار وزارة التجارة في ما بعد بالتوجه نحو الهند لاستيراد اللحوم بأسعار أعلى، ما السبب؟
السبب موجود في أذهان بعض الفنيين والبيطريين في وزارة الفلاحة، حيث أوفد الوزير السابق بيطريين إلى السودان، ومعروف أن هذا البلد يتوفر على أكبر ثروة حيوانية في العالم العربي، ولكن للأسف خلال عمليات التفاوض أبدى البياطرة الجزائريون تخوفاً من وجود أمراض بالمواشي، فألغوا الاتفاق، وهذا تخوف لا أساس له من الصحة.

* هل من تفكير حالياً لإعادة إحياء هذا الاتفاق مع الجانب السوداني، خصوصا مع تغيّر الكثير من الأمور على مستوى السلطة واتّباع الحكومة سياسة التقشف؟
بالفعل لا زلت أسعى للقيام بهذه الخطوة، وقد اتصلت أخيراً بوزير التجارة بختي بلعايب، وتحدثنا حول الموضوع، وقد وافق مشكوراً، وقريباً سيتوجه وفد جزائري إلى السودان على رأسه وزير التجارة الحالي، وممكن وزير الفلاحة وأنا شخصياً، ونعيد تفعيل الاتفاق مع الجهة السودانية، والأهم هو استيراد المواشي حية لتربيتها في مدننا الجنوبية التي تتميز بمناخ مشابه للسودان، خاصة أغنام "السيدوان"، لإثراء هذه المناطق بالماشية والإبل.
المساهمون