شهدت الثورة التونسية التي أطلقت الربيع العربي عام 2011، محطات بارزة خلال سبع سنوات مرّت، وقطعت خلالها البلاد منذ ذلك الحين، أشواطاً في سعيها لتأسيس ديمقراطية عربية، تحاول أن تشق طريقها رغم الصعوبات المحلية والإقليمية التي تعرقل مسارها.
وشهدت محطات الثورة التونسية، أزمات خانقة وأحداثاً كادت تغيّر مسارها وتهدد نجاحها، على غرار ما حدث في أكثر من بلد عربي، لكن تمسّك التونسيين بمنجزهم التاريخي، والقرارات التي اتخذتها أغلب النخب السياسية، جنّبهم ويلات العنف، وقاد الجميع إلى الاتفاق نهائياً على حسم كل الخلافات بالحوار، والاحتكام للشعب وصندوق الاقتراع.
ورغم التجاذبات الكبرى والتنافس الحزبي الحاد، نجح التونسيون في إرساء أهم تقاليد الحياة الديمقراطية: التداول السلمي للسلطة.
ولعل التذكير بأبرز هذه المحطات، قد ينعش الذاكرة التونسية والعربية، للاقتناع بأنّ الديمقراطية ممكنة في المجتمعات العربية، وأنّ طاولة الحوار يمكنها أن تنتج قرارات مهمة.
- 17 ديسمبر/كانون الأول 2010: محمد البوعزيزي، بائع متجول مثل آلاف الشباب التونسي، يعيل عائلته من عربة بسيطة، يضرم النار في نفسه أمام مقر محافظة سيدي بوزيد (وسط تونس)، احتجاجاً على الظلم الذي تعرّض له.
- 19-20 ديسمبر/كانون الأول 2010: انطلاق الاحتجاجات الشعبية في سيدي بوزيد، ومواجهات عنيفة بين المحتجين وقوات الأمن، توسعت بعد ذلك في كامل المحافظة ثم في بقية المدن التونسية وخصوصاً في مدينة القصرين، إلى أن توفي البوعزيزي في 5 يناير/كانون الثاني 2011 متأثراً بحروقه البليغة.
- بدأت سلسلة الشهداء تكبر يوماً بعد يوم في كل أرجاء البلاد، إلى أن وصلت تونس العاصمة، وشرعت تتضح معالم ثورة وطنية عامة، تتجاوز مجرّد الاحتجاج الشعبي والحالة العرضية. فقد النظام سيطرته على الأحداث، ولم تنفع قرارات إقالة المحافظين والوزراء وخطابات الرئيس زين العابدين بن علي، وتم فرض منع التجوّل ليلاً، سعياً لإخماد اللهيب المتصاعد من كل أرجاء تونس، وقام محتجون بإحراق ممتلكات تعود ملكيتها لعائلة الرئيس وأصهاره، ما أوضح نهائياً أن هدف المحتجين هو تغيير النظام ورموزه.
- 14 يناير/كانون الثاني 2011: مظاهرة مليونية تجوب قلب العاصمة تونس، بدعوة من الاتحاد العام التونسي للشغل والأحزاب المعارضة، والشخصيات المناضلة، توجهت إلى وزارة الداخلية، ولم تثنها وعود النظام بالإصلاحات وإطلاق الحريات وتنظيم انتخابات مبكرة وحلّ الحكومة، وانتهت بفرار بن علي وعائلته المصغرة، والقبض على عدد كبير من أصهاره وأفراد من عائلته في المطار، قبل مغادرتهم البلاد.
- في اليوم ذاته، أعلن الوزير الأول محمد الغنوشي نفسه رئيساً مؤقتاً معتمداً على الفصل 56 من الدستور، لكن التونسيين رفضوا هذا الأمر، خوفاً من استمرار نفس النظام وإخماد الاحتجاجات.
- 15 يناير/كانون الثاني 2011: المجلس الدستوري يعلن رسمياً شغور منصب رئيس الجمهورية، مما سمح بنقل صلاحيات الرئاسة المؤقتة إلى رئيس مجلس النواب فؤاد المبزّع الذي كلف الغنوشي باقتراح حكومة جديدة. أمام الرفض الشعبي للغنوشي، قرّر الرئيس التونسي المؤقت فؤاد المبزع، تعيين الباجي قائد السبسي رئيساً جديداً للحكومة الانتقالية، استمرّت أشهراً لغاية تنظيم أول انتخابات حرة في تونس، بينما تولّت هيئة خاصة لتحقيق أهداف الثورة، صياغة خارطة طريق ووضع أسس الانتقال الديمقراطي.
نظمت في 2011 انتخابات بتونس (أود أندرسون/فرانس برس) |
- 23 أكتوبر/تشرين الأول 2011: تنظيم انتخابات "المجلس الوطني التأسيسي" (البرلمان المؤقت) المكلف بكتابة دستور جديد لتونس، فازت بأغلبيتها حركة "النهضة".
- 12 ديسمبر/كانون الأول 2011: المجلس التأسيسي ينتخب المنصف المرزوقي رئيساً للجمهورية، بعد مصادقته على القانون التأسيسي للتنظيم المؤقت للسلطة، وتكليف حمادي الجبالي بتشكيل الحكومة التي جمعت أحزب الأغلبية، وهي: "حركة النهضة"، وحزب "المؤتمر من أجل الجمهورية"، و"التكتل الديمقراطي"، وعُرفت بعد ذلك بحكومة الترويكا.
- 6 فبراير/شباط 2013: اغتيال المعارض اليساري شكري بلعيد، بالرصاص أمام منزله في تونس العاصمة، ومظاهرات احتجاجية كبيرة في مدن تونسية عديدة، قادت إلى استقالة حكومة الترويكا، وتعيين القيادي بـ"حركة النهضة"علي العريض، رئيساً جديداً للحكومة.
اُغتيل في 2013 المعارض شكري بلعيد (فتحي بلعيد/فرانس برس) |
- 25 يوليو/تموز 2013: اغتيال المعارض اليساري محمد البراهمي، أمام منزله في العاصمة تونس، ما فجّر أزمة سياسية جديدة وأدخل البلاد في حالة احتقان، وأطلق دعوات لإسقاط الحكومة وحلّ المجلس التأسيسي ودعوة الجيش لتسلّم السلطة على غرار السيناريو المصري.
- غير أنّه تم الاتفاق على الإبقاء على مدنية مسار الانتقال الديمقراطي، ورفض الجيش كل الدعوات لإقحامه في العملية السياسية كما فعل عند انطلاق الثورة، وأطلق الاتحاد العام التونسي للشغل، مبادرة الحوار الوطني، بالتعاون مع هيئة المحامين واتحاد رجال الأعمال ورابطة حقوق الإنسان، وقاد مفاوضات طويلة وشاقة انتهت بخروج الترويكا من الحكومة وتشكيل أخرى محايدة تعهد أعضاؤها بعدم الترشح للانتخابات القادمة، في حين بقي المرزوقي في منصبه، حتى انتخابات 2014.
رفض الجيش إقحامه في السياسة (فتحي بلعيد/فرانس برس) |
- 26 يناير/ كانون الثاني 2014: المصادقة على الدستور الجديد.
- 26 أكتوبر/تشرين الأول 2014: تنظيم الانتخابات التشريعية التي انتهت بفوز حزب "نداء تونس" الذي أسسه الرئيس الحالي الباجي قائد السبسي، وحصل على 86 من مقاعد البرلمان البالغ عددها 217 مقعداً، متقدّماً على "حركة النهضة" التي حصلت على 69 مقعداً.
- 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2014: فوز الباجي قائد السبسي برئاسة الجمهورية.
- 31 ديسمبر/كانون الأول 2014: في مشهد استثنائي وتاريخي بالنسبة إلى التونسيين، تسلّم الرئيس الجديد الباجي قائد السبسي، مقاليد الرئاسة من خلفه المنصف المرزوقي، أمام قصر قرطاج، ما شكّل لحظة فارقة في تأسيس مبدأ التداول السلمي للسلطة.
- أعلن السبسي بعد ذلك تشكيل حكومة الحبيب الصيد الأولى ثم الثانية، والتي انتهت بإقالته وتعيين يوسف الشاهد الذي شكّل بدوره حكومة أولى وثانية، تكّونت بالأساس من تحالف جديد بين الحزبين الفائزين بالانتخابات التشريعية، "نداء تونس" و"حركة النهضة"، لتتوسع بعد ذلك وتضم أحزاباً وشخصيات أخرى، قبل أن تصبح حكومة وحدة وطنية بعد الاتفاق على وثيقة قرطاج.
يُشار إلى أنّ هذه الكرونولوجيا المختصرة للأحداث، لم تتوقف عند أكثر اللحظات المحزنة في مسيرة الثورة التونسية، حيث تم استهدافها منهجياً من طرف مجموعات متطرفة، في أحداث كانت حصيلتها سقوط عدد كبير من قوات الجيش والشرطة والدرك والجمارك، فضلاً عن مدنيين دفعوا حياتهم ثمناً لوطنهم. وقد وصل الأمر بهذه المجموعات الإرهابية، إلى حدّ محاولة السيطرة على مدينة بنقردان في الجنوب التونسي، إلا أنّ يقظة الجيش التونسي وقوات الأمن، وتعاون الأهالي، أسقط ذلك.
نجح التونسيون، طيلة السنوات السبع التي مرت على انطلاق شرارة الثورة التونسية، في كتابة دستور جديد، وسنّ عدد من القوانين، وتأسيس المؤسسات الدستورية التي تحمي الثورة وتمنع العودة إلى الوراء، وتؤسس لجمهورية ثانية ديمقراطية تحترم حقوق الإنسان، رغم كل الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية التي تبقى أكبر رهانات الثورة التونسية ونخبها السياسية.