محاولات لوأد انتفاضة لبنان: مشروع تعديل حكومي واستفزازات حزبية

بيروت

العربي الجديد

لوغو العربي الجديد
العربي الجديد
موقع وصحيفة "العربي الجديد"
24 أكتوبر 2019
A0FF82D5-062F-4062-9502-5EE69C6F8FE7
+ الخط -
بعد ثمانية أيام على انتفاض اللبنانيين بصورة غير مسبوقة بوجه السلطة الحاكمة في البلاد، قرر رئيس الجمهورية، ميشال عون، أخيراً الظهور لمخاطبة شعبه، اليوم الخميس، بكلمة مسجلة من القصر الرئاسي في بعبدا شرق بيروت، تنصّل فيها من المسؤولية إزاء الوضع الذي وصلت إليه البلاد، بذريعة عدم وجود صلاحيات كبيرة بين يديه، كما كل من سبقوه من القيادات اللبنانية.

لكن مضمون كلمة عون التي لم يقدّم فيها أي جديد يذكر سوى تلميحه إلى إمكانية إجراء تعديل حكومي، تجاهله اللبنانيون، ولم يدم مفعوله أكثر من الدقائق التي استغرقها لإلقائه، إذ سرعان ما بدأت الهتافات ضده تنطلق من مختلف ساحات الاحتجاج التي تواصلت بزخم أمس، على الرغم من الأجواء الماطرة.

وجاءت كلمة عون بالتزامن مع استمرار المناورات السياسية لمحاولة وأد الانتفاضة، بما في ذلك الحديث عن تعديل وزاري، فيما يبدو أن الخلافات، حول الوزراء الذين سيشملهم، هي السبب وراء تأخيره، ولا سيما أن بعض الأفكار التي طرحت تتضمن إقصاء وزير الخارجية، صهر الرئيس، جبران باسيل.

في الأثناء، وفيما تراجع الجيش خطوة إلى الوراء بعدما فشل أمس الأربعاء في فضّ الاعتصامات بالقوة وفتح الطرقات التي لا يزال المحتجون يغلقونها منذ يوم 17 أكتوبر/تشرين الأول الحالي، تاريخ اندلاع الاحتجاجات، كان أنصار حركة أمل وحزب الله يواصلون محاولات الترهيب وتخريب التظاهرات وتخويف من فيها، ناقلين هذه المساعي من صور والنبطية (جنوب لبنان) إلى وسط بيروت حيث الاعتصام المركزي في العاصمة.

دخلت المظاهرات أسبوعها الثاني (حسين بيضون/العربي الجديد) 


وشهد أمس الخميس إرسال مجموعات تابعة لما يعرف بـ"سرايا المقاومة" (مليشيا أسسها حزب الله لتضمّ عناصر من طوائف غير شيعية)، دخلت بين المتظاهرين السلميين وافتعلت إشكالات معهم، ما أدى إلى وقوع جرحى، لتتدخل لاحقاً قوات الجيش ومكافحة الشغب وتعمل على معالجة الوضع.

وذكرت مصادر لـ"العربي الجديد"، أنّ مجموعات كبيرة من "سرايا المقاومة" حاولت أمس اختراق المحتجين ورددت شعارات استفزازية، بذريعة رفض استهداف الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصر الله، وزعيم "حركة أمل" رئيس مجلس النواب نبيه بري، ووضعهما ضمن الفاسدين الذين يشملهم شعار "كلن يعني كلن".

وفي مدينة النبطية جنوب لبنان، حيث أعاد المتظاهرون تنظيم أنفسهم بعدما تعرضوا للقمع الأربعاء على أيدي أنصار حزب الله و"أمل"، ذكرت وسائل إعلام لبنانية أنّ إشكالاً وقع بعد مرور سيارة قال المعتصمون إن سائقها قام بحركات استفزازية وحمل السلاح عليهم، وعلى الإثر تدخل الجيش مانعاً الإشكال من التطور.

ودخلت الانتفاضة اللبنانية، أمس الخميس، أسبوعها الثاني، إذ تواصلت الاعتصامات في أبرز المدن اللبنانية، ومختلف القرى والبلدات من دون تراجع عن المطالب بإسقاط الحكومة والطبقة السياسية الفاسدة، كما يصفونها. واستمرّت كذلك حالة الشلل في البلاد، مع استمرار قطع الطرقات الرئيسية والحيوية، فضلاً عن استمرار إقفال المصارف والمدارس والجامعات أبوابها. وفي السياق، أعلنت جمعية المصارف في بيان اليوم إغلاق المصارف غداً الجمعة.

استمرت المظاهرات دون تراجع عن مطلب إسقاط الحكومة (حسين بيضون/ العربي الجديد) 


وفي كلمته، لم يقدّم الرئيس اللبناني أي تنازلات أو حلول للوضع القائم، بل اكتفى بدعوة المعتصمين والمتظاهرين إلى لقاء ممثلين عنهم "يحملون هواجسهم ويحددون مطالبهم"، وفق قوله، مع تركيزه على "ضرورة إعادة النظر بالواقع الحكومي الحالي". ويأتي الخطاب الرئاسي بعد حديث في الأوساط اللبنانية عن مبادرة، أُجهضت لاحقاً، لإجراء تعديل وزاري، يشمل صهر الرئيس، وزير الخارجية جبران باسيل، الذي يُعتبر الحاكم الفعلي في لبنان، والذي تعطّلت من أجله حكومات سابقة.

ويمتلك حزب عون، "التيار الوطني الحر"، مع حلفائه، الأغلبية في مجلسَي النواب والوزراء، فضلاً عن تولّيه رئاسة الجمهورية، وسيطرته على الوظائف العليا في الدولة اللبنانية.
وتحدّث عون في خطابه عن الورقة الإصلاحية التي أقرتها الحكومة، معتبراً أنها ستكون الخطوة الأولى لإنقاذ لبنان، وإبعاد شبح الانهيار المالي والاقتصادي عنه، مشيراً إلى أنها كانت أول انجاز للبنانيين، لأنهم ساعدوا بإزالة العراقيل من أمامها، وأُقرَّت بسرعة قياسية، لكن يجب مواكبتها بمجموعة تشريعات. ورأى أنه بات من الضروري إعادة النظر بالواقع الحكومي الحالي حتى تتمكن السلطة التنفيذية من متابعة مسؤولياتها، وطبعاً من خلال الأصول الدستورية المعمول بها.

وتابع، في محاولة لرفع المسؤولية عن نفسه: "أنا ملتزم إقرار قوانين مكافحة الفساد، ولكن هذه صلاحية مجلس النواب، وأنا أطلب مساعدتكم لإقرارها". وأضاف: "تعرفون جيداً أننا في بلد شراكة وديمقراطية، ورئيس الجمهورية خصوصاً بعد الطائف بحاجة إلى تعاون كل الأطراف في الحكومة ومجلس النواب ليحقق خطط العمل والإصلاح والإنقاذ ويفي بالوعود التي قطعها في خطاب القسم. ولكن الحقيقة، أن العراقيل كثيرة والمصالح الشخصية متحكمة بالعقليات".

وتابع عون: "سمعت الكثير من الدعوات لإسقاط النظام، إلا أنّ النظام لا يتغيّر بالساحات"، مضيفاً: "صحيح أنّ نظامنا يحتاج إلى تطوير، لكن هذا الأمر لا يحصل إلا من خلال المؤسسات الدستورية". وأكد أنه "كل من سرق المال العام يجب أن يحاسب، ولكن المهم ألا تحميه طائفته وتدافع عنه. لنكشف كل حسابات المسؤولين ونترك القضاء يحاسب".

وسخر مغردون من كون الخطاب مسجّلاً وخضع للكثير من المونتاج، وفق ما يظهره الفيديو الذي بثته مختلف وسائل الإعلام اللبنانية، فضلاً عن الصور التي تناقلها الناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

وفور انتهاء كلمته، علت هتافات المتظاهرين في مختلف الساحات، مطالبين رئيس الجمهورية بالرحيل. وقال بعضهم: "بيّ الكل بيّ الكل من بعبدا بدو يفلّ"، في إشارة إلى اللقب الذي رافق عون منذ توليه رئاسة الجمهورية، بعد توصيف نفسه بأنه بمثابة والد لجميع اللبنانيين.

من جهته، سارع رئيس الحكومة سعد الحريري إلى الترحيب بكلمة عون، وقال في تغريدة عبر "تويتر": "اتصلت بفخامة رئيس الجمهورية ورحبت بدعوته إلى ضرورة إعادة النظر بالواقع الحكومي الحالي من خلال الآليات الدستورية المعمول بها". بدوره، قال رئيس الحزب "التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط، عبر "تويتر": "بعد سماع كلمة الرئيس عون، وبما أننا في نفس هذا المركب الذي يغرق، نشاطره الخوف من الانهيار الاقتصادي، نجد أن أفضل حلّ يكمن في الإسراع بالتعديل الحكومي والدعوة لاحقاً إلى انتخابات نيابية وفق قانون عصري لا طائفي".

إحدى اللافتات المرفوعة في بيروت اليوم (حسين بيضون/ العربي الجديد) 


وكانت وكالة "رويترز" قد نقلت عن مسؤول كبير بوزارة الخارجية الأميركية، قوله أمس الأربعاء، إنّ الشعب اللبناني "غاضب بحق" من حكومته لرفضها معالجة الفساد، وإن الاحتجاجات تعكس مطالب اللبنانيين باتخاذ إجراء، مضيفاً أن واشنطن تدعم حقهم في التظاهر السلمي.

في السياق ذاته، قالت السفارة البريطانية في بيروت، على حسابها في "تويتر"، اليوم، إنه "يجب تنفيذ الإصلاحات الضرورية بشكل عاجل"، مؤكدة في تغريدة ثانية أنّ "المملكة المتحدة ستواصل دعم الدعائم الأساسية للبنان من أمن واستقرار وسيادة وازدهار، بما في ذلك من اقتصاد أقوى وأكثر إنصافاً، وفرص تعليم نوعية للجميع، وتحسين الخدمات وتعزيز الأمن".

ذات صلة

الصورة
دبابة إسرائيلية على حدود لبنان من جهة الناقورة، 13 أكتوبر 2024 (Getty)

سياسة

اشتدت حدة المواجهات البرية بين حزب الله وجيش الاحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان مع دخول المعارك شهرها الأول من دون أن تتمكن إسرائيل من إحكام السيطرة.
الصورة
قصف إسرائيلي في محيط قلعة بعلبك الأثرية، 21 أكتوبر 2024 (نضال صلح/فرانس برس)

سياسة

انضمّت مدينة بعلبك إلى الأهداف الإسرائيلية الجديدة في العدوان الموسَّع على لبنان تنفيذاً لسياسة الأرض المحروقة ومخطّط التدمير والتهجير الممنهج.
الصورة
أنشطة ترفيهية للأطفال النازحين إلى طرابلس (العربي الجديد)

مجتمع

أطلقت منظمات وجمعيات أهلية في مدينة طرابلس اللبنانية مبادرات للتعاطي مع تبعات موجة النزوح الكبيرة التي شهدتها المدينة خلال الفترة الأخيرة.
الصورة
دمار جراء غارات إسرائيلية على بعلبك، 25 أكتوبر 2024 (Getty)

سياسة

شنّ جيش الاحتلال الإسرائيلي سلسلة غارات دموية على مناطق عدّة في محافظة بعلبك الهرمل اللبنانية أدت إلى سقوط عدد كبيرٍ من الشهداء والجرحى وتسجيل دمار كبير
المساهمون