أكد مسؤول بارز في البيت الأبيض، اليوم الثلاثاء، أن وزارة العدل الأميركية قررت عدم توجيه أي تهمة جنائية لأي شخص من المتورطين في جرائم تعذيب المعتقلين في عهد الرئيس السابق جورج بوش. وقال المسؤول في مؤتمر صحافي عقده البيت الأبيض عبر دائرة هاتفية مغلقة، ولم يفصح فيه عن اسم المتحدث، إن "أمر المحاكمات مناط بوزارة العدل، وقد قررت الوزارة عدم توجيه أي تهمة لأحد، والبيت الأبيض لا يتدخل في عمل الجهاز العدلي".
في حين، قال وزير الخارجية جون كيري، إن "تقرير مجلس الشيوخ يؤكد أن أحد نقاط القوة لأميركا، هو قدرة نظامنا الديمقراطي على الاعتراف بالخطأ وتصحيح المسار، والرئيس باراك أوباما، طوى صفحة هذه السياسات ومنع استخدام التعذيب وأغلق برنامج الاعتقال".
من جهتها، قالت مؤسسة "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية، إن "تقرير مجلس الشيوخ يدحض نفي (سي أي إيه) ضلوعَها في التعذيب والذي يعتبر عملاً جُرمياً، ويثبت أن الحاجة إلى تدابير قاسية لحماية الأميركيين ليست سوى ضربٍ من الخيال".
وكانت لجنة الاستخبارات التابعة لمجلس الشيوخ الأميركي، نشرت اليوم الثلاثاء، أجزاء من التقرير السري، الذي طال انتظارُ نزعِ ستار السرية عنه بشأن ملف التعذيب في عهد الرئيس السابق جورج بوش. وتضمنت الأجزاء الـ 20 تهمة خطيرة من مجلس الشيوخ إلى وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي أي) تتمحور حول الكذب والتضليل.
وخلص التقرير إلى أن برنامج الاستخبارات المركزية الأميركية لاستجواب المشتبه بضلوعهم في الارهاب بعد هجمات 2001، كان أكثر وحشية مما أقرت به الوكالة. وأضاف تقرير مجلس الشيوخ أن البرنامج فشل في استخلاص أي معلومات من المستجوبين تقود إلى إحباط أي تهديدات. وقال التقرير إن "سي آي أي" ضللت الرأي العام وصانعي القرار بشأن البرنامج الذي قام إثنان من المتعاقدين الخارجيين بتطويره وتشغيله وتقييمه.
ويغطي التقرير الذي كان خلاصة تحقيق طويل الفترة الممتدة بين عامي 2001 و2009. وقد تقرر نزع السرية عنه إثر تحقيق بدأ في 2009 ولم ينته إلا في 2012، ويتضمن تفاصيل عن أساليب "الاستجواب العنيف" من قِبل الـ"سي آي أي" ضد سجناء اعتقلوا خلال الحروب التي تلت هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2011، والتي تمخضت عن اعتقال آلاف الأشخاص من مختلف أنحاء العالم.
واستُخدِمت سجونٌ عربية وغير عربية كأماكن للاعتقال، تديرها الاستخبارات الأميركية لأن القانون الأميركي يمنعها من فتح سجون داخل الأراضي الأميركية. وتشمل تقنيات "الاستجواب العنيف" التي اعتمدتها الاستخبارات الأميركية الإيهامَ بالغرق والحرمان من النوم لأيام طويلة. ويشمل برنامج المعتقلات السرية التابعة لـ"سي آي أي" الذي قيل إنه يشمل مائة سجين من المنتمين لتنظيم "القاعدة"، أو يشتبه في ارتباطهم بالتنظيم. وجرى تعذيب هؤلاء في سجون بينها سجن غوانتانامو في خليج كوبا خارج الأراضي الأميركية. وكان من بين أهداف التعذيب إجبار السجناء على الإفصاح عن معلومات عن زعماء "القاعدة" وأماكن تخفّيهم.
وحاول كيري، في آخر لحظة، إقناع رئيسة لجنة الاستخبارات السيناتور الديمقراطية ديان فاينشتاين، بالتأني في نشر ملخص التقرير الذي وُصف بالصادم جداً عن التعذيب في عهد بوش الابن، لكنه فشل في إقناعها بتأجيل نشره.
وأشارت مصادر إعلامية أميركية إلى أن كيري، كشف خلال حديثه بفاينشتاين، قبل عطلة نهاية الأسبوع الماضي، أن حلفاء لأميركا في المنطقة أعربوا عن قلقهم من أن يؤدي نزع صفة السرية عن التقرير إلى ردود فعل غاضبة في الشارع الإسلامي، بحكم أن ضحايا التعذيب الوحشي في عهد بوش مسلمون.
وفي السياق ذاته، أكد مصدر في الخارجية الأميركية، لـ"العربي الجديد"، أن "الخارجية أوعزت للسفارات الأميركية في المنطقة باتخاذ المزيد من إجراءات الحيطة والحذر، تحسباً من أي ردود فعل غير متوقعة على مضمون التقرير، الذي لم تتضح ردود الفعل عليه بعد، ولكن من المتوقع أن يهز المجتمع الأميركي ويسبب المزيد من الصداع للسياسة الخارجية الأميركية".
وحسب المصادر الأميركية، فإن صنّاع السياسة الخارجية الأميركية لم يعارضوا نشر التقرير من حيث المبدأ، ولكنهم كانوا يرون اختيار توقيت آخر باعتبار أن الأجواء في المنطقة حالياً غير ملائمة لصبّ المزيد من الزيت على النار. وتخشى الخارجية الأميركية من تعرّض حياة الدبلوماسيين والمواطنين الأميركيين في المنطقة إلى المزيد من الأخطار، بسبب التفاصيل الصادمة الواردة في التقرير المؤلف من أكثر من 6 آلاف صفحة عن فظائع التعذيب.
أما السيناتور فاينشتاين، وكثيرٌ من المتحمسين لكشف الحقائق للشعب الأميركي، فقد فضلوا نشر التقرير خشية منهم أن يؤدي التأخر في نشره إلى وضع الملف كاملاً في الرف إلى الأبد، بعد أن يتولى في يناير/كانون ثاني المقبل، الجمهوريون أصحاب الغالبية في مجلس الشيوخ رئاسة لجان المجلس، ومن بينها لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ. وكانت لجنة الاستخبارات صوتت لصالح كشف فظائع التعذيب خلال جلسة مغلقة في ديسمبر/كانون الأول عام 2012. وقبل منتصف العام الماضي، أقرت اللجنة نزع السرية جزئياً عن التقرير، بعد شطب معلومات توصف بأنها ذات طابع أمني، مثل الأسماء الحركية لعملاء وكالة الاستخبارات الأميركية، والدول التي تعاونت مع واشنطن في برنامج التعذيب الوحشي.
ويعتقد بعض الحلفاء العرب أن أماكن التعذيب والدول التي جرى فيها تعذيب السجناء، يمكن استنتاجها من السياق أو تخمينها، الأمر الذي قد يضاعف المخاطر على هؤلاء الحلفاء، حسب بعض المصادر في الخارجية الأميركية.
وكان قد تأخر نشر التقرير بضعة شهور بسبب الخلاف مع إدارة أوباما، بشأن الأجزاء التي يجب الاستمرار في حجبها، وعدم نزع صفة السرية عنها. ولا توجد دوافع سياسية على ما يبدو لدى الديمقراطيين للإضرار بالحزب الجمهوري، باعتبار أن الرئيس السابق ينتمي إلى الجمهوريين، ولكن أوباما وكيري كلاهما معروف عنهما أنهما من ذوي التوجهات الليبرالية المؤيدة للكشف عن أكبر ما يمكن من معلومات للجمهور، بغض النظر عن محتواها. وبما أن العرف السائد بين الإدارات السابقة واللاحقة في الولايات المتحدة، يحتم على كل رئيس احترام أسرار من سبقه، وعدم تشويه الإدارات السابقة بشكل متعمد، فإن أوباما حاول ألا يظهر البيت الأبيض متبنياً لجهود نزع السرية، ولا أن يصدر القرار عنه، بل كان شرطه الوحيد هو أن يأتي القرار من الكونجرس وليس من البيت الأبيض. وعلى الرغم من طول الانتظار، فإن البيت الأبيض لعب دوراً في عرقلة النشر، بسبب إصراره على حجب صفحات معينة من التقرير المقرر نشره.
رفع ستار السرية عن 10 في المئة فقط
لوحظ أن عدد الصفحات المنشورة من تقرير مجلس الشيوخ عن تعذيب المعتقلين على موقع لجنة الاستخبارات التابعة لمجلس الشيوخ، لم يتجاوز 600 صفحة أي أقل من 10 في المئة من حجم التقرير الأصلي كاملاً البالغ عدد صفحاته أكثر من 6000 صفحة. وتم تسويد أجزاء إضافية من الأجزاء المنشورة قبيل نشرها الكترونياً.
وعلم "العربي الجديد"، أن موظفي لجنة الاستخبارات يعدون حالياً طبعات ورقية لتوزيع ما تم نزع ستار السرية عنه في نسخ ورقية يوازي حجم النسخة الواحدة منها حجم كتاب كامل من القطع الكبير أو كتابين من الأحجام المتوسطة. ويتراوح حجم التقرير الأصلي فيما لو تقرر نشره ما يوازي حجم عشرة كتب يبلغ عدد صفحات الكتاب الواحد منها 600 صفحة أو عشرين كتاباً إذا تم مراعاة أن يكون متوسط عدد صفحات الكتاب الواحد 300 صفحة.
ويعتبر نشر الملخص فقط وليس التقرير كاملاً بمثابة حل وسط بين الديمقراطيين الساعين إلى نشره كاملاً والجمهوريين الراغبين في إخفاء محتواه كاملاً.