تقرير التعذيب الأميركي: اسمان قادا لبن لادن... وحقائب نوويّة

11 ديسمبر 2014
شخصان فقط كانا يعرفان مكان بن لادن (مارك ويلسون/Getty)
+ الخط -

يظهر ملخّص تقرير مجلس الشيوخ الأميركي عن أساليب التعذيب التي اعتمدتها وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، "سي آي آيه"، حقائق عديدة يكشف عنها لأول مرة، في حين يتطرق التقرير إلى معلومات لم يعرف إلا القليل من تفاصيلها من قبل.

ويكشف التقرير عن اسمي شخصين استدلّت عن طريقهما الاستخبارات الأميركية إلى مكان اختباء زعيم تنظيم القاعدة، والكشف عن المصادفة التي قادت إلى اعتقال منسق هجمات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول اليمني رمزي بن الشيبة. كما يظهر التقرير تعرّض تنظيم القاعدة إلى محاولة نصب من مسؤولين يمنيين ادّعوا وجود حقائب نووية للبيع، وحاول "القاعدة" شراء تلك الحقائب.

ومن بين صفحات ملخص التقرير، البالغ عددها 499 صفحة مع الهوامش ومن دون الملاحق، حظيت دول عربية بنصيب الأسد في تكرار ورودها في التقرير. وجاءت الكويت والعراق في المقدمة في عدد مرات ورودهما بسبب الشخصين الوحيدين اللذين كانا يعرفان مكان وجود أسامة بن لادن، الأول يُنسب للكويت اسماً لا ميلاداً، والثاني اعتقل في العراق من قبل الأكراد الذين لم يعرفوا أنه صيد ثمين قبل أن يسلّموه للولايات المتحدة.
وتكرر ذكر السعودية واليمن أكثر من عشر مرات بسبب كثرة الأنشطة المنطلقة من أراضيهما وأعداد أتباع تنظيم القاعدة فيهما، في حين جاءت جيبوتي قبلهما بسبب وجود قاعدة عسكرية أميركية فيها وتعدد المزاعم عن استهداف التنظيم لتلك القاعدة. وكاد المغرب والسودان يتساويان مع السعودية واليمن بسبب كثرة ضحايا تعذيب الاستخبارات الأميركية ممّن يكنّون بالـ"المغربي" أو "السوداني". وجاءت بعد ذلك مصر وسورية وليبيا والصومال أقل تكراراً من الدول السابقة وأعلى من الجزائر وعمان وفلسطين والإمارات، حيث لم يرد ذكر الدول الأخيرة سوى مرة أو مرتين، في حين غاب لبنان والبحرين وموريتانيا وتونس وجزر القمر نهائياً عن ملخص التقرير. ومن غير المعروف ما إذا كانت هذه الدول قد ورد ذكرها في صلب التقرير الذي لا يزال سرياً للغاية حتى الآن. وفي الوقت الذي ورد ذكر الأردن مرة واحدة فقط، فقد ورد ذكر اسم المواطن الأردني مصعب الزرقاوي 35 مرة.

اكتشاف مكان اختباء بن لادن

شخصان اثنان فقط خارج المنزل الذي كان يختبئ فيه زعيم تنظيم القاعدة، أسامة بن لادن، كانا يعرفان مكان اختباء الأخير، الأول يدعى أحمد الكويتي وكان يعمل خادماً شخصياً لبن لادن وأميناً لسره. والثاني هو حامل رسائل بن لادن، ويدعى حسن غول، وقد اعتقل في العراق عام 2004 (حسب المعلومات الواردة في التقرير)، بعد قدومه من أفغانستان عبر الأراضي الإيرانية محاولاً الوصول إلى أبي مصعب الزرقاوي لتسليمه رسالة مهمة من بن لادن، فوقع في أيدي الأكراد في العراق قبل تسليمه لاحقاً للولايات المتحدة التي كانت استخباراتها تدرك جيداً مدى قيمة الرجل وقربه من بن لادن. أما مَن يعود لهم الفضل في القبض عليه، فلم يدركوا أن بيدهم صيداً ثميناً إلا بعد مقتل بن لادن في 2011.

ويُعتقد أن اعترافات غول كانت خيطاً مهمّاً لتحديد هوية الكويتي، الأمر الذي قاد لمعرفة المنزل الذي كان يختبئ فيه زعيم تنظيم القاعدة في باكستان.

وكان غول من أعضاء جماعة أنصار الإسلام الكردية، وأبدى أكثر من عشرين جهاز استخبارات دولي اهتماماً به بعد القبض عليه. وكان الجهادي الأردني، أبو مصعب الزرقاوي، آنذاك قد خطف أضواء الإرهاب من أسامة بن لادن، ونشط في المناطق المحيطة بالفلوجة، فيما يحاول العديد من القاعديين الوصول إليه من أفغانستان عبر إيران.

ويبدو أن الأكراد لم يدركوا أهمية المقبوض عليه، فسلّموه للأميركيين بعد تحقيقات قصيرة المدى، أما الأميركيون فقد أدركوا قيمة الرجل وأرسلوا طائرة خاصة لنقله إلى معتقل تابع لهم في جهة ما من الكرة الأرضية، وعرفوا كيف يوظّفون المعلومات التي حصلوا عليها منه. وعندما أصبح غول في قبضة الاستخبارات الأميركية في وقت لاحق عقب نقله إلى دولة ثالثة، ينسب التقرير إلى إحدى موظفات "سي آي أي" أن غول كان يشرب الشاي عندما أدلى باعترافاته المفيدة بأنه استلم رسالة بن لادن من خادمه الباكستاني، في دلالة على أنه لم يكن هناك حاجة لأساليب التعذيب التي استخدمت معه لاحقاً، ولم تفد في استنباط أي معلومات إضافية ذات قيمة. ​

وقد اعترف غول للاستخبارات الأميركية أنه على صلة بالكويتي، فيما كان أبو فرج الليبي وآخرون يحاولون عمداً التقليل من أهمية الأخير. ومن الواضح بعد ذلك أن متابعة تحركات الكويتي قادت إلى مكان اختباء بن لادن، وكان بمقدور الأميركيين اعتقاله لو أرادوا. ولكنهم، حسب ما يقول الأصوليون، أصيبوا بالرعب حتى من مجرد الاحتفاظ بجثته، فرموها في البحر حتى لا تسبب لهم صداعاً هم في غنى عنه في مقبل الأيام.

مصادفة اعتقال الشيبة

ومن الأسرار التي كشفها ملخص تقرير مجلس الشيوخ وحواشيه أن عميل مكتب التحقيقات الفدرالي، "إف بي آي"، عرض في أوائل يونيو/ حزيران 2002 ​على القيادي في القاعدة، المعتقل حينها، أبو زبيدة، وهو سعودي الجنسية من أصل فلسطيني، مجموعة صور في وقت كان فيه أبو زبيدة يدلي بمعلومات بصورة تطوعية من دون أي ضغط، وحدد معرفته بإحدى الشخصيات قائلاً إن صاحبها هو الشيبة (رمزي بن الشيبة)، ووصفه بأنه يتحدث العربية بلكنة أهل اليمن، وكان موجوداً مع خالد شيخ محمد في قندهار قبل هجمات 11 سبتمبر/ أيلول، وظهر في الإعلام عقب الهجمات. (ربما أنه يشير إلى مقابلة الإعلامي يسري فودة مع رمزي بن الشيبة التي بثتها الجزيرة في برنامج "سري للغاية").

وفي سياق ملخص التقرير، يتضح أن اليمني رمزي بن الشيبة، المشتبه به من قبل الاستخبارات المركزية الأميركية، هو منسق الاتصالات بين قائد خاطفي الطائرات في الهجمات محمد عطا ومهندس الهجمات العقل المدبر خالد شيخ محمد. لكن اعتقال بن الشيبة جاء بالمصادفة، حسب تقرير مجلس الشيوخ، فلم يكن هو المقصود بالاعتقال بل إن السلطات الباكستانية كانت تبحث حينها عن حسن الغول وليس عن رمزي الشيبة. وبذلك يبرئ تقرير مجلس الشيوخ، بصورة غير مقصودة، الإعلامي المصري يسري فودة وقناة الجزيرة من تهمة رددها بعض الإعلاميين العرب، وهي التآمر على رمزي بن الشيبة لمجرد أنه ألقي القبض عليه بعد المقابلة التي بثّتها معه القناة، وأجراها فودة لبرنامج سري للغاية. فقد كان البحث جارٍ في الواقع عن الشخص الأكثر أهمية والأكثر قرباً من بن لادن، وهو الشخص ذاته الذي ألقى عليه الأكراد في العراق القبض في وقت لاحق وأدى تسليمه للولايات المتحدة إلى الحصول على معلومات منه، ما قاد في النهاية إلى معرفة مكان زعيم تنظيم القاعدة.

حقائب نووية يمنية
في منتصف مارس/ آذار 2003، وحسب ما ورد في التقرير، جرى استخدام لوح التغطيس لتعذيب خالد شيخ محمد في محاولة لم تسفر عن نتيجة للحصول على تفاصيل لمعلومات وصلت من نظام عربي عن اعتراض اتصالات تفيد أن تنظيم القاعدة يحاول الحصول على حقائب نووية.

وفي حاشية الصفحة التي تناولت الموضوع، تحت رقم 491 من الهوامش، توضيح للمعلومة بأنها واردة من اليمن، وأن عناصر القاعدة نجحوا فعلاً في شراء حقائب نووية. وأوضح الهامش أن عناصر القاعدة اكتشفوا لاحقاً أنهم تعرضوا للخداع من مسؤولين يمنيين حاولوا بيعهم تلك الحقائب، واكتشفوا أنها عملية نصب، فتنفّس محللو "سي آي أي" الصعداء، وبادروا بتعديل معلوماتهم.

10 في المئة
لوحظ أن عدد الصفحات المنشورة من تقرير مجلس الشيوخ الأميركي عن تعذيب المعتقلين على موقع لجنة الاستخبارات التابعة لمجلس الشيوخ لم يتجاوز 500 صفحة، أي أقل من 10 في المئة من حجم التقرير الأصلي كاملاً البالغ عدد صفحاته أكثر من 6000 صفحة. وتم تسويد أجزاء إضافية من الأجزاء المنشورة قبيل نشرها الكترونياً. وعلمت "العربي الجديد" أن موظفي لجنة الاستخبارات يعدون حالياً طبعات ورقية لتوزيع ما تم نزع ستار السرية عنه في نسخ ورقية يوازي حجم النسخة الواحدة منها حجم كتاب كامل من القطع الكبير أو كتابين من الأحجام المتوسطة. ويراوح حجم التقرير الأصلي، في ما لو تقرر نشره، ما يوازي حجم عشرة كتب يبلغ عدد صفحات الكتاب الواحد منها 600 صفحة، أو عشرين كتاباً إذا روعي أن يكون متوسط عدد صفحات الكتاب الواحد 300 صفحة.

ويعتبر نشر الملخص فقط وليس التقرير كاملاً بمثابة حل وسط بين الديمقراطيين، الساعين إلى نشره كاملاً، والجمهوريين الراغبين في إخفاء محتواه كاملاً. وترأس لجنة الاستخبارات التي تقف وراء نشر ملخص التقرير امرأة حديدية من الحزب الديمقراطي، هي السيناتور دايان فاينشتاين، التي صمدت بقوة في وجه الضغوط القوية عليها لإيقاف النشر أو تأجيله بما في ذلك ضغوط وزارة الخارجية الأميركية.

وأشرفت فاينشتاين على صياغة التقرير، الذي كان عبارة عن تفاصيل مجريات تحقيق استمر منذ صعود أوباما إلى سدة الرئاسة في 2009 حتى عام 2012، عن ممارسات وكالة الاستخبارات المركزية (الأميركية) مع المعتقلين الأجانب خلال الفترتين الرئاسيتين اللتين قضاهما الرئيس الجمهوري السابق جورج بوش في البيت الأبيض من 2001 حتى 2008.

ولوحظ أن توقيت النشر جاء قبل أسابيع قليلة من فقدان الحزب الديمقراطي لرئاسة لجنة الاستخبارات، التي سيتولاها الجمهوريون الشهر المقبل بحكم فوزهم بالأغلبية في مجلس الشيوخ. وكان بعض المؤيدين للحزب الديمقراطي قد أعربوا عن خشيتهم من أن يعمل الجمهوريون عند ترؤسهم للجنة التي أجرت التحقيق، إلى رفعه على الرف، وإبقائه في نطاق السرية إلى أن تنتهي هيمنتهم على مجلس الشيوخ.

المساهمون