مجزرة الشجرة برسم الضمير العالمي

26 يونيو 2014
+ الخط -

عندما سقط البرميل المتفجر على قاطني الخيام في بلدة الشجرة، في ريف درعا، لم يكن يعرف من بقوا منهم أحياء أن أشلاء أبنائهم ستتحول إلى ثمار معلقة على أغصان الأشجار تقطر دماً فوق رؤوسهم، وهم الهاربون من شبح الموت المتساقط من السماء، الذي انتصر عليهم في معسكرات النزوح. ثماني عشرة ضحية، جلّهم أفراد عائلتين من أبناء مدينة نوى في ريف درعا الغربي، عادوا إلى مدينتهم، ليدفنوا في ترابها المعجون أصلاً بدماء أقاربهم الذين سبقوهم إلى الهدوء الأخير.

حتماً، كان قائد الطائرة يدرك، تمام الإدراك، أنه محمي، ولن يقف في وجهه رادع أخلاقي، أو عسكري، وﻻ حتى دولي. فقيمه الأخلاقية، تمّ التفاوض على ثمنها وبيعها للشيطان القابع في قصره بدمشق منذ بداية عمر الثورة السورية. أما عسكرياً، فهو مدرك، تماماً، أن ساكني الخيام البيضاء ليسوا سوى مدنيين عزل، هاربين من الموت الذي يطرق، بثقلٍ، أبواب منازلهم المدمرة في مدنهم وقراهم المهجرة. لذلك، قرر الاستقواء عليهم، رداً على الضربات الموجعة التي تلقاها أسياده في التلال المحيطة بأمكنة هؤلاء اللاجئين الأصلية، وكان آخرها خسارته تل الجموع الاستراتيجي، والذي شكل مرتعاً للقصف اليومي، وبركاناً يصبّ حمم حقده على مدن وقرى وبلدات الريف الغربي لمدينة درعا وريف القنيطرة الجنوبي، في حين غابت الأهداف الإسرائيلية في الجوﻻن المحتل عن أي عمل عسكري منذ عقود، على الرغم من قربها من سبطانات دبابات ومدافع المقاومة وصواريخ الممانعة.

ويجسّد الصمت الدولي حماية لقائد الطائرة المنتشي برائحة اللحم والدم البشري، التي وصلت رائحتهما إلى أنوف الساسة، لحظة سقوط أول برميل متفجر على الأهالي العزل في سورية، عازفين عن الوقوف في وجه الدمار الممتد من قم حتى جنوب لبنان، مروراً بالعراق الذي يعيش، أيضاً، لعنة البراميل ذاتها، فقائد الطائرة عندما حلق بطائرته، بعد منتصف الليل، يدرك، تماماً، أنه لن يواجه صعوبات تذكر على الأرض، فلا سلاح قادر على إحداث عراقيل ومطبات عسكرية مفاجئة، قد تفرض عليه تغير مسار رحلته، فالمعارضة على الأرض منزوعة المخالب، للوقوف في وجه الطيران الحربي والعسكري السوري، ومنعها من التحليق في الليل أو النهار، لتمارس هوايتها في زلزلة الأرض، وبعثرة المنازل بطلاقة.

يدرك ذلك الطيار جيداً أن في حوزته ضوءاً أخضر، لحمايته من خطر التعرض لنيران قوات الدول المجاورة، سواء المحتلة منها لهضبة الجولان، على الرغم من توقيع اتفاقية دولية، تمنع قوات الممانعة في دمشق من استخدام سلاح الجو، والتحليق قرب حدوده المحتلة، والتي تمّ التنازل عنها في صفقات وقعها والد سلطان عاصمة الأمويين. كما ليس لديه خوف من نيران الجارة والشقيقة الأردن، كون بلدة الشجرة المنكوبة تقع على الحدود بين الأردن والجوﻻن السوري المحتل. هذا الأمان الوهمي خدع الأهالي ودفعهم لنصب خيمهم على الحدود، التي أغلقت أبوابها في وجوههم، لكنهم سرعان ما استفاقوا على كابوس البراميل المتفجرة، محولة بنيرانها خيمهم إلى أكياس لجمع الأشلاء المبعثرة في العراء.

ألقت الطائرة برميل عار البشرية جمعاء، منذ دخوله سلاحاً نوعياً، رخصت له دولياً المنظمات والهيئات والدول، سلاحاً فتاكاً تمت صناعته، واستخدمته قوات الممانعة والمقاومة على شعبها الذي دفع بسخاء شبابه وماله وسعادته، ثمناً لتجهيز جيش يليق باسترداد الجولان المحتل، وحتى تحرير فلسطين بكاملها من البحر إلى الصحراء، ولكن البرميل المتفجر المشهود له بالغباء الجغرافي، وعجزه عن تحديد الأهداف المحققة، وجد شهوته في استلال أراوح الأطفال والنساء، وبطريقة مروعة، رفعت من نشوة الموت إلى درجاتٍ يعجز ميزان الضمائر الحية عن استشعار موجاتها. فيما غفل العالم عن إيجاد حلٍّ لمأساة الشعب السوري، الذي ينزف دمه حتى اللحظة، ولا نستثني إلا من عمل جاهداً لإيقاف مأساة شعب تفتك به وحوش العصر.

avata
avata
سارة الحوراني (سورية)
سارة الحوراني (سورية)