رحلة لجوء وخذلان إلى البحر

07 سبتمبر 2014
+ الخط -

ظهرت عينا ميرا خاليتين من الحياة، على الرغم من الانتصار الكبير الذي حققته على عدوها الهائج، وهي الطفلة ذات الأربع سنوات. ذلك الانتصار الذي كلفها أقرب الناس إليها، عائلتها المكونة من والديها وثلاثة إخوة، التهمهم الموج في معركة دارت رحاها بين عدو لا يعرف الرحمة، وأرواح هاربة من الموت في بلادها الملتهبة بنار الحرب.

ميرا تلك الطفلة التي لا تختلف كثيراً عن عشرات الأطفال السوريين الناجين من مجزرة البحر، لكنها تتميز عنهم بشيءٍ ما، فهي طفلة من مهد الثورة من درعا، والدها أكرم الذي ابتلعه البحر أيضًا شقيق محمود الجوابرة، أول شهيد سقط بنيران النظام السوري في 18 من مارس/آذار من عام 2011، يوم انطلقت فيه الثورة السورية "ثورة الكرامة"، حيث سمي شقيقها الصغير محمود، وهو البالغ ثلاثة أعوام، وابتلعه البحر أيضاً.

لم يكن البحر المجرم الوحيد في حق ميرا وعائلتها، كما عشرات اللاجئين السوريين، عندما تحطم مركبهم المنطلق من مدينة زوارة الليبية في 24 من أغسطس/آب الماضي، فالمجرم الأول والأخير هو رئيس النظام السوري، بشار الأسد، القابع على كرسي الموت في دمشق، فعندما تقصف محافظة درعا بأكثر من 400 برميل متفجر في الليل والنهار، في شهر أغسطس/آب فقط، لم تجد ميرا وعائلتها سبيلاً للخلاص، إلا برحلة اللجوء التي استمرت 25 يوماً، قضتها الأسرة متنقلة من الجزائر إلى ليبيا، قبل أن تصعد إلى مركب الموت، الذي تحطم نتيجة ضربات الموج الغاضبة من الزائر المثقل بهموم الحياة والخذلان.

لن تكون ميرا الطفلة الأخيرة، ولن تكون رحلة الموت التي راح ضحيتها نحو 217 لاجئاً الأخيرة، بل لا تزال قوافل اللجوء تشد رحالها من مهد الثورة إلى الفردوس "الآمن"، بعد مرور أكثر من ثلاثة أعوام من التضحيات والصمود، قدم أهلها الغالي والنفيس من دماء ومال وقهر وعذاب، لكن شعورهم بتخلي القريب والبعيد عنهم، وضياع حلمهم في حسابات الساسة والمحاصصات الإقليمية، وأمام بريق الخناجر التي تشحذ في الأقبية الأمنية، لتنحر رقابهم ورقاب أبنائهم، بأن موعد الرحيل والانسحاب بعد ضياع حلم الحرية والانبثاق من جديد قد حان.

avata
avata
سارة الحوراني (سورية)
سارة الحوراني (سورية)