مجرد حلم

10 أكتوبر 2014
ثورة 25 يناير رفعت سقف أحلام المصريين بمستقبل مشرق(أرشيف/Getty)
+ الخط -
كنت بينهم أصرخ بأعلى صوتي "ارحل"، وبينما نحن في طريقنا، الذي لم أتمكن من تمييزه جيداً، خرج علينا البلطجية، بتوجيه من السلطات التي كانت على مقربة كالمعتاد.
المشهد كان هذه المرة مختلفاً تماماً، حيث كنت وجهاً لوجه مع أحدهم، محاولاً منعي من استكمال السير، برفع يده التي كانت تمسك عصاً غليظة والتلويح بها يميناً ويساراً صارخاً في وجهي بكلمات غير مفهومة، في محاولة لإنزال الخوف في قلبي، لكنني تثبت، وإذا بي أبادله الصراخ بصراخ قائلاً له "افهم يا حمار لم نخرج لأجلي أو أجلك وإنما لمستقبل ابني وابنك.. افهم يا أخي أنا لا أريد منها شيئاً لكن أريدها أن تكون، كل شيء، لعيالي وعيالك".
العجيب أني رأيت الدموع في عينيه، وهو يواصل حركاته الهيستيرية، لترتفع يده ثم تنزل، وهو يصارع نفسه محاولاً دفعها لضربي، لكنه يعجز لتتحول الدموع المكتومة إلى بكاء ممزوج بالصراخ، ناظراً خلفه إلى من حرضوه ويلتفت إليّ كأنه يريد أن يقول "لا أريد أن أقتلك، لكنهم يريدون".
كنت أقرأ ما تحاول عيناه أن تبوحا به ولا تستطيعان، وقررت أن أدفع بكل ما في صدري لعلها تكون آخر كلماتي، مخاطباً إياه "لا أريدهم أن يبنوا لابني وابنك سجوناً أو قبوراً كما بنوا لنا، أريدهم أن يبنوا لهم أوطاناً لا يعيشون فيها غرباء أو سجناء إما وراء قضبانهم أو داخل صدورهم".
"خصصوا 855 مليون جنيه مصروفات السجون لعام جديد، ولم يخصصوا للعشش والقبور، التي يعيش فيها ملايين المصريين سوى ما يزيد على نصف هذا المبلغ قليلا". "أوهموكم بالرغد والحنو عليكم، لأن كل من جاء قبلهم لم يحن عليكم، بينما دفعوكم للعوز دون أن يمدوا يدهم لإنقاذكم من فقر ينهش في ضمائركم وقلوبكم".
لحظات مرت بيني وبينه، لكنها كانت كسنوات عمري، التي أشعر بفرارها وأنتظر الشيب، لا أستطيع معه أن أنظر في عيون أبنائي، الذين أخشى أن يسألوني ماذا تركت لنا من أوطان؟ لماذا ورثتنا السجون؟ لماذا تركتم الفقر ينهش في نصف سكان وطن ينعم مئات فقط بأغلب مقدراته وأمواله، لماذا ورثتمونا الجهل وإعلاماً سلطويّاً يغيب عقولنا وضمائرنا.
نعم كان حلماً، فليس بإمكاني سوى الحلم، بعد أن أضعنا أملاً بين أيدينا، سلمناه بكل سذاجة للحمقى والسفهاء والانتهازيين والمتلونين والمتربصين.
لكن الأمل ما يزال يحدوني في أن يرى أبنائي وطنهم بلا فقر أو جهل أو ظلم، ينعمون بثرواته، يسائلون من يولونه أمورهم، ماذا فعلت بأموالنا، وماذا ستترك لأولادنا وأحفادنا، هل هذا بكثير علينا؟
المساهمون