مثقفون فرنسيون حيال كارثة بيروت: استعارة بحجم انفجار

31 اغسطس 2020
من أحد شوارع بيروت (جوزيف عيد، Getty)
+ الخط -

لم يهزّ انفجار مرفأ بيروت العاصمة اللبنانية وحدها، فالمشهد - وحده - كان كفيلاً بهزّ المشاعر والضمائر في كل مكان في العالم، فضلاً عن معاينة الأضرار في الساعات والأيام الموالية. كانت فرنسا أحد أكثر البلدان التي وصل إليها صدى الانفجار، بداية من إعلان موت مواطِنين فرنسيين كانا في بيروت وقت الانفجارين، وصولاً إلى زيارة الرئيس ماكرون، وإن كانت هذه الخطوة قد صرفت التعليقات من خانة التفاعل مع الحدث الأصلي إلى قراءات في تحرّكات فرنسا الجديدة في لبنان؛ البلد الذي طالما تحرّكت فيه.

في نشرته "الجبهة الشعبية"، أشار المفكّر ميشيل أونفري - الذي قلّما يترك حدثاً في العالم دون أن يوثّقه بقراءة فلسفية - إلى أنه وجد في انفجار بيروت "استعارة" أو "أمثولة" تكثّف ما يقع في البلد منذ أشهر، معتبراً أن ما حدث يدلّ على سلسلة طويلة من التخلّي عن المسؤولية، وهو يمكن أن يفسّر ما حدث، سواء كان الانفجار بسبب الإهمال، أو كان مدبّراً، بحسب عبارته. وبشكل طريف، يلفت أونفري إلى أن لبنان اليوم أرضٌ خصبة لكي نقرأ أفكار لابويسي وماكيافيلّي وجان جاك روسو، وهو ما يعني بالنسبة إليه أن بيروت يمكن أن تحتضن فرعاً من فروع مشروعه "الجامعة الشعبية" التي زارت العاصمة اللبنانية قبل فترة قصيرة من انتشار فيروس كورونا. 

كثيراً ما يُتعامل مع بيروت باعتبارها امتداداً لفرنسا في الشرق

إشارة أونفري إلى أن تكون بيروت امتداداً لمشروع فرنسي - حتى لو كان فكرياً - ليس بعيداً بحال عن سياسات فرنسا عامة تجاه لبنان، وهو الخط الذي حفر فيه المؤرّخ جان كريستيان بوتيفيس حين عاد إلى القرن الثالث عشر، فاستخرج قولاً للويس التاسع توجّه فيه إلى أحد الأمراء اللبنانيين، مانحاً حمايته ضمن شعوره بأن المنطقة جزء من الأمة الفرنسية. سرعان ما يربط بوتيفيس في ورقة نشرها موقع "لوفيغارو" بين حديث لويس التاسع وزيارة ماكرون التي حملت ذات الروح، غير أنّ من غير الممكن أن يكون الكلام بذات الوضوح الذي كان فيه في القرون الوسطى.

من زاوية أخرى، قرأت الباحثة المعمارية صوفي برون ما حدث، حيث ربطت انفجار الرابع من آب/ أغسطس بتاريخ من التدمير وإعادة البناء شهدته بيروت على مدى نصف قرن، محوّلة هذه الملاحظة إلى سؤال عميق، ذي صبغة أنثروبولوجية (وهو التخصّص الأصلي لبرون): أي علاقة يمكن أن نربطها مع مدينة تشهد تحوّلات بهذه الحدّة وهذا العنف؟ وَرَد ذلك في حوار خصّصته الصحيفة الإلكترونية "ميديابار" لانفجار بيروت، على خلفية أن برون تعرف المدينة من قرب، وهي التي نشرت منذ أشهر قليلة كتاباً عن العاصمة اللبنانية بعنوان "بيروت في أنقاضها". 

على مستوى آخر، يمكن أن نلاحظ تكرار سؤال الصحافيين الفرنسيين للاختصاصيين النفسانيين عن الآثار السيكولوجية للانفجار، خصوصاً لدى الأطفال، وهو حضر في تغطيات كل وسائل الإعلام الكبرى إلى جانب تحاليل خبراء المتفجرات وأصحاب القراءات السياسية. هذا البُعد النفسي الذي يهتمّ به الفرنسيون، لا نجد له أثراً كبيراً في المتابعات العربية؛ هناك نقص معروف في حضور علم النفس في الحياة العامة العربية، ولكن قبل كل شيء قلما يُلتفَت إلى آلام الإنسان في هذه المنطقة من العالم.

المساهمون