مشهد محاولة الجيش فتح الطريق في جل الديب تكرر في مختلف المناطق في سابع أيام الانتفاضة اللبنانية، بما يشير إلى أنّ أمر عمليات، بضغط سياسي، صدر في هذا الشأن، وإن كانت المؤسسة العسكرية قد حاولت نفي تهمة الانحياز عنها بإصدار بيان أكدت فيه الالتزام "بحماية التعبير والتظاهر السلمي بعيداً عن إقفال الطرق والتضييق على المواطنين واستغلالكم للقيام بأعمال شغب"، على الرغم من أن المعتصمين الذين يقطعون الطرقات أثبتوا سلمية تحركاتهم التي تتصاعد في سياق الضغط على الحكومة للاستقالة.
وعلى غرار كافة المناطق التي تشارك في الانتفاضة، انخرط أهالي جل الديب (ذات الغالبية المسيحية والتي تبعد نحو 8 كيلومترات عن العاصمة بيروت) مبكراً في الاحتجاجات قبل أن تتزايد أعدادهم يومياً، فيما يسجل توافد العدد الأكبر من المتظاهرين خلال المساء. وإن كان اليوم بدا مغايراً بعدما فرض استقدام الجيش لتعزيزات عسكرية لفتح الطريق بالقوة توافد عدد كبير من المواطنين للمشاركة في صد المحاولة.
وفي المنطقة التي تنتشر فيها الأحزاب المسيحية من "القوات اللبنانية" إلى "التيار الوطني الحر" فضلاً عن حزب "الكتائب"، والتي شكل زخم الحراك فيها مفاجأة لكثر، لم يكن المشهد فيها مختلفاً عن باقي المناطق اللبنانية المنتفضة، ليبدو المشهد في جل الديب صورة مصغرة عن انتفاضة اللبنانيين.
هتافات الثورة يتردد صداها عالياً فيما المطالب واحدة تبدأ باستقالة الحكومة واسترداد الأموال المنهوبة بعدما أفقرت السلطة السياسية الحاكمة المواطنين ووحدتهم خلف مطلب رحيلها، وسط تصميم على البقاء في الشارع ومواجهة أي محاولة لقمع الانتفاضة، على غرار ما حصل اليوم.
"لن يستطيعوا فتح الطرقات"
وبجسدها، حاولت إحدى المتظاهرات عبر الهجوم المضاد، صدّ العناصر العسكرية التي كانت تركض باتجاه المتظاهرين لمحاولة تفريقهم، من دون أن تتردد هذه العناصر باستخدام العنف ضد من يقف بوجهها.
وتقول متظاهرة لـ"العربي الجديد": "لن يستطيعوا فتح الطرقات ونحن باقون من أجلهم كذلك"، في حين يقول متظاهر آخر "لديهم أوامر من وزير الدفاع العوني (في إشارة إلى الياس أبو صعب التابع للتيار الوطني الحر)، ولكن سيأتي يوم ويشكروننا فيه على ما فعلناه من أجلهم".
وبينما علا صوت النشيد الوطني وارتفعت الأيادي، كأداة لمواجهة الجيش وإعلان سلمية التجمّع، كان المزيد من العسكر يصلون، فيما كان يتجمع مزيد من المواطنين لمؤازرة زملائهم في هذا التحرّك المستمرّ منذ سبعة أيام.
وتقول متظاهرة تدعى أمال: "يريدون أن يكرهوننا بهم (في إشارة إلى الجيش)، نحن إلى الآن معكم، ولكن ما تفعلونه باطل"، وتضيف "يريدون فتح الطرقات بالقوة، وبدل أن يقفوا بجانبنا يهاجمونا ويضربونا".
وأضافت "صحيح أنّ هناك أوامر بفتح الطرقات، ولكن نحن نقول لهم هذا سيتم فقط على جثثنا وليس أقل من ذلك. نحن باقون، ولن نخرج من هذا الشارع قبل أن تخرج السلطة الفاسدة والسارقة. هم من سيغادرون وليس نحن، ومهما حرضوا لن يبقوا في مراكزهم".
"شيء مخجل"، هكذا يعبّر متظاهر آخر يدعى غانم على ما فعله الجيش، ويقول لـ"العربي الجديد": "من العار أن نرى الجيش اللبناني يضربنا، باقون هنا ولن نتزحزح ولن يفضوا حراكنا إلا على جثثنا. وبحال فرقونا الآن، فسنعود لتنظيم التظاهرة والتجمّع بعد قليل".
ويؤكّد غانم أنّ "الجيش ليس أكبر من الحقيقة والشعب، الشعب هو الذي يبني وطن"، مضيفاً أنّ "السلطة التي أعطته الأوامر هي ليست سلطة إنما مليشيا، وهذا ليس الجيش اللبناني ولا نقبل به بهذه الصورة". ويتابع "الشعب توحّد ولن يستطيعوا قمعنا مهما فعلوا، حراكنا هو ككل حراكات لبنان ضد كل هذه السلطة الفاسدة، ولا بد من أن نبني وطناً نظيفاً".
ويشير غانم إلى ما يصفه بـ"التحريض الكاذب" من قبل السلطة على المواطنين المتظاهرين والذين يقطعون الطرقات، ويقول: "عن أي مصالح متضررة يتكلمون؟ أين هي المصالح والأشغال في لبنان؟ من معه ليرة اليوم ليذهب إلى المصارف؟ وعن أي تضييق على المواطنين يتكلمون، طالما أنّ اللبنانيين جميعهم في الشارع؟".
وتعبّر متظاهرة تدعى هلا عن الموقف نفسه، وتقول لـ"العربي الجديد": "يا للعار من جيش كهذا يقوم بدفع النساء والاعتداء علينا بالقوة، بدل أن يكون بصف الشعب. على الجميع أن يكونوا بجانبنا، ونحن باقون، فهذه السلطة لم تقنعنا بأي إجراء اتخذته أو قد تتخذه، وقراراتها مجرّد حبر على ورق وسنسقطها".
أما لورا، وهي أيضاً تواظب على الحضور للاعتصام في جلّ الديب، فتقول "أرسلوا لنا قوة جيش كبيرة كأننا العدو الذي أتوا ليواجهونه، نريد أن نأكل ونشرب أصبحنا نعيش في العراء، ولذلك لن نتراجع عن إسقاط الحكومة، وكل إصلاحاتها كذب".
وتوضح المتظاهرة صولا أنه "في البداية أتت قوة من شعبة المعلومات، وحاول عناصرها المرور، وبعدها أتى الجيش الذي بدأ بدفعنا، ولكن نقول لهم: سنبقى مهما فعلوا، ولو وضعوا البواريد في صدورنا سنقول أطلقوا النار علينا ولكن لن نغادر، فنحن أساساً أموات".
وتوضح "لدي ثلاثة اختصاصات جامعية وليس لدي عمل، وبعد أشهر سأتزوج ولم نستطع أنا وخطيبي تأمين منزل نسكن فيه، وإذا خطرت على بالي فكرة الهجرة، أفكّر ماذا سأفعل بأبي وأمي الكبيرين في السن، ولمن سأتركهما في دولة لا تؤمن أدنى الحقوق لمواطنيها؟".
وفور سماعه ببدء عمل الجيش على فضّ التجمّع بجل الديب، نزل جورج عواد من منزله بعدما كان قد قضى الليلة السابقة في الساحة، ويقول لـ"العربي الجديد": "نحن نزلنا من أجل كل الوطن وحقوق الجيش منها، كل ما نطلبه الحصول على حريتنا، وسنواصل العمل من أجلها بتظاهرة سلمية وعبر إغلاق الطرقات أيضاً".
أما المتظاهر طوني فيقول: "نعدهم بأنهم إذا فتحوا الطريق هنا، فسنغلقها بعد 200 متر، وإذا فتحوها في الساعة العاشرة، فسنغلقها في الساعة الثانية، إذا كانوا ما زالوا يلعبون معنا لعبة فتح طريق وتسكيرها، فنقول لهم إننا نعمل على اقتلاع نظام ووضع آخر مكانه".
ولا بدّ للوصول إلى جلّ الديب من المرور عبر الحواجز الشبابية التي أقيمت لقطع الطرقات. يقول جو أسمر، أحد هؤلاء الشبان، في منطقة الدورة، حيث قطع مع عدد من الشبان الآخرين والفتيات الطريق: "طالما هذا العهد في السلطة، فهذا الطريق سيبقى مقطوعاً. النهب والسرقة ابتداءً من ميشال عون (رئيس الجمهورية) رأس الهرم، وما تحته يجب أن يسقط". وأمام التهديدات بفتح الطريق بالقوة، يشير إلى أنه "لا أحد لديه مونة علينا لكي يطلب منا فتح الطريق، خصوصاً رئيس الحكومة. لن يفتحها أحد"، لافتاً إلى أنه "مساء أمس (الثلاثاء) أتى عناصر من أمن الدولة واعتدوا علينا جميعاً، الشبان والفتيات، لفتح الطريق ولكنهم فشلوا واستخدام القوة لن ينفع".
أما بلال، وهو شاب آخر من الذين يقطعون الطريق في الدورة، فيقول: "منذ يوم الخميس ونحن هنا، 7 أيام مضت ولم نغادر ولن نغادر؛ ننام على الرصيف وفي السيارات ونأكل ونشرب هنا، وليست لدينا مشكلة أن نبقى لأشهر بعدْ لتحصيل حقوقنا"، مضيفاً "لقد أصبح عمري 33 عاماً وأعيش في الذل، علينا جميعاً أن نفهم أنّ الأمر انقضى ولا رجوع إلى الوراء". ويلفت إلى أنه "لدي مقهى ولا أعرف ماذا حلّ به ولا يهمني وسأبقى هنا حتى يسقطوا، وبحال ضربونا فلن نموت، وإذا متنا وسقطت دماء من أي لبناني، فستكون نهايتهم الحقيقية".
الرأي نفسه تعبّر عنه تيا صايغ، التي تقف على الطريق المواجه للذي يقفق عليه جو وبلال: وتقول "نعم أنا فتاة وأقوم بقطع الطريق، وسأبقى هنا ولن نهتز حتى يسقطوا".