يُنظم مئات المتظاهرين أنفسهم منذ بداية شهر محرم في مدينة كربلاء جنوبي العراق، مستغلين الأجواء الدينية للتأكيد على مطالب الإصلاح وضرورة محاربة الفساد ورفض الظلم، والمطالبة بتقديم المتورطين في مقتل أكثر من 700 متظاهر على مدى الأشهر الماضية إلى القضاء، والكشف عن مكان المختطفين والجهات التي تقف خلف اغتيال الناشطين.
وخرج مئات المحتجين طيلة الليالي السابقة، رافعين شعاراتهم التي دأبوا على حملها طيلة الأشهر الماضية، مطالبين بمدنية الدولة وإنهاء سيطرة المليشيات المسلحة والمحاصصة، في وقت بدا فيه لافتا رفع الشعارات المناهضة أيضا للتدخل الإيراني في العراق.
وأصدر متظاهرو المحافظات المنتفضة في العراق، بياناً ليلة أمس الجمعة، جاء فيه: "على أبطالنا التشرينيين من جميع المحافظات التوجه صوب كربلاء والتجمع في ساحة (أحرار كربلاء) لإحياء ليلة عاشوراء بموكب تشريني مهيب ترفع فيه صور الشهداء".
وكان لافتا وجود مواكب تقدم الطعام والشراب المجاني ترحما على أرواح ضحايا التظاهرات، فضلا عن ترديد شعارات التظاهرات الثورية خلال مراسم وطقوس إحياء ذكرى عاشوراء بالمدينة التي يقصدها سنويا ملايين المسلمين من مختلف دول العالم لإحياء الذكرى، لكن بسبب جائحة كورونا تراجعت الأعداد هذا العام واقتصرت على العراقيين فقط وبأعداد أقل من السابق.
في كربلاء :
— Trending in Iraq | تريند العراق (@Trending_Iraq) August 26, 2020
صور شهداء ثورة أكتوبر تُرفَع بشموخ في مواكب العزاء .
الرحمة و الخلود لجميع الشهداء pic.twitter.com/TlFTpfylU0
وقال المتظاهر أحمد عبد الله، وهو من أهالي بغداد إن "عشرات المعتصمين من ساحة التحرير توجهوا إلى كربلاء من أجل الخروج باحتجاج سلمي للمطالبة بالكشف عن قتلة المتظاهرين"، مبيناً لـ"العربي الجديد"، أن "أصحاب المواكب في مدينة كربلاء ساندوا المحتجين بكل ما يحتاجونه، وهناك توجه لقضاء بقية الأيام في منطقة بين الحرمين (مرقدي الإمامين الحسين بن علي وأخيه العباس) للتظاهر".
من جهته، قال غيث قاسم، وهو متظاهر من معتصمي طلبة كلية الإعلام في بغداد، الذين يتخذون من منطقة العلاوي مكاناً للاعتصام، إن "المتظاهرين يربطون بين واقعة الطف (معركة كربلاء) وواقعة الاحتجاجات العراقية، وإن الطرفين تعرضا إلى القتل بسبب المطالبة بالحقوق"، لافتاً لـ"العربي الجديد" إلى أن "المتظاهرين التزموا بشروط الوقاية من فيروس كورونا خلال الزيارة، ورفعوا عشرات الصور لضحايا الاحتجاجات، كما هتف المتظاهرون بشعارات مناهضة لإيران وأميركا. وأن المتظاهرين سيستغلون كل المناسبات الدينية والشعبية لإيصال رسائلهم ومطالبهم".
علي أجود، وهو أحد العاملين في العتبة العباسية (مرقد الإمام العباس بن علي)، قال إن "المتظاهرين اختاروا اللجوء إلى كربلاء خلال الأيام الجارية، من أجل التعبير عن غضبهم، ولإيصال رسالتهم إلى الحكومة العراقية، ولا سيما أن كثيراً من وسائل الإعلام العربي والعالمية تغطي زيارة مدينة كربلاء".
وأوضح في اتصالٍ مع "العربي الجديد"، أن "إدارة العتبات الدينية في مدينة كربلاء تدعم مطالب المحتجين، وتقف إلى صفهم في سبيل بلوغ الإصلاح الذي يريده العراقيون، بشرط أن تبقى الاحتجاجات سلمية ولا تأخذ أي طابع عنيف".
أما الصحافي العراقي أحمد الشيخ ماجد، فقد كتب على صفحته في "فيسبوك": "في كربلاء، هناك عدة قصص، كل واحدة منها تروي فجيعة، ومنها، في الموروث العراقي، قصة القاسم، الشاب العرّيس الذي لم يلحق على عرسه. مات عمر وهو شاب لم يدرك أحلامه، كان شابًا ضاحكًا في صوره، مات ولم يلحق على عرسه. تجسد قصة عمر سعدون، قصيدة عراقية مشهورة يقول مطلعها "يمّه ذكريني.. من تمر زفة شباب". كل زفة في العراق تروي قصة الشباب الذين سقطوا وتحول ضوءهم إلى ظلام في قبور ضيقة. اسمعوها هذه الأيام، وأبكوا مع الأمهات عليهم!".
ويواصل المتظاهرون في العراق احتجاجاتهم، منذ أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، مطالبين بانتخابات مبكرة وقانون جديد، في بلد تتفاقم فيه المشاكل الأمنية والاقتصادية منذ 2003. وتعرّض المحتجون طيلة الأشهر الماضية إلى "قمعٍ مفرط" بحسب منظمات حقوقية عالمية، أسفر عن مقتل نحو 700 متظاهر وجرح ما لا يقل عن 26 ألفا آخرين.