مثّل إقرار حكومة الاحتلال في جلستها الأسبوعية، الأحد الماضي، الاتفاق الذي وقعته مع اليونان وقبرص لتدشين الأنبوب الذي يفترض أن ينقل الغاز الذي تستخرجه من شرق حوض المتوسط إلى أوروبا، خطوة متقدمة على صعيد إنجاز هذا المشروع الذي تراهن حكومة بنيامين نتنياهو على دوره في تحسين الأوضاع الاقتصادية والمكانة الجيواستراتيجية لإسرائيل.
وجاءت الخطوة الإسرائيلية بعدما تم إقرار الاتفاق من قبل قبرص والولايات المتحدة، في حين أن الاتحاد الأوروبي أقره مبدئياً ولم يصدر قراراً نهائياً بشأن جدواه الاقتصادية، علماً أنه يفترض أن يقع العبء الأكبر من تمويل المشروع البالغةكلفته الإجمالية 6 مليارات دولار على عاتق الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
يرجع التحالف بين إسرائيل وكل من قبرص واليونان أساساً إلى القطيعة بين تل أبيب وأنقرة في أعقاب أحداث أسطول الحرية
وترجع حماسة اليونان وقبرص وإسرائيل، وفق محللين متابعين، لاستباق الزمن وإنجاز المشروع إلى رغبة الأطراف الثلاثة في إرساء حقائق على الأرض قبل أن تشرع كل من تركيا وحكومة الوفاق الليبية في تطبيق الاتفاق الذي يسمح لهما بترسيم حدود المياه الاقتصادية لكل منهما، وهو الاتفاق الذي تقول أنقرة إنه يمنحها السيطرة على جزء من المياه الاقتصادية التي يفترض أن يمر عبرها هذا الأنبوب، والتي تدّعي قبرص، في المقابل، أنها جزء من مياهها الاقتصادية.
وعلى هذه الخلفية، يمكن فهم معارضة تركيا الشديدة لتدشين الأنبوب وإدراك مسوّغات الرفض القبرصي اليوناني الإسرائيلي لاتفاق التعاون بين تركيا وحكومة الوفاق، وتحديداً الاتفاق على ترسيم الحدود المائية بينهما.
ويحظى الموقف القبرصي اليوناني الإسرائيلي، وفقاً للمحللين، بدعم غير مباشر من نظام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي أعلن رفضه لاتفاق تركيا و"الوفاق"، في حين أن الحماسة الأميركية لتدشين الأنبوب ترجع إلى المواجهة مع روسيا، حيث إن واشنطن معنية بإيذاء موسكو اقتصادياً عبر تقليص اعتماد أوروبا على الغاز الروسي.
وتنطلق تل أبيب وأثينا ونيقوسيا من افتراض مفاده أنه كلما تأخر حسم الصراع الدائر حالياً في ليبيا بين حكومة "الوفاق" المدعومة من تركيا، وقوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر المدعوم من مصر والإمارات ودول عربية أخرى، فإن هذا يمنحها الوقت لإنجاز مشروع تدشين الأنبوب.
لكن الخلاف حول تدشين الأنبوب يُعد مركباً واحداً فقط من مركبات بيئة التوتر بين تركيا من جهة، وكل من قبرص واليونان وإسرائيل ومصر من جهة ثانية.
وترى كل من مصر وقبرص واليونان وإسرائيل أن الحضور التركي في حوض المتوسط، ولا سيما بعد تطبيق ترسيم الحدود المائية مع "الوفاق"، سيقلص من قدرة الأطراف الأربعة على تحقيق أهدافها من تدشين "منتدى غاز الشرق الأوسط"، كإطار إقليمي ينظم الشراكات في سوق الطاقة بينها، مع العلم أن هذا أول تكتل إقليمي تشارك فيه إسرائيل إلى جانب دولة عربية.
من ناحية ثانية، فإن كلاً من تل أبيب ونيقوسيا وأثينا منزعجة تماماً من الحضور القوي للأسطول التركي في حوض المتوسط، وهو الحضور الذي نجمت عنه بعض الاحتكاكات غير المسبوقة. فقبل عدة أشهر أجبرت سفينة حربية تركيا سفينة أبحاث إسرائيلية كانت موجودة في مياه تعدها قبرص جزءاً من مياهها الاقتصادية على الانسحاب من المكان، وهو ما دفع إسرائيل إلى إرسال طائرتين حربيتين للتحليق فوق السفينة التركية في رسالة تحذير.
من هنا، لم يكن مفاجئاً أن يعد التقدير الاستراتيجي الأخير الذي أصدرته شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان) تركيا، لأول مرة، كأحد مصادر التهديد على إسرائيل في العام 2020، بسبب توجهها الواضح لتكثيف حضورها في العديد من الساحات الإقليمية بهدف الحفاظ على مصالحها القومية.
وقد كان لافتاً أن اليونان تحرّض إسرائيل باستمرار على التصدي لتركيا. ففي زيارته الأخيرة لتل أبيب، قال رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس، في مقابلة مع صحيفة "يديعوت أحرنوت"، إن تركيا "تهدّد استقرار المنطقة وتخطط لإحكام سيطرتها السياسية والعسكرية على الشرق الأوسط برمّته، وهي مدعوة للتنازل عن أحلامها الإمبريالية والتعاون معنا كند ومن منطلق احترام القانون الدولي وليس كبلطجي الحي"، على حد تعبيره.
وذهب مستشار الأمن القومي اليوناني إلكسندروس دياكوفولوس إلى حد تحذير إسرائيل من أن تركيا باتت أكثر خطراً من التهديد النووي الإيراني، محذراً من أنه في حال أجبرت اليونان على الخضوع لتركيا، فإن هذا سيمس مصالح إسرائيل، لأن تركيا عندها ستتحوّل إلى تهديد لها يفوق التهديد الإيراني".
وعلى الرغم من التزام القيادة الإسرائيلية إزاء الدعوات اليونانية، إلا أن ميخال هراري، السفير الإسرائيلي السابق في قبرص والباحث الرئيس في "مركز دراسة السياسة الخارجية والإقليمية لإسرائيل" (ميتيفيم)، دعا في مقال نشرته صحيفة "هآرتس" أخير،اً إلى تبنّي حلول دبلوماسية للصراع في ليبيا وللنزاع بين تركيا وكل من قبرص واليونان، مشدداً على أن مصالح إسرائيل تتطلب نزع فتيل التوتر في ليبيا وحوض المتوسط عبر إشراك تركيا في مشاريع الطاقة الإقليمية بدل المواجهة معها.
وبحسب المحللين، يرجع التحالف بين إسرائيل وكل من قبرص واليونان أساساً إلى القطيعة بين تل أبيب وأنقرة في أعقاب أحداث أسطول الحرية، مطلع يونيو/حزيران 2010، وهو التطور الذي دفع تل أبيب للبحث عن حلفاء جدد للتعويض عن العوائد التي كانت تجنيها من العلاقة مع تركيا. وقد وجد هذا التحالف مظاهره في التوقيع على العديد من اتفاقات التعاون في مجال الأمني والطاقة والسياحة وغيرها.
وفي أعقاب ذلك، شارك الجيشان اليوناني والإسرائيلي في العديد من المناورات المشتركة التي جرت في إسرائيل واليونان، ناهيك عن فتح قبرص أراضيها أمام الجيش الإسرائيلي لإجراء تدريبات عسكرية استعداداً للمواجهة مع حزب الله على الجبهة الشمالية.