تتواصل الخطوات التصعيدية بين واشنطن وبيونغ يانغ مع عدم إبداء أي من الجانبين استعداداً للتراجع، إذ ترتفع إمكانية اندلاع حرب بين الطرفين، لا سيما مع تهديد الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بتنفيذ أول ضربة نووية ضد كوريا الشمالية.
وفي حال تصاعدت حدة التوترات مع كوريا الشمالية لتصل إلى حرب مفتوحة، أو قرر ترامب شن ضربة استباقية، فإنّ أمام الولايات المتحدة عدة خيارات عسكرية، يمكن أن تكون أضرارها الجانبية على حلفائها كوريا الجنوبية واليابان "مدمرة"، وفق ما يحذر خبراء عسكريون.
وفي هذا الإطار، يقول مسؤول متقاعد في وزارة الدفاع الأميركية، لمجلة "ذا ناشونال إنتريست": "لن نحتاج بالضرورة إلى اللجوء لضربة نووية".
ويضيف "لدينا قدرات وإمكانيات مناسبة لتعطيل العديد من التهديدات التي تهمنا... ولن يكون ذلك سهلاً بالطبع".
ويرى الخبراء أنّ مسألة كوريا الشمالية "معقدة ومتعددة الأبعاد"، ولا يمكن حلها فقط من قبل الجيش أو حتى الولايات المتحدة لوحدها، ويعتقد هؤلاء أنّ على جميع المعنيين في غرب المحيط الهادئ بما في ذلك اليابان وكوريا الجنوبية والصين وروسيا والولايات المتحدة، أن يكونوا جزءاً من المعادلة.
وحول ذلك، يقول مسؤول رفيع المستوى في وزارة الدفاع، إنّ "تأييد اليابان وكوريا الجنوبية للحصول على قوة ردع نووية خاصة قد يلفت انتباه الصين"، مشيراً إلى أنّ "هناك العديد من الخيارات المتاحة التي يجب اعتمادها قبل اللجوء إلى الخيار العسكري".
ولكن ما هي الخيارات العسكرية المتاحة للولايات المتحدة في حال اندلاع الحرب؟
ضربة نووية:
في البداية، يشير دعاة الحد من الأسلحة إلى أنّ أي ضربة نووية وقائية ستكون "انتهاكاً جسيماً" للقانون الدولي.
ويقول كيلسي دافنبورت، مدير سياسة منع انتشار الأسلحة في جمعية "مراقبة التسلح"، لمجلة "ذا ناشونال إنتريست"، إنّ "الحديث عن استهداف كوريا الشمالية بأسلحة نووية هو حديث وهمي ويجب أن يكون خارج إطار البحث".
وفضلاً عن عدم قانونية أي ضربة نووية وقائية، فإنّ عواقبها الإنسانية والاقتصادية والبيئية ستكون مدمرة، وليس فقط ضمن حدود كوريا الشمالية، بحسب دافنبورت، مشيراً إلى أنّ "واشنطن ستعرّض حلفاءها لخطر جسيم، ليس فقط من جراء التداعيات، بل أيضاً لناحية أي هجوم مضاد من قبل بيونغ يانغ".
وإذا ما وضع ترامب كلماته موضع التنفيذ، وكانت الضربة النووية خياره الأول، فإنّ أسطول القوات الجوية الأميركية، الذي يحوي عشرين قاذفة من نوع "نورثروب بي 2 سبيرت"، (طائرة حربية توجد عند سلاح الجو الأميركي فقط، وصممت كقاذفة للصواريخ النووية) من المرجح أن يتحمل العبء.
ويشرح جيمس ر. هولمز، أستاذ الاستراتيجية في كلية الحرب البحرية الأميركية، متحدثاً بصفته الشخصية لمجلة "ذا ناشونال إنتريست"، أنّه "لم تكن لدينا أسلحة نووية تكتيكية في هذا الأسطول منذ إدارة جورج بوش الأولى، لذلك لن تأتي أي ضربة أولى من البحر".
ويتابع "أي ضربة لصاروخ باليستي عابر للقارات أو مطلق من إحدى الغواصات، يمكن أن يفسر من قبل الصين وروسيا على أنّه ضدهم. لذلك هذا الخيار خارج إطار البحث"، مرجحاً أن تعتمد الضربة على قاذفات "نورثروب بي 2 سبيرت"، التي تستخدمها القوات الجوية الأميركية.
ضربة تقليدية:
وبخصوص الخيارات التقليدية، فإنّ قاذفات "بي 2" يمكنها أن تحمل زوجاً من قنابل "جي بي يو 57 إيه بي" (GBU-57A/B) ذات الذخيرة المخترقة الضخمة، والتي يصل وزنها إلى 30 ألف رطل (14 ألف كيلوغرام)، إلا أنّ القوات الجوية الأميركية ليست لديها سوى حفنة من تلك الأسلحة في مخزونها.
وليس من الواضح ما إذا كان هناك ما يكفي القوات الأميركية من قاذفات قنابل "جي بي يو 57 إيه بي" لإلحاق ضرر جوهري بالبرنامج النووي لكوريا الشمالية، ناهيك عن تدميره.
ويشرح هولمز أنّه "على الجانب التقليدي، توجد ذخائر لقنابل (جي بي يو 57 إيه بي) الخارقة للتحصينات. نحن نعود إلى القوات الجوية الأميركية كمنفذ رئيسي للعملية، مع سفن نظامي ثاد وإيجيس التي توفر خاصية الدفاع ضد إطلاق الصواريخ".
ويرى هولمز أنّ مدى فعالية هذه القنابل سيعتمد على عدد المواقع التي يتعين ضربها، ومدى عمق وسعة المساحة التي تغطيها القنابل، وإمكانية تركيز ما يكفي من الضربات عليها لتنفيذ المهمة".
دافنبورت يتفق مع هولمز على أنّ الولايات المتحدة لديها خيارات عسكرية تقليدية، لكنه يرى أنّه لا يوجد ضمان للنجاح في حال اعتمادها. وعلاوة على ذلك، يشير إلى قدرة كوريا الشمالية على الرد بواسطة صواريخها البالستية المتنقلة، التي صُممت لتخريب الضربة الأولى عن طريق تفتيتها.
وفي هذا الإطار، يقول دافنبورت إنّ "الولايات المتحدة لديها خيارات غير نووية في المنطقة لاستهداف المواقع النووية لكوريا الشمالية، مثل اعتماد الضربات الجوية وصواريخ كروز".
ويضيف "ومع أنّ الضربة التقليدية ستكون أقل تدميراً، إلا أنّه ليس هناك أيضاً ما يضمن لجوء الولايات المتحدة إلى ضرب كل المواقع النووية الكورية"، مشيراً إلى أنّ الولايات المتحدة لديها خيارات استخباراتية أقل تحت تصرفها في كوريا الشمالية، وبيونغ يانغ لديها صواريخ ذات قدرة نووية متنقلة يصعب تتبعها".
التداعيات والنتائج:
حتى لو كان ترامب سيلجأ إلى خيار الضربة النووية، فإنّ هناك تساؤلات حول مدى فعالية مثل هذا الهجوم.
وهنا يقول هولمز "أعتقد أن الجواب على هذا السؤال يعتمد على كيفية تعريفك لكلمة فعال. يتصور البعض أنّه بإمكاننا تعطيل البرنامج النووي لكوريا الشمالية، ولكن بأي ثمن؟ وحتى بصرف النظر عن الخسائر الواضحة في الأرواح والأضرار المادية، فإنك تتحدّث عن بلد يقع في المركز بين حلفاء أميركيين وأعداء محتملين".
في الواقع، يمكن أن تكون الأضرار الجانبية التي قد تلحق بشبكة حلفاء الولايات المتحدة وبمكانة واشنطن في العالم "كارثية".
ويحذر هولمز قائلاً "سيكون هناك احتمال حقيقي لكسر تحالفاتنا مع اليابان وكوريا الجنوبية وضمان العداء الدائم من الصين وروسيا"، مضيفاً "سنعرّض أيضاً موقفنا كضامن للنظام الدولي إلى الخطر. لذا فإن إجابتي ستكون: الضربة الأولى لن تكون فعالة حتى لو نجحت. النتائج والعوائد لا تبرر التكاليف الهائلة".
ومن العوامل الأخرى التي يجب مراعاتها، أنّ اعتماد الهجوم العسكري لنزع السلاح النووي في كوريا الشمالية، قد يدفع أيضاً إلى "انتقام نووي".
وحول ذلك، يقول دافنبورت "إذا كان نظام كوريا الشمالية يعتقد أنّ برنامجه النووي معرّض للخطر، سواء من ضربة نووية أو تقليدية، فإنّ بيونغ يانغ قد تخطئ بدورها الحساب وتطلق أسلحتها النووية".
ويضيف أنّ "التبادل النووي من أي حجم كان، سيسفر عن عواقب إقليمية مدمرة. وحتى خيار اللجوء إلى ضربة موجهة تستهدف فقط منصات الصواريخ الباليستية العابرة للقارات في كوريا الشمالية، يحمل في طياته خطر أن يُساء تفسيره من قبل بيونغ يانغ على أنّه جزء من عملية عسكرية أكبر".
ويقول جيمس كلابر، مدير المخابرات الوطنية السابق، والجنرال المتقاعد بالقوات الجوية الأميركية، لمحطة "سي إن إن"، إنّ "كوريا الشمالية تفرض نفسها على العالم بشروط واقعية صارمة. بيونغ يانغ، من وجهة نظرها، تحيط بها مجموعة من الأعداء التي هي بأغلبية ساحقة أقوى مما هي عليه".
ويضيف أنّ "البطاقة الرابحة الوحيدة لنظام كيم جونغ أون ضد هؤلاء الأعداء هي الأسلحة النووية. ولأنّ بقاء نظام كيم يعتمد على قدرته النووية، فإنّ بيونغ يانغ لن تتخلى أبداً عن تلك الأسلحة تحت أي ظرف من الظروف".
وهكذا، فإنّ أفضل رد أميركي على كوريا الشمالية هو الاحتواء والردع، بحسب كلابر، الذي يختم حديثه لـ"سي إن إن" بالقول "إننا بحاجة إلى إجراء حوار معها مع قبولنا في الوقت عينه حقيقة أنّها قوة نووية".