الأزمة الكورية: قلق إسرائيلي على قوة الردع الأميركية

15 اغسطس 2017
أثارت مؤشرات الحرب المخاوف حول العالم(جون يوان جي/فرانس برس)
+ الخط -
تراقب أوساط التقدير الاستراتيجي في تل أبيب تبعات التصعيد بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية، على خلفية مواصلة الأخيرة تطوير وإطلاق صواريخها البالستية، وسط استشراف هذه المحافل للتداعيات المحتملة لهذا التصعيد على المصالح الاستراتيجية لإسرائيل. وتعي تل أبيب أن تجارب إطلاق الصواريخ البالستية الأخيرة التي قامت بها أخيراً بيونغ يانغ تمثل المرحلة الأخيرة من برنامجها النووي، على اعتبار أن هذه الصواريخ تضاعف الخطورة الاستراتيجية للسلاح النووي الكوري، لأنها قادرة على حمل رؤوس نووية. ولا يساور إسرائيل شك في أن عدم اتخاذ الأميركيين إجراءات عسكرية ضد كوريا الشمالية، في حال واصلت تجاربها النووية والصاروخية على الرغم من التهديدات التي أطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، سيفضي إلى انهيار قوة الردع الأميركية في العالم. 


وتخشى إسرائيل من أن يسهم تراجع قوة الردع الأميركية في تشجيع إيران على استئناف تطوير برنامجها النووي، بمجرد أن ينتهي موعد تنفيذ الاتفاق النووي الذي وقّعته مع الدول العظمى. وقد أقرّ وزير الحرب الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، أخيراً بأن إسرائيل ستتأثر بشكل مباشر في حال تم التسليم بحق كوريا الشمالية وزعيمها كيم جونغ أون، الذي وصفه بـ"المجنون"، في تطوير السلاح النووي. 

وحسب تقدير "مركز أبحاث الأمن القومي" الإسرائيلي، فإن نجاح كوريا الشمالية في استكمال برنامجها النووي، على الرغم من تصعيد الرئيس ترامب لهجته ضدها، يعني زيادة دافعية طهران لتطوير برنامجها النووي. وقد عدّ المركز، في دراسة صدرت عنه يوم الجمعة الماضي، تجربة المشروع النووي الكوري الشمالية دليلاً على "فشل المفاوضات والدبلوماسية كخيار لمواجهة الطموحات النووية للدول المارقة".

ووفقاً لمعدة الدراسة، البرفسور إميلي لانداو، رئيسة قسم رقابة السلاح النووي في المركز، فإن 25 عاماً أمضتها واشنطن في المفاوضات والجهود الدبلوماسية لم تنجح إلا في توفير الظروف أمام بيونغ يانغ لتطوير برنامجها النووي. وتدعو إميلي إلى استخلاص العبر من مسار البرنامج النووي الكوري الشمالي، وعدم الانطلاق من الافتراض بأن طهران ستحترم التزاماتها في الاتفاق مع الدول العظمى. وتحثّ الباحثة الإسرائيلية على القيام بخطوات عملية منذ الآن لإحباط أي سيناريو يضمن للبرنامج النووي الإيراني المصير نفسه الذي انتهى إليه برنامج كوريا الشمالية. وهناك في تل أبيب من حذر واشنطن من أن فشلها في مواجهة كيم جونغ أون يعني الإضرار بمكانتها في منطقة الشرق الأوسط. واعتبر المستشرق إيال زيسير، أستاذ الدراسات الشرق أوسطية في جامعة تل أبيب، أن نجاح كيم جونغ أون في تحدي الولايات المتحدة يوصل رسالة إلى قادة إيران مفادها أن من يصرّ على تحدي الولايات المتحدة ينجح في النهاية في تحقيق أهدافه. وفي مقال نشرته صحيفة "يسرائيل هيوم"، في عددها الصادر يوم الأحد الماضي، حذّر زيسير من أن "الجنون" الذي اتسم به سلوك كيم جونغ أون أثبت جدواه، محذراً من السماح بأن يتحول هذا "الجنون إلى مصدر إلهام لزعماء آخرين".

وما عزز المخاوف الإسرائيلية من استفادة إيران من تداعيات فشل واشنطن في ردع بيونغ يانغ، التقديرات القائلة بأن طهران وظّفت كلا من الاتفاق مع الدول العظمى وهزيمة "داعش" في تعزيز نفوذها الإقليمي. وقد شرع وزير التعليم، عضو المجلس الوزاري المصغر لشؤون الأمن، نفتالي بنيت، في حملة دعائية ضد "التوسع الإيراني"، محذراً من خطورة تمكّن طهران من ربط مناطق نفوذها في كل من العراق وسورية ولبنان. وفي تصريح متلفز بالإنكليزية، نشره موقع "وللا" الإخباري، دعا بنيت الولايات المتحدة والغرب إلى التوحد من أجل العمل على إخراج القوات الإيرانية وحزب الله من سورية.

لكن في المقابل، هناك في إسرائيل من حذّر من أن الطريقة التي يدير بها ترامب التصعيد ضد كوريا الشمالية ستفضي إلى نتائج عكسية. وحسب معلق الشؤون الأميركية في صحيفة "معاريف"، شلومو شامير، فإن التصريحات والتهديدات التي أطلقها ترامب ضد كوريا الشمالية قد أثبتت أنه "لا يفهم في كيفية إدارة الأزمات الدولية". وفي مقال نشره موقع الصحيفة يوم الأحد، نوه شامير إلى أن تهديدات ترامب لبيونغ يانغ لم تثر انطباع كيم جونغ أون، وأن الرئيس الأميركي نفسه لا يعلم ما يتوجب عمله إزاء التحدي الذي تمثله كوريا الشمالية. وحسب شامير، فإن ترامب الذي أدرك عمق المأزق الذي تورط فيه في أعقاب إطلاقه التهديدات تجاه كوريا الشمالية يحاول لفت الأنظار عن الأزمة معها من خلال إصداره قراراً بإرسال مبعوثين إلى منطقة الشرق الأوسط في محاولة لإحياء المفاوضات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية. ويرى شامير أن أحداً في العالم العربي لن يتجاوب مع مساعي الوفد الأميركي بقيادة جارد كوشنير، صهر ومستشار ترامب، بفعل تأثير التوصية بتقديم لائحة اتهام في قضايا فساد ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. ونوه إلى أن الجميع يعي أن فرص تحقيق تقدم في العملية التفاوضية في الوقت الحالي منعدمة.