ما بعد نكسة الانتخابات المصرية ليس كما قبلها

21 أكتوبر 2015
فرز الأصوات في الإسكندرية (إبراهيم رمضان/الأناضول)
+ الخط -

لجان اقتراع فارغة، ومرشحون يتسوّلون الأصوات، وإقبال ضعيف، فضلاً عن خرق بعض المرشحين فترة الصمت الانتخابي، بانتشار الدعاية والرشى أمام اللجان، من أجل كسب المزيد من التأييد والأصوات؛ عناصر اتصفت بها الجولة الأولى من الانتخابات البرلمانية المصرية، التي جرت في 14 محافظة، يومي الإثنين والثلاثاء.

وأرجع خبراء مصريون مهتمون بالشأن السياسي عزوف المواطنين عن المشاركة في العملية الانتخابية، والتي لم تتجاوز 15 في المائة، إلى رفضهم الواقع السياسي الذي تمر به مصر، وتعدّد الأزمات التي يعيشها المواطنون، خصوصاً اختفاء السلع الغذائية وارتفاع الأسعار.

اقرأ أيضاًمسلسل الانتخابات المصرية: تجاوزات واشتباكات... والزحمة في المقاهي 

ووصف مدير مركز "يافا" للدراسات السياسية والاستراتيجية، رفعت سيد أحمد، تدني نسبة الإقبال في انتخابات البرلمان المصري، بأنّها "انتكاسة" موجهة للنظام، مؤكّداً أنّ انتخابات البرلمان في مصر خلال السنوات الماضية تمتاز بالمشاركة العالية، معتبراً ما حدث رسالة إنذار واضحة وغير مسبوقة بأنّ الشعب لن يعود إلى الوراء.

وقال أحمد إنّ الإهانات والسباب التي وُجّهت للشعب من قبل وسائل الإعلام المحلية بسبب إحجامه عن المشاركة، يعدّ مسبّة في وجه النظام، متسائلاً "كان الأحرى أن تقوم تلك الوسائل بمناقشة الشعب على أرض الواقع، لسؤاله لماذا لم يتوجه إلى صناديق الاقتراع، بدلاً من توجيه الاتهامات له".

وأوضح رفعت أنّ العزوف له عدّة عوامل سياسية وثقافية واقتصادية واجتماعية، مشيراً إلى أنّ عودة نظام الرئيس المخلوع، حسني مبارك، من خلال البرلمان أغضب كثيراً من الشباب الذي قام بثورة 25 يناير 2011، التي "مات من أجلها الكثير من رفاقهم، ومنهم من اعتقل ومنهم من أُصيب".

ورأى رفعت أن "هناك سبباً آخر يقف وراء ضعف الإقبال، وهو أن التوقعات حول البرلمان المقبل تشير إلى أنه سيكون أداة طيعة في يد النظام الحالي، لإحكام سيطرته على البلاد، ولن يتمكن من أداء مهمته في التشريع والرقابة، على عكس ما أكّده المتملقون بأن الانتخابات البرلمانية هي الخطوة النهائية للوصول للديمقراطية، إلا أنه بعد انطلاقها، بات كثيرون يشككون في صحة هذا الأمر"، على حدّ قوله.

ولفت إلى أن ضعف الإقبال في اليوم الأول أحرج الدولة بالكامل، مما دفعها إلى القيام بتعطيل العمل في القطاع الحكومي خلال اليوم الثاني (الإثنين) لنصف يوم عمل، ظناً منها أن ذلك سوف يؤدي إلى زيادة الإقبال. وتابع أن اللجنة لم تكتفِ بذلك بل أعلنت "عن تغريم المتخلفين عن التصويت بـ500 جنيه مصري وإحالتهم إلى النيابة، وبالتالي يجب عليهم إحالة 27 مليون مواطن هم جملة أعداد من لم يدلوا بأصواتهم خلال الجولة الأولى".

وفي الإطار، عدّد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، حسن نافعة، الدوافع التي منعت الشعب المصري من التوجه إلى صناديق الاقتراع خلال الجولة الأولى، وهي نفس الدوافع التي ستمنع الأهالي من التوجه خلال الجولة الثانية في شهر نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، على حدّ قوله.

ومن أحد الأسباب، بحسب نافعة، أن الجميع توقع أن يرى معارضة حقيقية تحت قبة البرلمان، وشباباً وقامات علمية من أساتذة جامعات لكونه مجلساً تشريعياً، لكن للأسف كل ذلك كان أوهاماً، مؤكداً أن عزوف المواطنين عن المشاركة في الانتخابات البرلمانية رسالة احتجاجية للنخبة السياسية تؤكد عدم رضى الشعب عن الأوضاع.

ورأى الخبير السياسي (كسبب آخر) أن استمرار القوانين المقيدة للحريات، ووجود عدد كبير من النشطاء خلف القضبان، أسهم في ابتعاد الشباب عن المشهد ورفض المشاركة. وأضاف أن نظام الانتخابات، بدوره، كان له دور كبير في ضعف نسبة الإقبال، إذ أصر المشرّع على نسبة 80 في المائة للمقاعد الفردية و20 في المائة للقائمة، ونظام القائمة غير موجود في أي دولة في العالم سوى مصر، وأدى النظام الفردي إلى انحسار المعركة حول أشخاص، وقدرتهم على الإنفاق المالي وعلاقتهم القبلية والعائلية، مقابل تغيب البرامج والسياسات، بالإضافة إلى صعوبة اختيار المواطنين للمرشحين وعدم معرفتهم بهم.

من جهته، قال خبير الانتخابات في مركز دراسات "الأهرام"، يسري العزباوي، إن الشعب كان ينتظر من الحكومات المتتالية في عهد السيسي تغييرات سياسية واقتصادية، إلا أن تراجع التنمية وزيادة نسبة الفقر وارتفاع الأسعار وقلة الموارد المالية أصابت المواطنين بالإحباط ودفعتهم إلى العزوف عن المشاركة.

ورأى العزباوي أن هناك العديد من الأمور تهدّد شرعية مجلس النواب المقبل، والتي قد تعاد الانتخابات بسببها، لافتاً إلى أن تدنّي نسبة الإقبال، تُفقد البرلمان شرعيته السياسية والشعبية.

وفي الإطار، رأى الخبير السياسي، محمد عز، أن الشعب المصري بات على درجة كبيرة من الوعي، ويرى أن الانتخابات الحالية مجرد مسرحية هزلية. واعتبر عز، لـ"العربي الجديد"، أن هذه الانتخابات تعني استفتاء حقيقياً على شعبية السيسي، والتي بدا واضحاً أنها تراجعت لدرجة كبيرة، وهو إنذار من الشعب المصري.

وأكد عز أن السيسي يواجه ضغوطاً كبيرة بسبب تردي الوضع الاقتصادي، وبالتأكيد له مردود على الوضع السياسي، لأن الأسعار في ارتفاع مستمر وأزمة الدولار ستتعمّق أكثر.

ولفت إلى أن الوعود التي أطلقها الرجل لم يتم تحقيق بعضها، فلم يشعر الشعب المصري بتغيير حقيقي أو أمل في التغيير. وشدد على أن الشعب يعطي دلالات كبيرة في أوقات حرجة؛ فتجاهله للانتخابات الحالية، هو مؤشر على ثورة جياع آتية. وأوضح أن عودة رموز مبارك في الحياة السياسية والنظام الانتخابي المعقد، وعدم وجود مرشحين مقنعين للناخبين، كان له بالغ الأثر في تجاهل هذه الانتخابات.

اقرأ أيضاًمصر: غاب الناخبون وتعددت الانتهاكات و"المانشتات"

المساهمون