تكمل منيرة شعبان في إبريل/نيسان المقبل عامها السبعين، وفي الشهر ذاته تكمل عامها الخمسين في مهنة القبالة القانونيّة. فتكون بذلك واحدة من أقدم الأردنيات اللواتي عملن في المهنة، بعدما درست التمريض الذي كان يُحرّم على النساء في الماضي.
تتذكر شعبان يوم أخبرت عائلتها برغبتها في دراسة التمريض. كانت حينها في السادسة عشرة من عمرها. فغضب عمّها وحضر إلى منزل العائلة مهدداً والدها: "إما أن تمنعها أو تحفر لها قبرها بيدك". فالعائلات الأردنيّة كانت بمعظمها ترفض أن تتوجه بناتها إلى التمريض الذي يتطلب اختلاطاً مع الرجال في العيادات والمستشفيات، وهو ما "كان يجلب السمعة السيئة للعائلة".
للحظة ظنّت أن حلمها قد تبخّر وأن غضب عمها سيجعل والدها يعارض رغبتها تلك، "لكنني تفاجأت بالعكس. فقد وقف والدي مدافعاً عن رغبتي، لا بل وشجعني على أن أكون طالبة مجتهدة حتى أنهي دراستي بتفوق".
في عام 1961 التحقت الشابة بعد حصولها على "شهادة المترك"، بمستشفى المطلع في مدينة القدس لتتعلم مهنة التمريض. وبموازاة ذلك، كانت تعمل ممرضة مساعدة في إحدى عيادات القدس. في البداية، "كان عملي ينحصر في تنظيف العيادة والحمامات. لكنني كنت أستغل الوقت في مراقبة ما تقوم به الممرضات، وقد تعلمت أيضاً اللغة الإنكليزية من خلال التحدّث مع الطبيب والممرضات".
استغرقت دراستها عامَين كاملين في مستشفى المطلع، فأصبحت ممرضة مساعدة تعمل في المستشفى ذاته لقاء خمسة دنانير. لكن أجرها تضاعف خمس مرات خلال أقل من عام ليصبح 25 ديناراً أردنياً. وفي مفارقة، فإن عمها الذي كان يعارض عملها في التمريض، "هنأني بعد عملي في المستشفى وطلب مني أن أكون زوجة لأحد أبنائه. لكنني رفضت. كنت صغيرة على الزواج".
في أثناء عملها في المستشفى، كانت تتمنى دوماً أن تجري عمليات التوليد التي كانت تقوم به حصراً ممرضات أجنبيات. فالمطلوب كان أن تشارك الممرضة في 50 عمليّة توليد حتى تصبح مؤهلة لإجراء واحدة. وسجّلت نفسها لذلك واستطاعت عند بلوغها العشرين في إبريل/نيسان 1965 أن تنجز العدد المطلوب. "هكذا أصبحت أول قابلة قانونيّة عربيّة مجازة في المستشفى. وشاءت الأقدار أن تكون أول عملية توليد أجريتها لزوجة شقيقي التي أنجبت فتاة أسموها حنان".
بعد نكسة عام 1967 واحتلال إسرائيل للضفة الغربيّة والقدس التي كانت تقيم فيها، انتقلت منيرة شعبان مع عائلتها للعيش في العاصمة الأردنية عمّان. كانت تقضي وقتها في تقديم المساعدة إلى اللاجئين سواءً في مجال التمريض أو التوليد.
وفي ذلك العام أيضاً، تغيّرت حياتها عندما حظيت بدعوة إلى السويد بعد انتدابها من قبل وزارة الصحة للمشاركة في دورة في التمريض والقبالة. وتقديراً لتفوقها، عينتها وزارة الصحة مديرة لمدرسة القبالة. ومع ذلك، بقيت تمارس عملها في القبالة المنزليّة.
لم تتقاضَ ماما منيرة خلال سني عملها الطويلة في القبالة المنزليّة أي مبالغ مالية، "فأكبر مكافأة أحصل عليها هي رؤيتي المولود الجديد وهو يبصر النور". لكنها لم تكن ترفض الهدايا التي يقدّمها لها أهل المولود.
إلى ذلك، هي لا تؤمن بالزواج المبكر. وتؤكد أن زواج الفتيات دون الثامنة عشرة يسبّب كثيراً من المشكلات. فجسمها لا يكون قد نضج بالشكل الذي يؤهلها للحمل والولادة. في عام 1980، تزوجت ماما منيرة وكانت قد بلغت 35 عاماً. أنجبت ابنتَين هما خلود وأنيا توفيتا وهما طفلتَان نتيجة مرض وراثي. وبعد وقت قصير فقدت أيضاً زوجها. لكن أحزانها لم تمنعها من متابعة حياتها. وفي عام 1982 اجتازت امتحانات شهادة الدراسة الثانوية (التوجيهي)، ما خوّلها مواصلة دراستها العليا. فسافرت إلى لندن حيث حصلت على شهادة التمريض، لتعود إلى البلاد وتستكمل عملها في وزارة الصحة.
يوم تقاعدت ماما منيرة، رأت أنه من المبكر التوقف عن العمل. فراحت تنشط في مجال تثقيف النساء حول تنظيم الأسرة والصحة الجنسيّة ومخاطر الزواج المبكر. كذلك، هي اليوم تعمل في القبالة في جمعيّة العون الصحي الأردنيّة المدعومة من صندوق الأمم المتحدة للسكان، الذي ينشط في تقديم الخدمة والتوعية للاجئات السوريات في مخيّم الزعتري.