يروي وليد تجوله في دول الشتات بعد أن استقر به الحال في كوريا الجنوبية، التي لم يكن ليتخيل في يوم من الأيام أن تطأ قدمه تلك المنطقة من العالم، لولا ما رآه في مصر من ظلم، على حد تعبيره.
يقول وليد الذي يعمل طبيباً "لم أكن أؤمن بالغربة تماماً، حتى على سبيل العمل في الخليج لجمع "تحويشة" للمستقبل كما كان يفعل أبناء جيلي. وعلى الرغم من ذلك حتى وإن تطرق هذا التفكير في وقت من الأوقات إلى عقلي لم يكن ليتجاوز دول مجلس التعاون الخليجي، ولكنّ حجم ما رأيته من ظلم وقهر خلال ساعات الفض العصيبة، ومواجهتنا بكل هذه القوة التي لو فكّر أي نظام عربي أن يستخدم نصفها في مواجهة إسرائيل لحررنا المسجد الأقصى منذ زمن بعيد، دفعني للابتعاد".
يروي وليد الليلة العصيبة التي واجهته قائلاً "بعد إصابةٍ برصاصة في ساقي، ومحاولتي الهرب من الميدان مصاباً، وقعت في يد عدد من البلطجية الذين أوسعوني ضرباً باستخدام آلات حادة حتى فقدت الوعي، لأجد نفسي بعد ذلك ملقى بالقرب من "صندوق قمامة"، لينقذني بعد ذلك أحد الأفراد الذي قام بنقلي إلى عيادة خاصة، بعد أن منَّ الله عليّ بالشفاء، اتخذت قراراً لا رجعة فيه بالهجرة النهائية من الوطن وعدم العودة له مرة أخرى تحت أي ظرف. هذا الوطن لم يكن في يوم من الأيام لنا... فقدت كل شيء، الانتماء إلى هذا البلد، الذي يسمونه وطناً"، مستطردا "الوطن هو المكان الذي نعيش فيه آمنين مطمئنين ويحفظ كرامتنا وأعراضنا".
ويكمل وليد الشاب الثلاثيني "كان كل ما يهمني هو الخروج من الوطن تحت أي ظرف، خصوصاً بعدما فوجئت بإدراج اسمي ضمن قضية خاصة بحرق مركز شرطة، لم يحترق بالأساس ولم يتعرض لأي اعتداء".
ويتذكر وليد رحلة الهروب من "وطن الظلم"، قائلاً "توصلت إلى أحد الأشخاص الذي دلّني إلى طريق للخروج عن طريق أودية وجبال البحر الأحمر حتى الوصول للسودان، وكانت رحلة أقرب للانتحار لكنّها كانت بالنسبة لي هي طريق الحياة، على الرغم من اللحظات التي كان فيها الموت أقرب لي من نعل قدمي". ويتابع "لحظات عصيبة مرت عليّ خلال رحلة التنقل في دول الشتات، ما بين السودان تارة، وتركيا تارة أخرى حتى استقر بي الحال في كوريا الجنوبية، التي منحتني حق اللجوء بعدما تأكدت من تلفيق الاتهامات الموجهة ضدي من خلال أوراق القضية".
وحول ما إذا كان يراوده حلم العودة للوطن مرة أخرى بعد الرحلة الشاقة التي مرّ بها، يقول وليد "على الرغم من أني بلا عمل ومستقبلي مجهول المعالم، إلا أن ذلك أفضل بكثير لي من العيش في وطن لا أستطيع أن أُغمض عيني لأنام فيه".
الشاب محمد عادل، من محافظة القاهرة، هو أحد الذين عايشوا اعتصام رابعة العدوية منذ لحظاته الأولى، وحتى مجزرة الفض، قبل أن ينتهي به الحال، في دولة مالاوي جنوب شرق أفريقيا عاملاً في أحد مصانع الأخشاب.
يقول عادل "كنت أظن بعد نجاتي بفضل الله من المجزرة، ومن بعدها نجاتي من بين أيدي الظالمين الذين داهموا منزلي للقبض عليّ وكنت خارجه، أنني بلغت نهاية الرحلة، لكن اكتشفت أن هذا هو أولها، لأعيش رحلة العذاب، لا وطن... لا أهل... لا مستقبل.. لا حلم سوى العيش بأمان دون ملاحقة أو تهديد لحياتي".
يوضح عادل، الذي ترك مصر وهو في السنة الثالثة بإحدى كليات التجارة، كان عليّ أن أقرر وأختار بين خيارات جميعها مرّ، فإما أن أنتقم ممن دمّر أحلامنا وسرق أوطاننا وأرفع السلاح، ولكني وقتها فكرت في أهلي وخشيت أن يتعرضوا للإيذاء بسببي، أو أن أظل مطارَداً في بلدي، أو أفكر في الهروب حيث المجهول، فاتخذت قرار السفر لعلّي أجد مستقبلاً أو بلاداً تُؤويني وتكون لي وطناً وأبدأ فيها حياة جديدة، لكن للأسف طالت الرحلة، وكلما طالت الأيام ازدادت الأوضاع سوءاً، حتى وصلت لمالاوي بعد رحلة للسودان ثم أرض الصومال (إقليم صوماليلاند أعلن الاستقلال عن الصومال من جانب واحد في 1991) ، حيث أعمل في أحد مصانع الأخشاب.
وعن دخله ومستقبله يقول عادل "يكفيني دخلي لأظل على قيد الحياة آكل وأشرب ولا مانع من ملبس بسيط، وعن مستقبلي لا أفكر فيه حتى لا أُتعب أعصابي، فربما يكون التفكير فيه في مرحلة لاحقة". أما عن العودة للوطن فيقول "بالطبع أريد أن أعود حيث حياتي التي أُجبرت على تركها ولكني أحلم بمصر التي عشتها في الـ18 يوماً التي أعقبت ثورة 25 يناير".
ويوضح عادل حول ما إذا كان معه آخرون من الشباب الذين شاركوا في الاعتصام وعايشوا المجزرة، قائلاً "نحن 4 أشخاص، وأعلم أن هناك مصريين آخرين من أنصار الشرعية يعملون في مجالات الزراعة، وبعضهم يعمل في مجال تصنيع البلاستيك". ويلفت إلى أن بعض الشباب عندما ضاقت به الأوضاع هنا، انتقل إلى أرض الصومال، على اعتبار أنها بلاد جديدة وفرص العمل والعيش بها ربما تكون أفضل بالنسبة إليهم.