ماكرون من لبنان: لا إفراج عن أموال سيدر دون حصول إصلاحات بنيوية

بيروت
ريتا الجمّال (العربي الجديد)
ريتا الجمّال
صحافية لبنانية. مراسلة العربي الجديد في بيروت.
01 سبتمبر 2020
سياسة/ماكرون وعون/(حسين بيضون/العربي الجديد)
+ الخط -

أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، اليوم الثلاثاء، أن لا إفراج عن أموال مؤتمر سيدر، الذي أقيم في العاصمة الفرنسية باريس عام 2018 من أجل لبنان، قبل حصول إصلاحات بنيوية على صعيد إصلاح قطاع الكهرباء ومكافحة الفساد، وإصلاح معايير التعاقد الحكومي والنظام المصرفي.

وقال ماكرون خلال جولته في بيروت اليوم، والتي تأخر بسببها لحوالي الساعة عن قصر بعبدا، حيث أقيمت على شرفه مأدبة غداء: "لا أعرف الرجل الذي تمّ تكليفه إثر الاستشارات النيابية الملزمة وبعد مشاورات.. لا بدّ من تشكيل الحكومة بسرعة وتأليفها بما تقتضي مصلحة الشعب اللبناني"، علماً أن وسائل إعلام تحدثت عن أن رئيس الحكومة المكلف مصطفى أديب هو نتاج خيار ماكرون في إطار الخطة السياسية والاقتصادية التي يضعها للبنان، والتي حثّ من خلالها القوى السياسية على التفاهم والاتفاق والإسراع في تشكيل حكومة.

ولفت ماكرون إلى أن "(حزب الله) هو حزب يمثّل جزءاً من الشعب اللبناني، وإذا لم نُرد أن ينزلق لبنان إلى نموذج يسيطر فيه الإرهاب على حساب أمور أخرى، تجب توعية (حزب الله) وغيره من الأحزاب بمسؤولياتها".

وغرّد الرئيس الفرنسي على حسابه عبر "تويتر" كاتباً: "الحرية والحوار والتعايش: إنها قيم مترسّخة في لبنان، هذا البلد الذي يستمدّ قوّته من التاريخ المئوي لدولة لبنان الكبير. سيتمكّن لبنان من التعافي من الأزمة التي يمرّ بها. ودعوني أقول لكم بالنيابة عن الفرنسيين إننا سنقف دائماً إلى جانب الشعب اللبناني".

وأقام الرئيس اللبناني غداء اليوم في قصر بعبدا على شرف الرئيس الفرنسي، بحضور رئيس الحكومة المكلف مصطفى أديب، ورئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، ورئيس مجلس النواب نبيه بري، ورؤساء الكتل النيابية، وعدد من الشخصيات الدبلوماسية والسياسية. وقد اعتذر الرئيس سعد الحريري عن عدم الحضور.

تأليف سريع

وأشار مصدرٌ شارك في الغداء الذي أقامه عون على شرف ماكرون، لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ ماكرون كرّر في كلّ موقف ضرورة أن يصار إلى تأليف حكومة على وجه السرعة، وهو تحدث عن ذلك أيضاً خلال خلوة عقدها الرئيسان، لافتاً إلى أن مهامها يجب أن ترتكز على إجراء إصلاحات بنيوية جدية في قطاعات الدولة، ولا سيما الكهرباء، وفي السياسة المالية والنظام المصرفي، بالإضافة إلى دورها في إعادة التأهيل الذي يكلف الدولة اللبنانية ملايين الدولارات، ما يحتم عليها أن تمد يدها إلى المجتمع الدولي، لكن هذه المرّة ليس مجاناً.

سياسة/ماكرون وعون/(حسين بيضون/العربي الجديد)

وقال المصدر إنّ الرئيس الفرنسي، وإذ عبّر عن التطوّرات الإيجابية التي حصلت على صعيد سرعة الاستشارات النيابية الملزمة، أبدى عدم ثقته الكاملة بالقوى السياسية، من هنا حرص على عودته إلى لبنان لمتابعة موضوع المساعدات الإنسانية والصحية وغيرها من التي قدّمتها فرنسا، وسيشرف على إعادة التأهيل من أجل التأكد من مسارها الصحيح، وهو سيعيد تكرار هذه المسائل عند اللقاء الذي سيعقده مع المسؤولين اللبنانيين في قصر الصنوبر في بيروت.

ماكرون في لبنان ديسمبر المقبل

في السياق، أعلن قصر الإليزيه أنّ ماكرون سيعود إلى لبنان في شهر ديسمبر/كانون الأول المقبل، في خطوة تكون الثالثة من نوعها منذ وقوع انفجار مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس/آب الماضي، وتعدّ مؤشراً إلى أنّ المساعدات لن تكون عبارة عن هبة، بل مبادرة إنقاذية حقيقية للبلاد والشعب اللبناني بشكل خاص.

وخلال الغداء الذي حضره أيضا وفد فرنسي كبير، توجّه الرئيس عون بكلمة إلى ماكرون، وقال: "أمام ضربات القدر هذه، هناك احتمالان، الاستسلام أو الحفاظ على الأمل. لقد علمنا تاريخنا أن ننهض، ونعيد البناء، متطلعين أبداً نحو المستقبل. إن الماضي الغني بالتجارب يحضنا اليوم على العمل، وهو خير معلّم لنا يدفعنا إلى عدم تكرار الأخطاء".

وشدد الرئيس اللبناني على أن "أملنا اليوم يرتكز على تشكيل حكومة جديدة تكون قادرة على إطلاق ورشة الإصلاحات الضرورية، من أجل الخروج بالبلد من الأزمة الحالية. والأمل يكمن أيضاً في جعل آلامنا حافزاً يدفعنا إلى أن نغدو دولة مدنية، حيث الكفاءة هي المعيار، والقانون هو الضامن للمساواة في الحقوق. وإنني تحقيقا لهذه الغاية، التزمت الدعوة إلى حوار وطني لكي نبلغ صيغة تكون مقبولة من الجميع".

أعلن قصر الإليزيه أنّ ماكرون سيعود إلى لبنان في شهر ديسمبر/كانون الأول المقبل، في خطوة تكون الثالثة من نوعها منذ وقوع انفجار مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس/آب الماضي، وتعدّ مؤشراً إلى أنّ المساعدات لن تكون عبارة عن هبة، بل مبادرة إنقاذية حقيقية للبلاد والشعب اللبناني بشكل خاص

وختم بالقول: "فليكن الأول من سبتمبر 2020، محطة انطلاق للبنان جديد، حيث المواطن هو الملك وليس زعماء الطوائف: دولة حديثة تستجيب لانتظارات الشعب وتطلعات شبيبتنا الذين هم مستقبل البلد".

من جهته، رد الرئيس الفرنسي: "أنا لا أعرف ماذا ستحمله الأسابيع والأشهر المقبلة، لكنني أعرف أمراً واحداً فحسب، وهو إنه إذا لم تتحقق الدعوة للترفع فوق المصالح الخاصة، فإنه سيكون قد تمت خيانة الوعد، لأن بلدكم هو بحد ذاته وعد لنفسه، كما أنه وطن شقيق وصديق لوطننا".

وقال: "رسالة لبنان ترتدي أهمية أكثر مما كانت عليه قبل مائة عام، لأنكم، من دون أي شك آخر من يحمل هذا الإرث. وأن ينجح ذلك اليوم من قبلكم، في وقت ربما لم ينجح من قبل آخرين، قبلكم وفي ظروف أسهل، فسببه أنتم لأنكم أنتم، تحققون ذلك وفي ظروف أشد قسوة تبلغ حد المستحيل"، مشيراً: "سنكون هنا، وفق الصداقة عينها وروح الأمانة، وحدها أمانة في هذا التاريخ وما يجمعنا من خلاله، وفق التزام بالسيادة والعشق غير المشروط للحرية". خاتماً: "هذا ما رغبت في قوله لكم في هذا اليوم، الذي هو بمثابة احتفال، ولكن أرجو من كل قلبي أن يشكل بداية لعصر جديد".

من ناحية ثانية، كتب رئيس الجمهورية ميشال عون، لمناسبة زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى لبنان، كلمة ترحيبية به، نشرتها صحيفة "لو فيغارو" الفرنسية في عددها الصادر صباح اليوم الثلاثاء، أشار فيها إلى أنه "مرة جديدة، تستحق فرنسا تقدير الشعب اللبناني وامتنانه. دفعة واحدة هبّت فرنسا، وفي طليعتها الرئيس ماكرون، لنجدة بيروت المنكوبة وسكانها الذين يعانون من هول الصدمة. وهو كان شاهداً، في آن واحد، على المساعدات الإنسانية الكبرى التي نقلت عبر جسر جوي منذ اليوم التالي للانفجار، وعلى مشاركة الخبراء الفرنسيين إلى جانب اللبنانيين والخبراء الدوليين في التحقيق القضائي والتقني".

وشدد الرئيس اللبناني على أنه "بفضل فرنسا، الحريصة على سيادتنا ووحدتنا الوطنية ورفاهيتنا، انعقد مؤتمر دولي للمانحين من أجل مساعدة بيروت. في هذه اللحظات الأليمة التي نجتازها منذ 4 أغسطس/ آب الماضي، أحيي قدرة الشعب اللبناني على المقاومة، وهو أظهر تضامناً مثالياً وإصراراً لا مثيل لهما لمواجهة التحديات. وكان اللبنانيون، الذين لمّا برحوا يستقبلون على أرضهم أكثر من مليوني لاجئ ونازح (تصر السلطات اللبنانية على توصيفهم بالنازحين فيما خص اللاجئين السوريين)، شهوداً على الإرادة الصلبة للتطلع نحو المستقبل، يحركهم بذلك حس المشاركة وبذل الذات".

وأكد الرئيس عون التزامه السهر على أن يبلغ التحقيق خواتيمه، باحترام تام للقوانين، وأن تتم محاسبة المسؤولين كافة، أيا كان دورهم أو رتبتهم. وقال: "أتفهم موجة الاعتراض التي تهز البلد منذ أشهر، حيث إن الغضب يرتفع بحق الطبقة السياسية اللبنانية بكافة مكوناتها، لأنها، ومنذ انتهاء الحرب الأهلية، قد تخاذلت عن تحمّل مسؤولياتها، ولم تكن على قدر تطلعات الشعب. ولقد أظهرت سلسلة الكوارث التي شهدتها الأشهر المنصرمة فشل أنظمتنا السياسية منها والقضائية والمالية والإدارية. ومن الواجب إجراء إصلاحات في العمق تطاولها، كي نكون، فعلاً، أمام إمكانية إعادة نهوض البلد والإجابة على التحديات الهائلة التي تعترضنا".

سياسة/ماكرون وعون/(حسين بيضون/العربي الجديد)

وشهد الشارع اللبناني تحركات منذ وقوع الانفجار، دعا فيها المعتصمون إلى استقالة الرئيس عون وكل مسؤول سياسي وأمني عما حدث في 4 أغسطس/ آب، ومحاسبتهم بعد تحقيق دولي باعتبار أنه لا ثقة بالقضاء اللبناني المحسوب على الجهات السياسية والطبقة الحاكمة.

وتابع عون: "إنني مصمم على العمل في هذا الاتجاه، خلال الفترة المتبقية لي من ولايتي الرئاسية. ولكي لا تذهب جهودي سدى، فإنه من واجب الحكومة المقبلة ورئيسها العمل بتناغم في هذا الاتجاه. معاً، علينا العمل من دون هوادة من أجل استنهاض اقتصادنا ومجتمعنا. ولهذه الغاية، فإن طرق تفكيرنا، ونماذج عملنا، وردود أفعالنا السابقة لا بد لها أن تتبدل، وقد باتت غير ملائمة ولا تتماشى مع تطلعات شعبنا". 

وأضاف أن "إعادة إعمار المناطق المنكوبة، نتيجة انفجار الرابع من أغسطس، تتطلب مساعدات إنسانية آنية، كما ومبادرات دعم تجاه قطاعي التربية والصحة، إضافة إلى بذل جهود للحفاظ على إرثنا الثقافي والعمراني. وأبعد من ذلك، فإن المشاريع الأكثر إلحاحاً تبقى تلك المرتبطة بمكافحة الفساد واعتماد الشفافية في حياتنا العامة، وترشيد النفقات المالية".

وشدد على أن "التدقيق المالي والمحاسبي للمصرف المركزي وللمؤسسات العامة من شأنه أن يظهر ما يعتري حسن سير نظامنا النقدي. كما أن إعادة هيكلة القطاع المصرفي يجب أن تستتبع ذلك. إن إصلاح قطاع الطاقة، ولا سيما الشق المتعلق منه بالكهرباء، سيحررنا من وطأة استهلاك المواد النفطية. كما أنه من الواجب أن يتم سريعاً إقرار القوانين الضامنة لعدالة مستقلة، ما من شأنه أن يفسح المجال أمام مكافحة فعالة للفساد، وعلى الحكومة المقبلة مسؤولية السهر على وضع هذه القوانين موضع التنفيذ. إنني سأناضل حتى النهاية من أجل مكافحة الفساد. وعلى المسؤولين كافة أن يؤدوا الجواب على تصرفاتهم، وعلى القضاء أن يحكم، ولن تكون هناك لا مساومة ولا استثناء".

وشدد على أن "التزامي بإجراء هذه الإصلاحات يتلاءم حكما مع القسم الذي أديته للحفاظ على وحدة لبنان وسيادته واستقلاله، لا سيما بوجه التهديدات التي يمثلها وحش الإرهاب وأطماع الجيران". ولفت الرئيس عون إلى "أننا نعيش لحظات تاريخية، تخط عميقاً في تاريخ الأمم. فلتستعد الإخوة والصداقة حقوقهما. وإنني، فيما أتطلع إلى المستقبل، استقبل الرئيس إيمانويل ماكرون، لنحيي معاً مئوية إعلان دولة لبنان الكبير، فنجدد على الأخوة بين أمتيّنا ونضع الخطوط الكبرى للمئوية الثانية للبنان، أرض العسل والبخور".

جولة قبل لقاءات قصر الصنوبر

وبعد انتهاء الغداء في بعبدا، غادر الرئيس الفرنسي إلى مستشفى رفيق الحريري الجامعي في بيروت، حيث جال في أقسام المستشفى واطلع على الإجراءات المتخذة لمواجهة فيروس كورونا. وسيعقد لقاءً مع البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، قبل أن يتوجه إلى قصر الصنوبر، حيث يعقد لقاءات مع مسؤولين لبنانيين، يليها مؤتمر صحافي.

ويشهد محيط قصر الصنوبر اعتصاماً من قبل عدد من الناشطين الذين حملوا لافتات تدعو القضاء الفرنسي إلى إطلاق سراح المناضل اللبناني جورج إبراهيم عبدالله في ظل الضغوط الأميركية والإسرائيلية للحؤول دون ذلك، علماً أن إبراهيم هو أقدم سجين سياسي في فرنسا وأوروبا اعتقل عام 1984، وحكم سنة 1986 بتهمة المشاركة في عصابة إجرامية.

ذات صلة

الصورة
دبابة إسرائيلية على حدود لبنان من جهة الناقورة، 13 أكتوبر 2024 (Getty)

سياسة

اشتدت حدة المواجهات البرية بين حزب الله وجيش الاحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان مع دخول المعارك شهرها الأول من دون أن تتمكن إسرائيل من إحكام السيطرة.
الصورة
قصف إسرائيلي في محيط قلعة بعلبك الأثرية، 21 أكتوبر 2024 (نضال صلح/فرانس برس)

سياسة

انضمّت مدينة بعلبك إلى الأهداف الإسرائيلية الجديدة في العدوان الموسَّع على لبنان تنفيذاً لسياسة الأرض المحروقة ومخطّط التدمير والتهجير الممنهج.
الصورة
أنشطة ترفيهية للأطفال النازحين إلى طرابلس (العربي الجديد)

مجتمع

أطلقت منظمات وجمعيات أهلية في مدينة طرابلس اللبنانية مبادرات للتعاطي مع تبعات موجة النزوح الكبيرة التي شهدتها المدينة خلال الفترة الأخيرة.
الصورة
دمار جراء غارات إسرائيلية على بعلبك، 25 أكتوبر 2024 (Getty)

سياسة

شنّ جيش الاحتلال الإسرائيلي سلسلة غارات دموية على مناطق عدّة في محافظة بعلبك الهرمل اللبنانية أدت إلى سقوط عدد كبيرٍ من الشهداء والجرحى وتسجيل دمار كبير