أعلن المبعوث الأممي إلى ليبيا مارتن كوبلر أول أمس الخميس، في طرابلس عن قرب نهاية ولايته وتسليم مهامه لمبعوث أممي جديد لم يتم تحديده بعد من قبل الأمم المتحدة، وسط تساؤلات وانتقادات حيال نتائج أعمال كوبلر، خلال ولايته التي امتدت من أكتوبر/تشرين الأول 2015 وحتى الآن.
وحسب تقارير إعلامية، فإن التنافس حول المهمة الأممية الجديدة في ليبيا يدور بين أربعة مرشحين، هم المبعوث الأممي الحالي في اليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد، والدبلوماسي المغربي جمال بن عمر، والسويسري فليب سبوري المسؤول السابق في منظمة الصليب الأحمر، بالإضافة إلى الوزير اللبناني السابق غسان سلامة.
وحسب تصريحات للنائب بالبرلمان المنعقد في طبرق أبوبكر بعيرة، فإن غسان سلامة أكثر المرشحين الأربعة حظا، مشيرا إلى أن أوساطا ليبية ترحب به كونه العربي الأقرب لفهم الأوضاع الليبية المشتتة، في ظل انقسامات أمنية وسياسية، وعدم تمكن الأمم المتحدة من إنفاذ الاتفاق السياسي الذي رعته، والموقع بين الأطراف الليبية منذ ديسمبر من عام 2015.
لكن السؤال الأبرز يتعلق بالدور الأممي في ليبيا، ومدى قدرته على حلحلة الأوضاع التي تشهد انسدادا سياسيا وتصعيدا عسكريا كبيرا، يبدو أن الاتفاق السياسي ساهم في تعميقه أكثر من ذي قبل.
وانقسمت الآراء بشأن نجاح كوبلر من عدمه في أداء مهامه، ممثلة في مواصلة مهمة سلفه الإسباني برناردينو ليون، الذي تمكن من إقناع الأطراف الليبية لتوقيع اتفاق سياسي كان على كوبلر المضي قدما في إنفاذ تطبيقه، وإنجاحه لتحقيق استقرار سياسي في البلاد.
ويرى عضو المجلس الأعلى للدولة أحمد ساسي أن "كوبلر نجح إلى حد كبير في مهمته، كونه لم ينحز لطرف الاتفاق السياسي، ولم يخضع لإملاءات وشروط طرف البرلمان، المطالب بحذف بعض مواده، سيما المادة الثامنة سعيا لتنصيب رئيس جناحه العسكري اللواء خليفة حفتر على رأس مؤسسة الجيش.
وأضاف ساسي لــ"العربي الجديد" أن "قبول كوبلر بالتعديل في الاتفاق السياسي مؤخرا، جاء بعد أن شاهد رغبة في ذلك من طرفي النزاع في البلاد، وإعلانه أن التعديلات ستشمل كافة الأجسام السياسية المنبثقة عن الاتفاق، ووجوب أن تكون التسوية الجديدة بعد مصادقة كلا الطرفين على نتائج طاولة المفاوضات الجديدة".
لكن النائب بالبرلمان المنعقد بطبرق محمد آدم اعتبر أن كوبلر تسبب في الشلل السياسي الذي تعاني منه البلاد وإطالة أمد الأزمة، مضيفا أن "رفضه اعتبار البرلمان ممثلا للشعب، واعتباره طرفا في النزاع، صعّب من إمكانية تضمين الاتفاق السياسي ومنح الثقة للحكومة".
وقال في حديث لـ"العربي الجديد" إنه "لا يمكن التعويل على الأمم المتحدة للعب دور لحسم الخلاف السياسي، فتجاربها في دول أخرى تشي بذات النتيجة في الحالة الليبية"، مشيرا إلى أن "كوبلر استمرار لأعمال الأمم المتحدة التي لا يمكن أن تتفهم واقع الأزمات، وغير قادرة على الاقتراب بشكل جيد لفهم أوضاع البلاد، سيما في الحالة الليبية".
وبين أن المبعوث الأممي "تمسك بمواد لم يكن حولها توافق وأصر على عدم تغييرها، كتركيبة المجلس الرئاسي وإلغاء المادة الثامنة وشكل المجلس الأعلى للدولة".
من جانبه، يرى المحلل السياسي علي الأطرش أن "نجاح مهمة كوبلر من عدمها مرهون بالإرادة الدولية التي بدت خلال سني الأزمة الماضية لا تمتلك رؤية موحدة بشأن ليبيا".
وقال الأطرش لـ"العربي الجديد" إن "كوبلر شخص غريب عن الأوساط الليبية، ولا يتمتع بثقل هنا، ولذا كان دوما يتخفى وراء دعم دول كبرى بعينها، وأبرزها إيطاليا ومن ورائها بلده الأصلي ألمانيا، واللتان بكل تأكيد لهما رؤية خاصة بهما تتناقض مع رؤى ومصالح دول كبرى أخرى".
ودلل قائلا "لم نر لكوبلر أي تفاعل مع المبادرات العربية ولا الليبية، لكنه دوما ما نراه يتفاعل مع تصريحات وتوجهات دول غربية بعينها، ولذا لم نر له موقفا من دول عربية تلعب دورا مزدوجا في ليبيا كالقاهرة والإمارات".
وأشار إلى أن "مسار عمله يختلف مع سلفه الإسباني برناردينو ليون، الذي كان مواليا وبشدة لمواقف الدولتين، ليكشف لاحقا أنه قبض ثمن مواقفه كمدير لمعهد دبلوماسي في أبوظبي".
وتابع "يبدو أن اقتراب كوبلر من إيطاليا وألمانيا انعكس على مواقفه ومسار عمله، وهما دولتان منحازتان للمجلس الرئاسي وسلطات طرابلس، ولذا فقد كان موقفه شديدا ورافضا لأي تعديل على الاتفاق السياسي، إلى حين تبدل مواقف هذه الدول من قائد جيش البرلمان حفتر مؤخرا".
يشار إلى أن الألماني مارتن كوبلر شغل منصب المبعوث الأممي لدى ليبيا بعد أربعة ممثلين سابقين، هم الأردني عبد الإله الخطيب من مارس 2011 وحتى سبتمبر 2011، والإنكليزي أيان مارتن من سبتمبر 2011 وحتى أكتوبر 2012، واللبناني طارق متري من سبتمبر 2012 إلى سبتمبر 2014، والإسباني برناردينو ليون من أغسطس 2014 إلى اكتوبر 2015.
وشغل المبعوث الألماني مارتن كوبلر (62 عاما) مهام سفير ألمانيا في العراق ومصر، إضافة إلى مهام رئيس بعثة الأمم المتحدة في الكونغو، ومساعد المبعوث الدولي إلى أفغانستان عام 2010، قبل أن يعين مبعوثا خاصا إلى العراق بين العامين 2011 و2013.