وتصاعدت أهمية الجنرال لدى الاحتلال ودوره باعتباره من يمثّل أكثر من أي شيء آخر "البقرة المقدسة" في إسرائيل. يفسر هذا كله، مقروناً بالتربية الإسرائيلية على تمجيد القوة العسكرية، وواقع الاحتلال المستمر، الاحتفاء منقطع النظير بكل رئيس أركان ينهي منصبه في "ظروف طبيعية" من دون أن يضطر للإقالة من منصبه، كما في المهرجان الإعلامي والسياسي والاجتماعي المصاحب لتعيين الجنرال أفيف كوخافي رئيساً للأركان الـ22 لجيش الاحتلال، مع ثرثرة إسرائيلية إعلامية وسياسية حول سجل سلفه غادي أيزنكوت، وما هو متوقع من الجنرال الجديد.
لكن الطريق إلى تحقيق هذا الهدف يمر، وفق المنظور الإسرائيلي، بحسب تقدير نشره مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي، بمواجهة عشرة تحديات رئيسية تواجه رئيس الأركان الجديد لجيش الاحتلال، هذه أبرزها:
مواجهة "التهديد" الإيراني
تذكر ورقة مركز أبحاث الأمن القومي أنه تبلورت في إسرائيل في السنوات الأخيرة، عقيدة تعتبر إيران الخطر الأكبر على أمن إسرائيل. ومع أن إسرائيل امتنعت عن العمل بشكل مباشر ضد إيران، إلا أنها نشطت "ضدها سراً وأعدت خطة خيار هجومي لمواجهة الخيار النووي الإيراني". ومن شأن الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي مع إيران، أن يلزم إسرائيل بإعادة النظر في وضع خيار هجومي لمواجهة هذا التهديد.
في المقابل وفي سياق التهديدات التقليدية، فإن تسلّم الجنرال كوخافي لمنصبه الجديد، جاء بعد أيام معدودة من إقرار نتنياهو وأيزنكوت بمسؤولية إسرائيل عن مئات الغارات والعمليات البرية، أيضاً، التي استهدفت آلاف المواقع والأهداف الإيرانية وتلك التابعة لـ"حزب الله". ويرى واضعو الورقة أن هذا الوضع يلزم ببلورة استراتيجية عمل توضح الخطوط الحمراء من جديد، من دون الوصول إلى حالة مواجهة عسكرية مباشرة بين الطرفين.
وترى الورقة أن "الإنجازات" التي حققتها إسرائيل في حربها السرية ضد إيران وضد تطوير ترسانة "حزب الله"، وصلت إلى نقطة الذروة تقريباً بعد ست سنوات من العمليات التي كانت تدرج ضمن المصطلح الإسرائيلي "المعركة بين الحروب"، وبالتالي هناك حاجة لنقاش مبدئي حول الفائدة المتبقية من جهود منع أو تقليص سيرورات بناء القوة العسكرية التقليدية في مواجهة العدو، مثل مشروع تحسين قدرة دقة صواريخ "حزب الله" ونقل مركز ثقل المشروع من سورية إلى لبنان، الأمر الذي من شأنه أن يقود إلى مواجهة بين إسرائيل والحزب.
الاستعداد لمواجهة "حرب الشمال الأولى"
يتواصل ميزان الردع بين إسرائيل و"حزب الله" منذ العدوان الإسرائيلي على لبنان عام 2006، لكن مع ذلك فإنه من الوارد جداً تدهور الأوضاع إلى درجة نشوب حرب لبنان الثالثة، ستكون أشد ضراوة من التي سبقتها. وتوضح الورقة الإسرائيلية أنه بفعل نتائج الحرب في سورية، فإن المواجهة المقبلة قد تكون مغايرة أيضاً لجهة امتدادها إلى مواقع وميادين غير التي عرفتها في العشرين سنة الأخيرة، وبالتالي فإن مصطلح "حرب الشمال الأولى" يهدف لتوصيف مواجهة عسكرية مع لبنان من شأنها أن تمتد لتشمل أيضاً سورية وحتى إيران والعراق (ووفقاً للسيناريو الأكثر تشاؤماً، الساحة الفلسطينية أيضاً).
قوة برية لضمان "الحسم"
يشهد جيش الاحتلال، في السنوات الأخيرة، جدلاً حول دلالات ومعاني الانتصار في المعركة ومفهوم مصطلح "الحسم"، كأحد الملفات الحارقة التي ثارت في إسرائيل في تقييمها للعدوان الأخير على قطاع غزة عام 2014 "الجرف الصامد"، وهل أن الحسم والانتصار "الواضح" الذي ميّز الحروب السابقة يمكن تكراره في الحروب المقبلة. ويرتبط هذا الجدل باستراتيجية الجيش الأخيرة التي وضعها أيزنكوت، وتقوم على الاستعداد في حرب مقبلة لضربات قوية تدمج ضربات من عدة أسلحة، مع أولوية لضربات ثقيلة من الجو، لكن مصحوبة بحرب برية، مع وجوب تحديد ما هو مطلوب من الجيش في الحرب المقبلة. وبالتالي ينبغي مواصلة بحث وفحص ادعاءات مفوض شكاوى الجنود، الجنرال احتياط يتسحاق بريك، الذي قرر في تقرير رسمي أن الجيش ليس جاهزاً للحرب المقبلة، لا سيما ما يتعلق بوضع سلاح المدفعية والمدرعات، وبالتالي على كوخافي أن يحدد ما هو المطلوب من الجيوش البرية، وفحص جهوزية الأسلحة والعتاد.
مواجهة "حماس"
سيكون هذا الملف الأكثر سخونة، فيما ترى ورقة مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي أن حركة "حماس" غير معنية بمواجهة عسكرية. مع ذلك، فإن السنوات الأخيرة شهدت تراجعاً وتآكلاً في قوة الردع الإسرائيلية. وإذا كان هذا غير كافٍ، فسيكون على كوخافي أن يعمل في ظل ضبابية وعدم وضوح في استراتيجية إسرائيل تجاه "حماس"، وهل هذه الاستراتيجية تشمل إسقاط حكم الحركة أم إدارة النزاع معها، في ظل تدهور الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة من جهة، واستمرار الحصار، والانشقاق الفلسطيني الداخلي من جهة ثانية. هذا الوضع يلزم، من وجهة نظر المركز، أن تتوفر لجيش الاحتلال خطة عملياتية تبرر نجاعتها ثمن اعتمادها وتطبيقها في حالة المواجهة العسكرية، وتضمن ردع "حماس" لفترة طويلة، وتمس بالحركة، خصوصاً ذراعها العسكرية.
منع تدهور أوضاع الضفة
تدعو الورقة إلى مواصلة السياسة الحالية، على ضوء حالة الاستقرار في الضفة الغربية المحتلة، ولكن في ظل غياب أفق أو خيار سياسي، فعلى الجيش أن يستعد بأفضل شكل ممكن لإمكانية اهتزاز الأوضاع وانهيار الأوضاع الأمنية. وتوصي الورقة بتجهيز خيار لسيناريو رحيل أو نهاية عهد رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، وما قد يتبع ذلك من حرب وراثة على الحكم في السلطة، قد يصاحبها انهيار منظومة التنسيق الأمني بين قوات الاحتلال والأجهزة الأمنية الفلسطينية.
المحافظة على ثقة الجمهور بالجيش
تزداد أهمية هذا التحدي في ظل المعركة الانتخابية الإسرائيلية، وعدم تورع قادة أحزاب، أبرزهم وزير الأمن السابق أفيغدور ليبرمان، وزعيم حزب "اليمين الجديد" نفتالي بينت، عن مهاجمة قادة الجيش، ولا سيما أيزنكوت، والتشكيك في صدقية اعتباراتهم وقراراتهم، خصوصاً في ما يتعلق بموقف قادة جيش الاحتلال طيلة العام 2018 برفض شن حرب واسعة النطاق على غزة ورفض مقترحات إعادة احتلال القطاع من جديد.
علاقات رئيس الأركان مع مرؤوسيه
يتصل هذا البند بإشكالية العلاقة بين رئيس الأركان وقادة الجيوش والأذرع المختلفة، على خلفية ما يحدده التقرير من نزاعات وخلافات برزت في الماضي خلال معارك وحروب مختلفة حول سبل إدارة المعارك وتنفيذ العمليات القتالية. وهي مسألة لا تتوقف عند البُعد الشخصي لقادة أذرع الجيش وعلاقتهم برئيس الأركان، بل أيضاً بالفجوة القائمة بين رؤيا رئيس الأركان مقابل رؤية قائد كل ذراع، وبالتالي على رئيس الأركان الجديد أن يطلق حواراً مع قادة أذرع الجيش وبلورة بروتوكول عمل للأيام العادية ولحالات الطوارئ.
تحدي ميزانية الجيش
إحدى المهام الرئيسية لرئيس أركان الجيش الإسرائيلي، هي مواصلة بناء قوة الجيش ضمن خطة متعددة السنوات مع ميزانية واضحة المعالم ومعروفة مسبقاً يفترض فيها أن تستبدل في العام 2020 الخطة "غدعون" التي كان أيزنكوت قد أقرها، وشملت أيضاً تقليص مدة الخدمة العسكرية الإلزامية وزيادة أيام التدريبات لقوى الاحتياط. وسيكون على كوخافي الوصول إلى تفاهم مع الحكومة التي يخوّلها القانون المصادقة على هذه الميزانية وتحديد سقفها وضمان استقرارها وحساب قيمتها بشكل ثابت كنسبة معينة من الناتج القومي العام للدولة، وهو أمر بات ممكناً في الوضع الحالي لإسرائيل، يمنع حالات التوتر بين الجيش وباقي الوزارات حول حجم الميزانية.