مؤمن الحديدي: إجهاض المغتصبات حق

14 يناير 2015
شغل الرأي العام بآرائه المخالفة للأعراف (ليندا المعايعة)
+ الخط -
أمضى المدير السابق للمركز الوطني للطب الشرعي، مؤمن الحديدي، أكثر من 34 عاماً من حياته في مشرحة مستشفى البشير الحكومي. بدأ عمله كطبيب وتدرّج في المناصب حتى صار مديراً. تجدر الإشارة إلى أن عدد الأطباء الشرعيين في البلاد لا يتجاوز الثلاثين.

يصف الجثة في غرفة التشريح بـ"الصندوق الأسود". يقول إن هذا الصندوق يتيح لنا الوقوف على الحقيقة وإنصاف الضحية، علماً أن عمله لا يقتصر على تشريح الجثث، بل يشمل إجراء فحوصات شرعية لضحايا جرائم الشرف والاغتصاب وفقدان العذرية. شغل الرأي العام مراراً من خلال آرائه ومواقفه التي تخالف الأعراف الاجتماعية والعادات والتقاليد، من خلال دفاعه عن حق الإجهاض في العديد من القضايا، ورفضه الحكم على عذرية الفتاة من خلال غشاء البكارة. للاطلاع أكثر على مواقفه، حاورت "العربي الجديد" الحديدي.

كيف تقيّم عملك في الطب الشرعي بعد أكثر من 34 عاماً في المهنة؟
أعتقد أنني خلال السنوات الماضية وحتى اليوم، ساهمت في تحقيق العدالة. هذا التخصص لا يقرب منه كثير من الأطباء، وخصوصاً أنه لا يحقق لهم ثروة بل العدالة. يتحول من مهنة إلى إيمان من قبل العاملين فيه، بدورهم في تحقيق العدالة الجنائية.

ما هو موقفك من تزايد الإقبال على فحص البكارة؟
فحص البكارة، في حال كان لغايات إثبات حق الفتاة بالاعتداء عليها، أو بناءً على واقعة اغتصاب، أو حدوث علاقة غير مرغوبة من قبل الفتاة، يكون مهمّاً للغاية بهدف إثبات حدوث واقعة جنائية بحق الفتاة. لا أوافق على الفحص لأسباب أخرى، لأنه بمثابة إهانة للفتاة، بالإضافة إلى التعامل معها ومع جسدها بشكل لا يليق بقدسيتها.

كنت وما زلت أرفض إجراء فحص العذرية الذي تطلبه العائلات لغايات اجتماعية هدفها إثبات العذرية نتيجة وجود شكوك. حتى أن القضاء يرفض إجراء هذه الفحوص. وأخيراً، بدأت تظهر أنواع من السلوك مرفوضة من قبل أشخاص يراجعون أطباء شرعيين لفحص عذرية لاجئات سوريات تحت مبرر رغبتهم بالزواج منهن، ما أضعه تحت خانة الاتجار بالبشر.

لكن هناك إقبال على إجراء هذه الفحوصات، وخصوصاً في حال وقوع حوادث؟
صحيح. أحياناً نقوم بإجراء فحص البكارة لفتيات صغيرات في حال تعرضن لحوادث أو وقعت أجسام مدببة عليهن. هنا يكون الفحص بهدف طمأنة الأهل من دون طلب قضائي. هذا الفحص مبرر حتى يتم إثبات تعرض الفتاة لحادث أدى إلى فقدان غشاء البكارة بهدف حمايتها اجتماعياً في المستقبل في ظل الأعراف السائدة.

هل ترى أن الأطباء النسائيين قادرون على إجراء فحص العذرية، في ظل الإقبال عليه من قبل الراغبين بإجراء هذا الفحص، بخاصة بعد رفض الأطباء الشرعيين الأمر؟
خبرة هؤلاء الأطباء عظيمة لكنها في معظمها ترتبط بفحص الفتاة بعد الزواج، بالإضافة إلى الحمل والولادة. أما فحص غشاء البكارة ليس ضمن مهامهم. فالخبرة في هذا المجال تكون أكبر بكثير لدى أطباء الطب الشرعي.

تؤيد إجهاض المغتصبات منذ زمن. هل تسبب لك هذا الموقف بمشاكل؟
الإجهاض حق إنساني أدافع عنه منذ أكثر من 20 عاماً. لطالما انتُقدت بسبب موقفي هذا. لكنني اليوم أشعر بفرح بعدما صدرت فتوى من قبل دائرة الإفتاء حديثاً سمحت بإجهاض الفتاة المغتصبة. الحمل في حادثة الاغتصاب يكون فاسداً ويؤدي إلى ولادة شخص سيمر بظروف صعبة جداً، وينتهي برفض اجتماعي ومعاناة مستمرة. موقفي لا يتعارض مع الدين.

بحسب الدين، تلج الروح بالجسد بعد فترة لا تقل عن ثمانية أسابيع. في هذه المرحلة، يكون الجسد بلا روح. لذلك يمكن إنهاء الحمل وإزالة أثر الفعل الفاسد.

الإجهاض موضوع يتداخل فيه الطب والرأي الديني والواقع الاجتماعي. يجب أن يتفق جميع أطراف المعادلة على مناقشته بموضوعية وفي إطار الأخلاق والدين وصحة الأم الحامل، التي قد تتدهور صحتها إذا كان الحمل يضر بها من الناحية النفسية، وقد يؤدي إلى إصابة الجنين بتشوهات.

ما هو موقفك من إزالة الأهل أرحام بناتهم المعوقات خوفاً من حملهن في حال تعرضن للاغتصاب؟
أنا أؤيد إزالة الأرحام. الرحم عضو مهم ووظيفته الرئيسية الحمل وليس له وظيفة ثانية. إذا كان عمر الفتاة العقلي يتفاوت مع عمرها الجسدي بشكل واضح، تكون غير قادرة على فهم وظيفة الأمومة والرضاعة والتربية والرعاية. في هذه الحالة، يفقد مفهوم الحمل والولادة المعنى الحقيقي نظراً لإمكانية حدوث علاقات جنسية غير صحيحة قد تؤدي إلى حمل.

لكن هناك مَن يرفض الأمر كونه يتنافى مع حقوق الإنسان؟
حقوق الإنسان مقدسة. وحق الفتاة في هذه الحالة يتمثل بحمايتها من الدخول في مشاكل سلبية قد لا تكون قادرة على التعامل معها. أقترح على من يتحدثون عن حقوق الإنسان العمل على إنشاء منظمات غير حكومية أهلية تساند مثل هذه الحالات وتقدم لهن ولأسرهن الرعاية.

كيف تنظر إلى الجرائم المرتكبة بدعوى الشرف؟
جرائم الشرف مصطلح بائس كونه يعطي القاتل مبرراً قبل محاكمته. يجب نزع ثوب الشرف عن مثل هذه الجرائم المرتبطة بدوافع تسمى الدفاع عن الشرف. بحسب الإحصائيات، قد يصل عدد الجرائم إلى 25 سنوياً، وتكون الضحايا دائماً نساء. خلال عملي عاينت العديد من الضحايا اللواتي قتلن تحت مبرر الدفاع عن الشرف، وكن عذراوات، وهذا أمر مؤسف.

تناهض عقوبة الإعدام علماً أنك كنت حاضراً في العديد من الإعدامات. كيف ذلك؟
أرفض عقوبة الإعدام وأرى أنه يجب حذف هذه العقوبة من القوانين وليس الاكتفاء بتعطيل تنفيذها. فمجرد تعطيل تنفيذها يتيح إعادتها في أي وقت. نشهد اليوم ضغوطاً من أجل إعادة تنفيذ العقوبة. لكن على الرغم من قناعتي هذه، وجدت نفسي خلال عملي أشارك بحضور العديد من عمليات الإعدام كطبيب شرعي. كان واجبي خلال حضوري لأكثر من 50 عملية إعدام لإعلان الوفاة، أن أخفف من ألم المحكوم عليهم خلال تنفيذ العقوبة.
المساهمون