مؤتمر الرياض اليمني.. الخيار العسكري

22 مايو 2015
+ الخط -
تعرف النخب اليمنية، قوى سياسية ومشايخ قبائل ورجال دين وقيادات عسكرية، الطريق إلى العاصمة السعودية الذي لطالما قطعوه في محطات صراعاتهم المختلفة، إما لترتيب أوضاعهم في الساحة السياسية اليمنية، أو لتكون منفى اختيارياً، إذا تعذر إعادة إنتاجهم مرة أخرى في اليمن؛ في مفارقة تاريخية، بعد انقلاب جماعة الحوثي على السلطة الشرعية في صنعاء، أصبحت الرياض المدينة المضيفة للرئيس اليمني، عبدربه منصور هادي، ومن بعده الحكومة اليمنية وممثلي الأطراف السياسية اليمنية، وجميعهم، كما بدا من مخرجات المؤتمر، يلتزمون بشكل صارم بقواعد الضيافة. 
قواعد المُضيف السعودي وإرشاداته كانت حاضرة في أدبيات المؤتمر اليمني في الرياض، المؤتمر الذي تحول بقدرة قادر من حوار يمني، كما أعلنت وسائل الإعلام التي غطت فعالياته، إلى مؤتمر لإنقاذ اليمن، شارك فيه أكثر من 400 شخصية يمنية. ويكفي قراءة ديباجة "البيان الختامي" وسياقات "وثيقة إعلان الرياض" لتؤكد على وجهة نظر الخارجية السعودية المنقذة للشرعية اليمنية، وقرارها حسم الصراع الإقليمي الدائر في اليمن، والاستفادة من الأزمة اليمنية إلى أبعد حد؛ لتصبح هذه المدينة المضيفة ليس فقط مكاناً انطلقت منه عاصفتا "الحزم" و"الأمل"، بل ومحوراً رئيساً في جبهة سياسية وعسكرية وقبلية يمنية، تنطلق من أراضيها، جبهة تتجاوز المؤيدين لشرعية الرئيس هادي إلى شخصيات عسكرية وقبلية مدعومة من السعودية، كانت جزءا من فساد المرحلة الانتقالية في اليمن وتشوهاتها، وستصبح جزءاً من ترتيبات الصراع العسكري على الأرض اليمنية التي ستشهد تحولاً حقيقياً في الأيام والأسابيع المقبلة، إضافة إلى ضبابية مشروع "اليمن الاتحادي الجديد" وخطره، وهو الذي سوق له أطراف حوار "موفمبيك" ثم المشاركون في مؤتمر الرياض، كمشروع تفكيك لا علاقة له بمستقبل أفضل للدولة اليمنية، وإنما بحاضر وماض يمني حافل بالمرارة.
أكدت وثيقة إعلان الرياض تأييد الرياض وتبنيها الكامل "عاصفة الحزم" وعملية "إعادة الأمل" العسكريتين، والتمسك بشرعية هادي، وإنهاء مرحلة الانقلاب عسكرياً، عبر مد المقاومة الشعبية بالسلاح، والشروع في بناء قوات يمنية لاستعادة الدولة اليمنية من الحوثيين، ومطالبة مجلس الأمن بتنفيذ القرار 2216 وإعادة صعدة إلى ما قبل 2004، ومعالجة القضية الجنوبية وغيرها من النقاط التي جرى تناولها فقط بما ينسجم مع حالة الحربين، الداخلية والخارجية، التي يعيشها اليمن، وتعلن صياغتها عن تدشين مرحلة جديدة في هذه الحرب المزدوجة، كما تلقي ضوءاً على السياق السياسي والعسكري الذي سيشهده اليمن في المرحلة المقبلة، والتي يبدو أنها ستشهد مزيداً من التصعيد. في ظل انسداد الأفق السياسي اليمني والحرب التي حوّلت الحياة في اليمن إلى مأساة إنسانية حقيقية، كان متوقعاً، ومرجواً، أن تتحلى القوى السياسية اليمنية المشاركة في مؤتمر الرياض بالحكمة، وتنتصر للسياسي على العسكري، عبر إنتاجها مشروعاً وطنياً واضحاً، أو محددات وطنية تنهي حالة الانقسام والاحتراب المجتمعي الحادث في اليمن اليوم، لا أن تذهب، حتى النهاية، مع جنون جماعة عصبوية منغلقة، والانتقال إلى مربع السلاح الذي تفوقت به الجماعة عليهم، وأدخل البلاد في مقامرة سياسية سيئة العواقب على الجميع.
انتصار الخيار العسكري على الخيار السياسي في حل الأزمة اليمنية، هو أهم ما في وثيقة إعلان الرياض. وتقوم آلية الحسم العسكري الذي اتخذه الرئيس هادي من شقين عسكريين، الداخلي: دعم المقاومة الشعبية المسلحة في مختلف المناطق، خصوصاً عدن وتعز، وفتح جبهات جديدة مع شيوخ القبائل والأحزاب التي تملك مليشيات مسلحة لمواجهة الحوثيين وقوات صالح. وشق خارجي عبر إقناع مجلس الأمن بإرسال قوات عسكرية، مع استمرار قصف قوات التحالف السعودي على اليمن. المفزع من هذا الإجراء ليس رغبة الرئيس هادي ومؤيديه الذهاب حتى النهاية في الخيار العسكري، وإنما ما سيترتب من آثار كارثية مستقبلية على إنشاء جيش يمني مؤيد للشرعية، من دون خطة ومعايير واضحة، وضم المقاومة، التي تختلف تركيبتها الأيدولوجية والاجتماعية من منطقة إلى أخرى، إلى صفوفه، ومعالجة مشكلة الجيش اليمني، عبر تكريس أسباب المشكلة، ليظل الجيش خاضعاً لولاءات دون الوطنية (سياسية وقبلية ومناطقية ودينية). كما أن الخيار العسكري الذي اتخذه مؤتمر الرياض وآلية تكوين الجيش تدفع إلى التخوف من استنساخ جبهة صالح والحوثيين التجربة العراقية، ونشوء نواة داعش من قيادات عسكرية من حزب البعث، تم تسريحها، خصوصاً مع عدم قدرة الأطراف السياسية اليمنية والدولية على تحييد قوات الجيش اليمني الموالية حتى الآن لصالح، والمدافعة عنه، ما سيدخل اليمن في دورة احتراب أكثر عنفاً وشمولية.
 
بموازاة الحل العسكري الذي أعلنته وثيقة الرياض، يبدو الحل السياسي بدون ملامح واضحة، سوى بالتطرق إلى المرجعيات المحلية والدولية في حل النزاع اليمني التي ترفضها جماعة الحوثي. كما أن التطرق إلى حل القضية الجنوبية عبر تنفيذ النقاط العشرين والنقاط الإحدى عشرة، التي أعاق الرئيس هادي نفسه تنفيذها، والتأكيد، بعبارة غائمة وحمالة أوجه، على "حق الجنوب في تقرير مكانته السياسية"، يشير إلى عدم جدية المؤتمرين في الرياض في موضوع القضية الجنوبية، وتأطيره وفق هذا الاختزال، ليس سوى لاسترضاء القيادات الجنوبية المشاركة في مؤتمر الرياض، والمؤيدة للتدخل العسكري الخارجي في اليمن، ولا يمكن للخفة السياسية والصيغة الناتجة عنها تقديم حل واضح للقضية الجنوبية التي يتم ترحيلها في كل حوار يمني.
اللافت أيضاً في وثيقة إعلان الرياض ما يردده مؤيدوها عن إلزاميتها للأطراف السياسية اليمنية المشاركة في المؤتمر، لتبدو الفانتازيا اليمنية مربكة لأي متابع؛ كيف ستلتزم الأطراف بالوثيقة، خصوصاً أن بعض الأحزاب المشاركة كان لها موقف من المؤتمر؟ ومن الذي سيلزمها في غياب السلطة الشرعية في اليمن؟ وإذا لم تلتزم بهذه الوثيقة، فما هي الضمانات وإجراءات الردع للأطراف غير الملتزمة؟ أسئلة كثيرة لا يجيب عليها الإعلام المحتفي بوثيقة الرياض. وبالتغاضي عن حالة الإرباك التي خلفها التهليل في موكب مؤتمر الرياض، فإن الوثيقة الصادرة عنه تشبه تركيبة المؤتمر وأولوياته العسكرية، لكنها لا تشبه، بأي حال، إمكانية لإيقاف حرب جائرة على اليمنيين، فالوثيقة بيان أخلاقي لجبهة سياسية وعسكرية وقبلية يمنية، تحاول التماسك، على الرغم من التناقضات الجوهرية بينها، جبهة مدعومة من الرياض التي تأمل أن تظل جبهتها عاملاً سياسياً حاسماً في مفاوضات جنيف، لكن بلا مشروع حقيقي لن يصمد أحد، والانتصار بالخيار العسكري ممكن ويحتمل الفشل، فكل شيء يرتبط بتحولات المعارك على الأرض.
لا يبدو أن مؤتمر إنقاذ اليمن في الرياض عُقد لإنقاذ اليمنيين من مليشيات الحوثي وقوات الجيش الموالية لصالح، ولا لإنقاذهم من حرب تبدو اليوم مفتوحة على جبهات كثيرة، وإنما لإنقاذ شرعية الرئيس هادي، ومحاولات تثبيت هذه الشرعية في الأرض اليمنية. لا شيء في وثيقة إعلان الرياض يدل على أنها لإنهاء الحرب الداخلية في اليمن، وهي، بامتياز، إخراج كتابي وإعلامي لبنية سياسية وأخلاقية لأحد طرفي الصراع اليمني، طرف يعلن، هو الآخر، أنه سيخوض حربه الخاصة حتى النهاية، في حين يبقى اليمنيون شاهدين على هذا الدمار الذي يخلفه طرفا الصراع وبلا خجل.