05 نوفمبر 2024
مآل التصعيد الأميركي ضد إيران
منذ دشّن المرشح الجمهوري حملته الدعائية لانتخابات الرئاسة الأميركية، أوائل العام الماضي، حافظ دونالد ترامب على وتيرة متصاعدة من الحرب الكلامية الضارية ضد إيران، وظل يكيل لها الاتهامات من دون توقف، متخذاً من الاتفاق النووي الذي وقعه الرئيس باراك أوباما منصة للوعيد والتهديد، حيث التزم، مراراً وتكراراً، أمام ناخبيه، بتمزيق ما وصفه رجل العقارات بأنه أسوأ اتفاق وقعت عليه الولايات المتحدة، وهو أمر لم يفعله على أي حال، حتى بعد أن صار رئيساً، ومضى على تسلمه دفة السياسة الأميركية أكثر من عشرة أشهر، لم يخفف خلالها الرجل من حدة التصعيد الكلامي.
قبل نحو ثلاثة أسابيع، ارتقى الرئيس الأميركي درجة أعلى من ذي قبل على سلم التصعيد المتواصل مع إيران، لدى امتناعه عن تجديد المصادقة الدورية على الاتفاق النووي، وإعلانه، في الوقت نفسه، عن استراتيجية شاملة، لمعاقبة الجمهورية الإسلامية على زعزعتها أمن دول الجوار، ورعايتها الإرهاب، ناهيك عن عدم التزامها بروح الاتفاق الذي ألقى عبء تمزيقه، هذه المرة، على عاتق الكونغرس بمجلسيه، وأحال على وزارة الخزينة الأميركية، وليس على وزارة الخارجية، مهمة فرض عقوبات صارمة على الحرس الثوري، المناط به تصدير حماية الثورة داخلياً، وتصديرها إلى العالم الإسلامي.
ولم يمض سوى نحو أسبوعين، حتى استجاب مجلس النواب الأميركي لسياسة ترامب
التصعيدية هذه، بفرض سلسلة جديدة من العقوبات الإضافية على إيران، وعلى ذراعها الأطول في المنطقة العربية، أي حزب الله، كخطوة تمهيدية لعرض قانون العقوبات هذا على مجلس الشيوخ، ثمّ التوقيع عليه من جانب الرئيس الذي سبق له أن وضع، في قمة الرياض العربية الإسلامية في الربيع الماضي، أسس حلف إقليمي واسع، لمناهضة توسع إيران في المنطقة، ولم يتردّد الرئيس المتحمس، ومن على منصة هذا المؤتمر، في قصف نظام الولي الفقيه بمدفعيةٍ كلاميةٍ من عيار ثقيل، أطربت أسماع القادة المؤتمرين.
نحن، إذن، أمام خط بياني صاعد، يفضي إلى شحن الأجواء المكفهرة بين طهران وواشنطن بمزيد من التوتر الأمني والاحتدام السياسي، وينذر بتفاقم الأمور مع مرور الوقت، ويهدّد بانفلات الموقف عند أول حادثٍ قد يُساء فهمه من جانب أحد الطرفين المتجابهين بالوكالة حتى الآن، لا سيما وأن هذا التصعيد المنهجي يدفع إيران إلى الزاوية الضيقة، ويلقي في وجهها تحديا لا قبل لها بتجاهله، وهي التي ظلت تقدم نفسها، ثلاثة عقود حافلة بقبول كل التحديات، أنها أهل للوقوف في وجه الشيطان الأكبر، من دون أن ترتعد فرائصها أو تلين لها قناة، الأمر الذي لا مفر معه من الحفاظ على هذه الصورة التي لا تليق إلا بجمهورية آيات الله.
وعليه، يصبح السؤال عن مآل هذا التصعيد المتفاقم مطروحاً منذ الآن، خصوصاً عندما تلقي العقوبات الوشيكة ظلالها السلبية على البرنامج الصاروخي، وتتوالى تداعياتها على بنية الحرس الثوري، وعلى اقتصادٍ يتوق للخلاص من جملة العقوبات القديمة، ويتطلع إلى الشراكة مع دول الغرب، للحاق بما فاته من فرص نمو وازدهار، فإذا به يتعرّض لموجة عقوبات جديدة، من شأنها أن تردع الشركات الأوروبية عن عقد أي صفقاتٍ مع إيران، وأن تعيد وتائره إلى المربع الذي كان يقف فيه بصعوبة شديدة على حافة الانهيار، عشية التوقيع على الاتفاق النووي في يوليو/ تموز عام 2015.
وباعتبار أن لكل أزمة دولية منطقها الخاص بها، وهو منطقٌ لا يمكن فهمه بصورة أوتوماتيكية، ولا تخضع قوانينه، أو مخرجاته، للقياس سلفاً، فإن ما قد يتطور في مجرى هذه الأزمة المفتوحة على أشد الاحتمالات خطورة، سوف تتحكّم به الصور المتبادلة، والادعاءات المتقلبة، والمزاعم والمبالغات والمخاوف المتناظرة، على نحو أكثر من كل ما له صلة بقواعد اللعبة السياسية، ومخاطر المواجهة المحسوبة، ومحاذير الوقوف على الحافّة السحيقة، الأمر الذي يعني أن الطرفين، أو أحدهما على الأقل، سوف يجد نفسه أسيراً لصورته عن نفسه، وسجيناً لإنذاراته وتحذيراته، وعبداً مطيعاً لخطابه الرائج عن مضائه وعنفوانه وقوة شكيمته.
على هذه الخلفية، فإن المآل المرجح لهذا التصعيد الكلامي هو النهاية الحتمية لكل تصعيد مماثل بين جانبين مدجّجين بالكراهية المتبادلة، ومحتاجين إلى تسوية الحسابات المؤجلة، ولا تعوزهما الرغبة أو الذرائع لتقويض صورة الآخر، وزعزعة مكانته، إن لم نقل إفشاله على هذا النحو أو ذلك، إن لم يمل أحد الجانبين أو كلاهما إلى اختبار طريق الدبلوماسية، وتسوية الأمور الخلافية عبر وساطة طرف ثالث، وهو ما لا يبدو أن إدارة دونالد ترامب المتجهمة المزاج في وارد اللجوء إليه حتى الآن، لا سيما وأنها تعيب على الإدارة السابقة اتباع سياسة مهادنة مع إيران.
في خضم هذه المعركة الكلامية الملتهبة، كان لافتاً إحياء إدارة ترامب، قبل أيام، الذكرى الـ34 لتدمير مقر المارينز ونسف مبنى السفارة الأميركية في بيروت، على يد حزب الله، وهو أمر لم
تقم به أي من الإدارات الأميركية المتعاقبة، الأمر الذي يعطي مؤشراً أولياً على ما قد يكون لدى الولايات المتحدة من نوايا انتقامية ضد أحد أهم الأذرع الإيرانية على الإطلاق، وينذر ببداية تحول في سياسة أميركا الشرق أوسطية، بعد طول انكفاءٍ استثمرته إيران أحسن استثمار.
قد لا يكون هذا المؤشر كافياً للحكم على ما لدى إدارة ترامب من خطط في طور الإعداد لمواجهة إيران في المدى المنظور، غير أن حزب الله، الذي قد يكون في حاجةٍ إلى خوض معركة محدودة، لترميم صورته واستعادة سمعته المدمرة في حربه ضد الشعب السوري، هو أكثر أذرع إيران تلهفاً لمثل هذه المعركة، سواء ضد بعض المصالح الأميركية، بما في ذلك القوة الأميركية في سورية، أو ضد إسرائيل حليف أميركا الأول في المنطقة، الأمر الذي يرشّح جنوب لبنان وهضبة الجولان مسرحا لأول رد إيراني محتمل على هذا التصعيد المقدّر له أن ينفجر في مكان ما.
إزاء ذلك كله، فإن المآل الأخير لهذه الحرب الكلامية المتبادلة بين الولايات المتحدة وإيران لن يخرج عن بديل واحد من بديلين؛ الأول أن تبادر إيران، عبر أحد أذرعها الممتدة من اليمن إلى سورية والعراق ولبنان، إلى معركة استباقية، وبالوكالة حتماً، ضد أي من المصالح أو القواعد الأميركية في هذه المنطقة، أو أن تشرع القوات الأميركية ذاتها باستهداف أي من المليشيات الشيعية، خصوصاً في سورية، مقدمةً لإحماء أجواء مواجهة أوسع مع الحرس الثوري نفسه.
قبل نحو ثلاثة أسابيع، ارتقى الرئيس الأميركي درجة أعلى من ذي قبل على سلم التصعيد المتواصل مع إيران، لدى امتناعه عن تجديد المصادقة الدورية على الاتفاق النووي، وإعلانه، في الوقت نفسه، عن استراتيجية شاملة، لمعاقبة الجمهورية الإسلامية على زعزعتها أمن دول الجوار، ورعايتها الإرهاب، ناهيك عن عدم التزامها بروح الاتفاق الذي ألقى عبء تمزيقه، هذه المرة، على عاتق الكونغرس بمجلسيه، وأحال على وزارة الخزينة الأميركية، وليس على وزارة الخارجية، مهمة فرض عقوبات صارمة على الحرس الثوري، المناط به تصدير حماية الثورة داخلياً، وتصديرها إلى العالم الإسلامي.
ولم يمض سوى نحو أسبوعين، حتى استجاب مجلس النواب الأميركي لسياسة ترامب
نحن، إذن، أمام خط بياني صاعد، يفضي إلى شحن الأجواء المكفهرة بين طهران وواشنطن بمزيد من التوتر الأمني والاحتدام السياسي، وينذر بتفاقم الأمور مع مرور الوقت، ويهدّد بانفلات الموقف عند أول حادثٍ قد يُساء فهمه من جانب أحد الطرفين المتجابهين بالوكالة حتى الآن، لا سيما وأن هذا التصعيد المنهجي يدفع إيران إلى الزاوية الضيقة، ويلقي في وجهها تحديا لا قبل لها بتجاهله، وهي التي ظلت تقدم نفسها، ثلاثة عقود حافلة بقبول كل التحديات، أنها أهل للوقوف في وجه الشيطان الأكبر، من دون أن ترتعد فرائصها أو تلين لها قناة، الأمر الذي لا مفر معه من الحفاظ على هذه الصورة التي لا تليق إلا بجمهورية آيات الله.
وعليه، يصبح السؤال عن مآل هذا التصعيد المتفاقم مطروحاً منذ الآن، خصوصاً عندما تلقي العقوبات الوشيكة ظلالها السلبية على البرنامج الصاروخي، وتتوالى تداعياتها على بنية الحرس الثوري، وعلى اقتصادٍ يتوق للخلاص من جملة العقوبات القديمة، ويتطلع إلى الشراكة مع دول الغرب، للحاق بما فاته من فرص نمو وازدهار، فإذا به يتعرّض لموجة عقوبات جديدة، من شأنها أن تردع الشركات الأوروبية عن عقد أي صفقاتٍ مع إيران، وأن تعيد وتائره إلى المربع الذي كان يقف فيه بصعوبة شديدة على حافة الانهيار، عشية التوقيع على الاتفاق النووي في يوليو/ تموز عام 2015.
وباعتبار أن لكل أزمة دولية منطقها الخاص بها، وهو منطقٌ لا يمكن فهمه بصورة أوتوماتيكية، ولا تخضع قوانينه، أو مخرجاته، للقياس سلفاً، فإن ما قد يتطور في مجرى هذه الأزمة المفتوحة على أشد الاحتمالات خطورة، سوف تتحكّم به الصور المتبادلة، والادعاءات المتقلبة، والمزاعم والمبالغات والمخاوف المتناظرة، على نحو أكثر من كل ما له صلة بقواعد اللعبة السياسية، ومخاطر المواجهة المحسوبة، ومحاذير الوقوف على الحافّة السحيقة، الأمر الذي يعني أن الطرفين، أو أحدهما على الأقل، سوف يجد نفسه أسيراً لصورته عن نفسه، وسجيناً لإنذاراته وتحذيراته، وعبداً مطيعاً لخطابه الرائج عن مضائه وعنفوانه وقوة شكيمته.
على هذه الخلفية، فإن المآل المرجح لهذا التصعيد الكلامي هو النهاية الحتمية لكل تصعيد مماثل بين جانبين مدجّجين بالكراهية المتبادلة، ومحتاجين إلى تسوية الحسابات المؤجلة، ولا تعوزهما الرغبة أو الذرائع لتقويض صورة الآخر، وزعزعة مكانته، إن لم نقل إفشاله على هذا النحو أو ذلك، إن لم يمل أحد الجانبين أو كلاهما إلى اختبار طريق الدبلوماسية، وتسوية الأمور الخلافية عبر وساطة طرف ثالث، وهو ما لا يبدو أن إدارة دونالد ترامب المتجهمة المزاج في وارد اللجوء إليه حتى الآن، لا سيما وأنها تعيب على الإدارة السابقة اتباع سياسة مهادنة مع إيران.
في خضم هذه المعركة الكلامية الملتهبة، كان لافتاً إحياء إدارة ترامب، قبل أيام، الذكرى الـ34 لتدمير مقر المارينز ونسف مبنى السفارة الأميركية في بيروت، على يد حزب الله، وهو أمر لم
قد لا يكون هذا المؤشر كافياً للحكم على ما لدى إدارة ترامب من خطط في طور الإعداد لمواجهة إيران في المدى المنظور، غير أن حزب الله، الذي قد يكون في حاجةٍ إلى خوض معركة محدودة، لترميم صورته واستعادة سمعته المدمرة في حربه ضد الشعب السوري، هو أكثر أذرع إيران تلهفاً لمثل هذه المعركة، سواء ضد بعض المصالح الأميركية، بما في ذلك القوة الأميركية في سورية، أو ضد إسرائيل حليف أميركا الأول في المنطقة، الأمر الذي يرشّح جنوب لبنان وهضبة الجولان مسرحا لأول رد إيراني محتمل على هذا التصعيد المقدّر له أن ينفجر في مكان ما.
إزاء ذلك كله، فإن المآل الأخير لهذه الحرب الكلامية المتبادلة بين الولايات المتحدة وإيران لن يخرج عن بديل واحد من بديلين؛ الأول أن تبادر إيران، عبر أحد أذرعها الممتدة من اليمن إلى سورية والعراق ولبنان، إلى معركة استباقية، وبالوكالة حتماً، ضد أي من المصالح أو القواعد الأميركية في هذه المنطقة، أو أن تشرع القوات الأميركية ذاتها باستهداف أي من المليشيات الشيعية، خصوصاً في سورية، مقدمةً لإحماء أجواء مواجهة أوسع مع الحرس الثوري نفسه.
دلالات
مقالات أخرى
29 أكتوبر 2024
22 أكتوبر 2024
15 أكتوبر 2024