ليس كل من يضحك أخيراً يضحك كثيراً

12 نوفمبر 2014

أوباما لم يستطع تسويق خطته للقضاء على داعش (26أغسطس/2013/Getty)

+ الخط -

بين يدي الرئيس الأميركي، باراك أوباما، قصة ملفتة وواضحة، لكنه لا يجيد تسويقها، ويعمد، كلما سنحت له الفرصة، إلى إضفاء مزيد من الغموض والتعقيد عليها، غير عابئ بنصيحة غابرييل غارسيا ماركيز للمبتدئين، أن يتمرّنوا على إضفاء مزيد من الوضوح على ما يريدون تسويقه، وليس مزيداً من الغموض والتعقيد.

هو يعرف، وقد عرف باكراً، أن "غزو العراق سيسعر لهيب الحرائق في الشرق الأوسط، ويشجع أسوأ الدوافع في العالم العربي، ويقوي ذراع مجندي القاعدة"، بحسب ما ذكر في كتابه "جرأة الأمل"، هو لا يريد أن يقر بما تنبأ به، كما لا يريد أن يلقي بالمسؤولية في ظهور "تنظيم الدولة" على سياسات أسلافه، وخصوصاً جورج بوش الذي زعم أن لديه تفويضا من السماء لغزو بلد آمن ومستقر، وارتكابه، وجنوده من "ذوي القبعات الزرق"، فظائع ترقى لأن تكون "جرائم حرب وإبادة"، وقد أثبتوا أنهم "داعشيون"، قبل أن يظهر "داعش". هو لا يريد، أيضاً، أن يتعلم من نصائح جيرانه اللاتينيين، ولا من تجربته في "البيت الأبيض" المليئة بالعثرات، وهو على وشك أن يخلفها وراءه، وفي نفسه شيء من حتى!   

أوباما لم يستطع تسويق خطته للقضاء على داعش، على الرغم من أنه جيّش أكثر من ستين دولة، بصمت بأباهيمها على تحالف يخفي من الأسرار أكثر مما يعلن، وقد ظل مترددا في الكشف عن الأهداف السياسية لخطته، طرح أهدافاً غامضة، ألمَح إلى أنه لا يريد دوراً لإيران، ثم بعث رسالة "غزل" إلى خامنئي، يدعوه فيها إلى شراكة إيرانية-أميركية في مواجهة "داعش"، أرسل 300 عسكري إلى العراق، لتقديم المشورة والتدريب فقط، زاعما أنه لن يرسل قوات قتالية برية، لكنه زاد عدد جنوده إلى أكثر من ثلاثة آلاف، مزودين بمعدات ثقيلة ومتوسطة، وأسلحة مختلفة، ومعدات اتصال، ووحدات دعم لوجستي، ومروحيات قتالية وطائرات نقل، سيحتلون خمس قواعد رئيسية، قصفت طائراته مدناً عراقية، قتلت مدنيين وأحرقت بيوتا، وهجّرت عشرات الألوف، ولم يزل "داعش" حيا! أفشلت قواته خطة لداعش في السيطرة على مطار بغداد، بحسب أحد مساعديه، وآخر نفى الواقعة جملة وتفصيلاً، ثالث انتقد ضعف كفاءة القوات العسكرية العراقية، ورابع أشاد بانتصاراتها! البنتاغون قدر تكلفة الحرب بنحو ثمانية ملايين دولار يومياً، وستبلغ عدة أضعاف عند نشر قوات برية، وخبراء قالوا إن العرب الذين يؤدون دور "الكومبارس" سيدفعون الجزء الأكبر منها، كالعادة!

أنابت صحيفة "نيويورك تايمز" نفسها عن أوباما، وحدّدت هدف خطته بـ"كسر احتلال داعش مناطق في شمال العراق وغربه، والتأسيس لسيطرة حكومية على مدينة الموصل والمراكز السكانية الأخرى، فضلاً عن طرق البلاد الرئيسية، وحدودها مع سورية"، لاحظ "كسر" الاحتلال وليس إنهاءه، و"التأسيس" لسيطرةٍ، وليس ضمان السيطرة. وذكرت أن الخطة تتضمن أيضا "تشكيل قوة مهام خاصة، بقيادة الجنرال جيمس تيري الذي يشرف على القوات المسلحة الأميركية في الشرق الأوسط، من مقر قاعدته في الكويت، وسوف يكون له مقر ثانوي في بغداد، للإشراف على مئات المستشارين والمدربين الأميركيين"، و"سوف تمتد رقعة وجود القوات الأميركية من بغداد وأربيل إلى مناطق أخرى، لتشمل قاعدة عين الأسد الجوية في محافظة الأنبار غرباً، وإلى التاجي شمالي بغداد".

الأخطر، والأخطر يأتينا من أميركا دائماً، أن الخطة تبشرنا بأن "بعض جيوب المقاومة ستبقى"، و"الحرب ستكون طويلة"، وربما لعقود أخرى، وهذا يعني أن علينا أن نستسلم لحكم بالاحتلال المؤبد لبلداننا، وأن نسلم بالقبول بخارطة جديدة للمنطقة، تعطي للقياصرة الكبار ما يريدونه، ولا تترك لعباد الله سوى الفتات!

إنها أشبه بفيلم هوليودي طويل، يكون جاهزاً للعرض، بحسب الصحيفة، نهاية عام 2015، لإعادة العراق إلى المربع الأول الذي ألقي فيه في التاسع من أبريل/نيسان 2003، ولوضع العالم كله تحت مرمى النيران، وآنذاك، ربما يستعيد أوباما في قرارة نفسه وصيته "إذا أردنا أن نجعل أميركا أكثر أماناً وأمناً، فعلينا أن نساعد في جعل العالم أكثر أمنا وأمانا"، لكننا نخشى أن تكون فرصته في تطبيق وصيته قد ضاعت منه إلى الأبد!

آنذاك، أيضا، سوف نكون أمام سيناريو جديد، يصنعه خلف أوباما المنتظر الذي سيكون جمهورياً على أكثر التوقعات، وسوف نشاهد نحن كيف يتغير العالم حولنا، وسوف نضحك كثيراً لرؤية الدمى التي صنعت بطريقة فنية ذكية في مطابخ المخابرات، وهي تتهاوى أمامنا، لتحل محلها دمى جديدة، بمقاسات وميزات أكثر تطوراً، وهذا ما يجعلنا حذرين دائما، فليس كل من يضحك أخيراً، يضحك كثيراً!

583FA63D-7FE6-4F72-ACDD-59AE85C682EB
عبد اللطيف السعدون

كاتب عراقي، ماجستير علاقات دولية من جامعة كالجري – كندا، شغل وظائف إعلامية ودبلوماسية. رأس تحرير مجلة "المثقف العربي" وعمل مدرسا في كلية الاعلام، وشارك في مؤتمرات عربية ودولية. صدر من ترجمته كتاب "مذكرات أمريكيتين في مضارب شمر"