ليبيا في عين الفوضى

13 مارس 2017
+ الخط -
تتضح في المشهد الليبي الآن السمات البنائية للنظام السياسي، والتي كانت بمثابة رافعة لمحاولات اضطلاع القوات المسلحة بالسلطة. يعمل اللواء خليفة حفتر وقواته تحت ستار الثورة، بدوافع سياسية، وليست عسكرية فقط، وقد مثّلت الثورة الفرصة المُستغلّة للحصول على تأييد، وبالتالي الاستيلاء على السلطة. وبتوالي التخطيط المدعوم فرنسياً ونجاحه، بالنظر إلى تعنّت حفتر، ونشاطه وتصويره قوة مقابلة لوهن المؤسسات القائمة، يقول عنها خبير علم الاجتماع العسكري، موريس جانووتز، صاحب الشرح التجريبي في سيطرة الجيش على الحياة المدنية، إنّها هي الظروف المؤثرة على احتمال سقوط بلدٍ ما تحت سيطرة الحكم العسكري، لأنّها تتأطر وتتحدّد وفق آلية الصراع المدني العسكري.
قد تضيع تفاصيل القضية لبلد فيه حكومتان، في طرابلس وفي طبرق، وتدور يومياً في مدن ليبية عديدة مواجهات تُخلّف مئات القتلى منذ يوليو/ تموز 2014. وقد تتهاوى القضية بين المبادرات من دول الجوار الليبي، مصر وتونس، والجزائر. وكانت قبلهما المغرب التي أشرفت على اتفاق الصخيرات في 2015، ويتضمن تشكيل حكومة وحدة وطنية توافقية، واعتبار برلمان طبرق الهيئة التشريعية، وتأسيس مجلس أعلى للدولة ومجلس أعلى للإدارة المحلية وهيئة لإعادة الإعمار وأخرى لصياغة الدستور ومجلس الدفاع والأمن. أما المبادرة التونسية التي وجدت قبولاً عند حفتر، فتتمحور حول: دفع الليبيين، بمختلف توجهاتهم وانتماءاتهم الفكرية والأيديولوجية، إلى الحوار، ورفض أيّ توجهٍ نحو حل عسكري يؤجج الوضع في ليبيا، دفع الفرقاء الليبيين إلى تذليل الخلافات حول تنفيذ اتفاق الصخيرات، ومواصلة دعم دور الأمم المتحدة مظلة أساسية لأيّ حل سياسي.
أما اليأس الدولي من وجود حل للقضية الليبية فينبع من عدة أسباب، تكمن في السباق الدولي بين روسيا وأوروبا والولايات المتحدة، والنظر إلى ما بعد هذه الحالة أياً كانت نتيجتها، للاستفادة من فرص إعادة إعمار ليبيا بصرف المخزون النفطي في حالة الوصول إلى تغيير سياسي. وإذا كان التغيير عسكرياً، فإنّها أيضاً مستفيدة، لأنّ أي نظام عسكري يعمل على تأمين نفسه أولاً بشراء أسلحة بمليارات الدولارات، خصوصا بعد تعرّض الجيش الليبي لتسرب بعض أجزائه واندماجه مع المليشيات. كما تقف معضلة أخرى وراء هذا التوجه متعدّد السيناريوهات، وهي انتشار الأسلحة الثقيلة عند المليشيات الموالية، وتزيد خطورة هذا الوضع من عدم اقتناع الغرب بقدرات اللواء خليفة حفتر العسكرية، ما لا يضمن استتباب الأمن.
وبينما تواجه الحكومة المنبثقة عن اتفاق الصخيرات، برئاسة فايز السراج، صعوبات في بسط نفوذها، للاختلافات بين الليبيين وللعمليات الإرهابية، يرتفع تيرمومتر الهواجس عند وزراء خارجية تونس والجزائر ومصر، وعيون سلطات بلادهم على الحدود المشتركة مع ليبيا، والهاجس الأكبر للبلدان الثلاثة ألّا يكون هناك حل للأزمة الليبية بالتدخل العسكري، داخلياً أو خارجياً. وهنا يبرز التمدّد الروسي في ليبيا، والذي لم تعد أهدافه سرية، خصوصا بعد جرعة القوة التي اكتسبتها روسيا من تدخلها في الحرب السورية، ما يُعدُّ بشكل آخر ملئا للفراغ الأميركي والجهود الفاشلة لأعظم دولة. والمثير أنّ الولايات المتحدة التي تبدو مهزومة في الحرب السورية، بمقاييس القوى الدولية، كان يُتوقع منها أن تأخذ بثأرها في أرض معركة أخرى، إلا أنها تتراجع من أجل وفاقٍ براغماتي مع روسيا. وهو توافق يثير مخاوف الاتحاد الأوروبي، فإذا سيطرت روسيا على الأوضاع الليبية، فذلك سوف يعرقل خطوات حل قضية اللاجئين إلى أوروبا، والتي لا تشكّل أي أهميةٍ لروسيا المشغولة باستعادة دورها في المنطقة. وهذه نقطة الخلاف المحتملة، والتي يمكن أن تؤدي إلى صراع آخر بين القوى الدولية، في ظلّ ضمان روسيا أرض معركتها القادمة، والذي بدأته بالدعم العسكري.
يبدو التفسير الأقرب إلى المنطقي أنه إذا تم تحليل التدخل الروسي في ليبيا باعتبارها منطقة نزاع، نتيجة الانجذاب إلى عدة عناصر، أهمها: إحلال القوة الروسية للقوة الأميركية، ففي تجربة الحرب السورية، دخلت روسيا مكان الخراب الذي أوجدته أميركا. وهناك أيضاً مواجهة التنظيمات المتشدّدة في دولٍ عديدة، ظهرت فيها هذه التنظيمات، ثم البحث الدائب عن الثروات والطاقة تحديداً.
وتقع كل هذه العناصر في إطار تجديد النفوذ السوفييتي بالفرص التي توفرها الولايات المتحدة بشكلٍ يُبدي ضعفها في العقد الأخير متوافقةً مع الدب الروسي، للانقضاض على ضحيةٍ تعاني فوضى الداخل وطمع الخارج.
8615DCBC-E386-43F8-B75E-8FF0C27360A3
منى عبد الفتاح

كاتبة صحفية من السودان. حاصلة على الماجستير في العلوم السياسية. نالت دورات في الصحافة والإعلام من مراكز عربية وعالمية متخصصة. عملت في عدة صحف عربية. حائزة على جائزة الاتحاد الدولي للصحفيين عام 2010، وجائزة العنقاء للمرأة المتميزة عام 2014.