يعرب متابعون للشأن الليبي عن اعتقادهم بأنّ "حوار غدامس سيستمر بمشاركة جميع الأطراف الفاعلة على الأرض"، على أن تنطلق جولاته المقبلة، وفق ما أعلنه المبعوث الأممي إلى ليبيا، برناردينو ليون، عقب الاحتفالات بذكرى ثورة فبراير/شباط.
وكانت جولة غدامس الأخيرة، يوم الأربعاء الماضي، قد عُقدت بمشاركة المؤتمر الوطني العام، للمرة الأولى، بعد جولتين جرتا في جنيف، الشهر الماضي، بمشاركة وفد من مجلس النواب الليبي المنحل، وأعضاء رافضين لحضور جلساته وشخصيات عامة، وسفيري ألمانيا وإيطاليا.
ولم يتأخر كل من ليون، ورئيس لجنة حوار المؤتمر الوطني العام صالح مخزوم، في الإعلان خلال مؤتمرين صحافيين منفصلين، إثر اجتماع غدامس غير التقابلي، عن رغبتهما بالتوصّل إلى "حلّ سياسي ينهي الانقسام السياسي والعسكري الجاريّ".
وتهدف جولات الحوار المقبلة إلى إنهاء المعارك العسكريّة في شرق وغرب ليبيا، وفق ليون الذي يشدّد على ضرورة التوصّل إلى قرارات حقيقيّة وقابلة للتنفيذ على الأرض، في وقت ينقل فيه مخزوم عن المبعوث الأممي استياءه من استمرار القتال الذي تشنه قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر على مدينة بنغازي في شرق ليبيا، ومدن في غرب ليبيا.
ويبدي ليون، وفق مخزوم، حرص الأمم المتحدة على معاملة أطراف الحوار الجاري بالتساوي من الناحة السياسيّة، الأمر الذي يدفع مراقبين للمشهد الليبي إلى الاستنتاج بأنّ ليون يبعث برسالة مفادها، الابتعاد عن تنازع الشرعيّات الناشب بين المؤتمر الوطني العام، ومجلس النواب الليبي المنحلّ في طبرق. ويصرّ مجلس طبرق على التفاوض، باعتباره الممثل الشرعي الوحيد للشعب الليبي، بينما يتمسّك المؤتمر الوطني بجملة من الثوابت، من أهمها احترام حكم الدائرة الدستوريّة في المحكمة العليا، القاضي بحلّ مجلس نواب طبرق.
ويبدو أن المجتمع الدولي يضغط اليوم للتوصّل إلى مخرج لأزمة ليبيا، وهو ما تؤكّده تصريحات سفير المملكة المتحدة في ليبيا مايكل آرون، الذي أكد لقناة ليبية محلية، "تشجيع الحوار المنعقد في جنيف وغدامس"، موضحاً أن "هناك ضغطاً من المجتمع الدولي على الجانبين للتوصّل إلى حلّ سلمي عاجل، قد يكون بتشكيل حكومة وحدة وطنية أو بتحقيق التوافق الوطني".
ويرى المراقبون أنّ جلسة غدامس حقّقت بعض المكاسب للمبعوث الأممي، الذي لا يُعرف على وجه التحديد إن كان سيستمر في مهمته في شهر مارس/آذار المقبل، علماً أنّه من المرجّح استمراره، بعد نجاحه في الجمع للمرة الأولى بين الأطراف الحقيقيّة للأزمة الليبية.
ويرفض بعض أعضاء مجلس النواب الليبي في طبرق المشاركة في الحوار والجلوس إلى طاولة واحدة مع أعضاء من المؤتمر الوطني العام، الذي يعتبرونه منتهي الولاية والصلاحية. وفي هذا الصدد، يبدي عضو مجلس طبرق المنحل يونس فنوش، بحسب تعليقات أوردها على صفحته في موقع "فيسبوك" استغرابه ذهاب أعضاء من المجلس إلى غدامس، رغم تصويت المجلس على قرار في جلسة رسمية، "برفض أي صورة من صور الحوار أو التفاوض مع أي شخص له علاقة بأي شكل بالمؤتمر الوطني المنتهية ولايته".
ويبدو أنّ البعثة الأمميّة، والتي تمكّنت من عقد جلسة حوار غير تقابليّة في غدامس، تسعى لإطلاق مسارات عدّة موازية للحوار السياسي، إذ وجّهت دعوات إلى أحزاب سياسيّة وشخصيّات عامة، لعبت دوراً مؤثراً في مؤسّسات المجتمع المدني، لعقد مشاورات وحوارات في جنيف. ومن بين المدعوين أحزاب "تحالف القوى الوطنية"، و"العدالة والبناء"، و"الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا"، و"الاتحاد من أجل الوطن".
ولم تبد أي من الأحزاب المدعوة لحوار جنيف، مواقف واضحة، عدا حزب تحالف القوى الوطنيّة برئاسة محمود جبريل، الذي يتولى إدارة حزبه من دولة الإمارات العربية المتحدة، منذ أكثر من سنة ونصف السنة. وقال جبريل في مقابلة تلفزيونيّة، إنّ حزبه "لن يشارك في هذه المفاوضات إلا وفق ثوابت، أهمها أن مجلس النواب الليبي هو مرجعيّة قبول ورفض نتائج الحوار"، مشترطاً "اختيار حكومة توافق وطني، تلي برنامج "إنقاذ الوطن"، باعتبار أنّ الأهم "هو الخروج من النفق"، على حدّ تعبيره.
ويحاول الحزب، وفق مقرّبين من حزب تحالف القوى الوطنيّة، الحصول على ضمانات تكفل دوراً لرئيسه (جبريل)، في حكومة التوافق الوطني المقبلة. ورغم إلغاء مجلس النواب المنحل في طبرق قانون العزل السياسي، والذي كان عائقاً أمام تولي جبريل المناصب العليا في الدولة الليبية، لكنّه من غير المتوقع أن يترأس الحكومة المقبلة، ليس نتيجة مواقفه الراديكالية من الحوار الجاري ومحاولة تفخيخه، فحسب، بل بسبب فقدانه الشعبية التي كان يتمتع بها، وتحول جزء كبير من مؤيديه إلى مناصرة حفتر الذي يقود عملية الكرامة من داخل ليبيا.