*ما هو الواقع النفطي في جنوب السودان حاليّاً؟
منذ ديسمبر/كانون الأول 2013 حتى اليوم، مضى عام وشهران تقريباً على اندلاع الحرب الأهلية في دولة جنوب السودان، بعدما نالت استقلالها، أخيراً، عن دولة السودان. وقد تضررت الدولة الوليدة اقتصادياً، بعدما تراجع إنتاج النفط فيها بسبب الحرب من 300 ألف برميل في اليوم، إلى 150 ألف برميل. وتعتمد الحكومة في جوبا على النفط كمورد رئيسي من أجل إدارة عجلة الاقتصاد. ولم يدخل المواطن الجنوبي دائرة الاقتصاد بعد، بسبب الحرب الأهلية المتقطعة التي عاشها ما قبل الانفصال والتي تتجاوز مدتها ربع قرن.
*كيف انعكس هذا الواقع النفطي على مالية الدولة؟
هناك عدة عوامل أثرت في الاقتصاد الجنوبي، بينها تدني الصادرات البترولية الي النصف بسبب الحرب، فضلاً عن انخفاض أسعار النفط عالمياً، الأمر الذي أثر سلباً على الجنوب، خصوصاً وأن الإيرادات البترولية لا يدخل ربحها صافياً إلى خزينة الدولة. فالخرطوم تقتطع 24.1 دولاراً عن كل برميل ينتج ويصدر إلى الخارج، وذلك إلى جانب تكلفة البترول وفوائد الشركات وأرباحها، الأمر الذي قلل من الجدوى الاقتصادية للنفط، وأثر على خزينة الدولة وعلى الاقتصاد والوضع المالي بشكل عام. واعتقد أنه في حال استمرار الوضع كما هو عليه قد تلجأ جوبا إلى إيقاف إنتاج النفط نظراً لكونه يلحق الخسائر بالاقتصاد بدلاً من الأرباح.
*كيف يتأثر المواطن السوداني البسيط من هذه الأزمة؟ وهل من تداعيات اجتماعية أصبحت ملحوظة؟
صحيح أن المواطن الجنوبي لم يدخل في دائرة الاقتصاد بشكل كامل، باعتبار أن جنوب السودان دولة حديثة التكوين، لكن الحرب الأخيرة أثرت سلباً على أوضاعه المعيشية والحياتية بطبيعة الحال. فقد بدأت حالات سوء التغذية تظهر وسط الأطفال، وبدأت دائرة الفقر تتسع أكثر بين السكان عموماً، بسبب موجة النزوح الكبيرة.
كذلك، هجر بعض المزارعين القطاع الذي يعتبر محركاً اقتصادياً وتوظيفياً مهماً. وكذا، فإن القطاع العام يعتمد اعتماداً كلياً على إيرادات النفط، ومع تراجع الايرادات النفطية بشكل كبير، انعكس ذلك مباشرة على قدرة الدولة على توفير الرواتب لموظفيها، إذ يوجد موظفون لم يتقاضوا أجورهم منذ شهر وآخرون منذ شهرين.
عموماً، يمكن لكل من يتجول في شوارع جنوب السودان أن يلحظ الأزمة الاجتماعية على وجوه المواطنين، وأن يدرك حجم الضغط الاقتصادي الذي يعانون منه. كما أن معظم الموجودين في جنون السودان لديهم عائلات خارج حدود الوطن، إما للعلاج أو الدراسة أو بسبب الأزمة الاقتصادية التي دفعتهم الى الهجرة بحثاً عن مصدر الرزق. وهذا الواقع يؤثر كثيراً على القاطنين في جنوب السودان، وفي ظل غياب السلام يمكن أن يكون لهذه المشكلات الاجتماعية انعكاسات سياسية خلال الفترة المقبلة.
دراسة تفصيلية عن الحرب
*ساهمت، أخيراً، في إعداد دراسة عن الكلفة الاقتصادية للحرب الدائرة في جنوب السودان، وامتداد الآثار الى الدول المجاورة، ما هي المحاور الأساسية التي تطرقتم إليها؟
أعدت ثلاثة مراكز محلية ودولية وإقليمية وهيئات استشارية اقتصادية رائدة في أوروبا، دراسة مفصلة تناولت خلالها التكلفة الاقتصادية للحرب في دولة جنوب السودان، بمشاركة مركز دراسات السلام في جنوب السودان. ووضعت الدراسة عدة سيناريوهات للوضع، وتطرقت إلى التكلفة التي ستقع على دول الجوار الجنوبي، ولاسيما دولتي السودان وأوغندا، فضلاً عن المجتمع الدولي.
الهدف من الدراسة، هو تقييم تكلفة الحرب وتأكيد أهمية السلام، لأن أهداف المركز الأساسية تشجع وتنمي السلام. وركزت الدراسة على أن تكاليف الحرب ستتحملها ثلاثة أطراف، دولة الجنوب أولاً، ودول الجوار ثانياً، والمجتمع الدولي ثالثاً. اعتمد مركز دراسات السلام، الذي أديره، في الدراسة على تقديرات البنك الدولي، وتقديرات اقتصادية أخرى محلية وعالمية، ودراسات مشابهة في هذا المجال، فضلاً عن ورش وندوات أعدت بشكل خاص للتقييم وإظهار الأرقام الحقيقية المتعلقة بهذه القضية.
*هل خلاصات التقرير تحدد الكلفة الدقيقة للحرب أم الكلفة التقريبية؟
ركز التقرير على تكلفة الحرب الاقتصادية في الفترة من شهر يناير/كانون الثاني 2015، وحتى خمسة أعوام مقبلة، فضلاً عن تقديرات لعشرين عاماً أخرى. وحدد التقرير التكلفة الاقتصادية التي سيتكبدها الجنوب في حال استمرار الحرب في تلك الفترات، فضلاً عن التكاليف الاقتصادية الإضافية التي يمكن أن يتحملها. ولم يتضمن التقرير التكلفة الحقيقية والنهائية للحرب، إذ لم يشر إلى التدهور البيئي وانهيار التلاحم المجتمعي، والصدمات النفسية، فيما يتصل بالعنف الجنسي واستغلال الأطفال وغيرها، والتي ستكون لها انعكاسات اقتصادية إضافية في الدولة خلال الفترات المقبلة.
*إذن ما هو حجم الضرر الذي ألحقته الحرب بالاقتصاد الجنوبي حتى الآن؟
تكلفة النزاع، حتى اليوم، عالية جداً، ويتوقع أن تكون قد أدت إلى انخفاض بنسبة 15% في الناتج المحلي الجنوبي خلال عام 2014، وإذا استمرت خلال العام الحالي فستكلف الاقتصاد في الدولة حوالي 22 مليار دولار.
الأزمة تزيد تعقيداً
*ماذا لو استمرت الحرب إلى ما بعد عام 2015؟
ستتراوح التكلفة في حال استمرت الحرب من عام إلى خمسة أعوام، بين 22.3 مليار دولار إلى 28 مليار دولار. وإذا امتدت الحرب إلى عشرين عاماً، فإن حجم الخسائر سيتراوح بين 122 مليار دولار و158 مليار دولار. وذلك إلى جانب التكاليف الأخرى المتصلة بفقدان الثروة البشرية نتيجة عمليات القتل والجوع والمرض، والتي ستكون لها تأُثيرات على المدى البعيد. ولم تدخل تكلفة اقتصاد المجتمع في الدراسة لغياب المعايير الاقتصادية المحددة، وخصوصاً وأن المعايير الاجتماعية معقدة، ويمكن أن تكون تكلفة الأزمة الاقتصادية - الاجتماعية أكبر من التكلفة الاقتصادية المباشرة.
*وفيما يتصل بدول الجوار والمجتمع الدولي، ماذا سيتكلف من حرب الجنوب؟
تناولت الدراسة خمس دول، هي إثيوبيا والسودان وكينيا وتنزانيا وأوغندا. وحددت التكلفة مجتمعة بحيث تصل إلى 53 مليار دولار في حال حسم النزاع خلال عام من الآن، وقد تتحمل دول المنطقة، خصوصاً أوغندا والسودان تكاليف مالية هائلة متصلة بالاحتياجات الأمنية. وتوقعت الأرقام الخاصة في أوغندا أن يؤدي الإنفاق على الدفاع الناتج عن النزاع، إلى ضعف ميزانية الاستثمار الرأسمالي التي خصصتها الحكومة في كمبالا لقطاع الصحة للعام المالي المقبل. كما أن صادرات كمبالا إلى جوبا قد تقلصت تماماً بسبب الحرب، فقد ارتفعت من 61 مليون دولار قبل الانفصال، إلى 635 مليون دولار بعد إعلان دولة الجنوب. ومع اندلاع الحرب، تراجعت الصادرات بشكل كبير جداً.
وإن استمرار الحرب في جنوب السودان خمسة أعوام مقبلة، سيكلف دولة السودان خسائر تتراوح بين 770 مليون دولار إلى 1.5 مليار دولار. لأن الخرطوم تعتمد بشكل كبير على تجارة الحدود بين البلدين. وقد تأثر إنتاج النفط في جنوب السودان بالحرب، وانخفض من 300 ألف برميل، في اليوم، إلى 150 ألف خلال عام واحد من الحرب المستمرة.
عموماً، لن يدفع فاتورة الحرب الجنوب وحده، وإن كان يتحمل الجزء الأكبر، فقد تكون لبعض دول الجوار أو الإقليم أغراض استراتيجية في استمرار الحرب، ولكن الاستفادة محدودة فيما لو تطرقنا إلى الحسابات الاقتصادية.
*ماذا عن المجتمع الدولي؟ لماذا تعتقدون أنه سيتحمل، أيضاً، تكاليف هذه الحرب؟
ببساطة، يستطيع المجتمع الدولي أن يوفر ما يقدر بنحو 30 مليار دولار، إذا انتهى النزاع في غضون عام، وذلك عبر تخفيض النفقات الخاصة بالصرف على قوات حفظ السلام والمساعدات الإنسانية.
المجاعة تحوم فوق المواطنين
*كم من الوقت تستطيع جوبا الصمود أمام الحرب الدائرة؟
توصلت الدراسة إلى أنه ليس في مقدور دولة الجنوب المخاطرة بتحمل التكاليف الاقتصادية للحرب من الأساس، وبأن هناك ضرورة لتحرك مبكر لأن التكاليف تتزايد بمعدلات متزايدة ومتسارعة مع استمرار فترة النزاع.
وسيصبح الجنوب معرضاً لأن يتحول إلى دولة فاشلة تنهشها الحرب الأهلية، في حال استمرار النزاع دون تحرك سريع لإنهاء القتال، والأسوأ أنه قد يتحول إلى مركز نزاع إقليمي كامل المعالم.
*تحدث عدد من التقارير عن احتمال حصول مجاعة في جنوب السودان، هل هذا الخطر قائم؟
توجد مخاطر جدية فيما يتصل بانتشار المجاعة على أجزاء من البلاد بحلول شهر مارس/ آذار المقبل، وبحسب الأمم المتحدة فإن الجنوب يعاني أزمة سوء تغذية كبيرة. حيث توقعت المنظمة أن يواجه حوالي 6.4 ملايين شخص حالة انعدام حاد للأمن الغذائي بين شهري يناير/كانون الثاني ومارس/ آذار، مع الاحتياج إلى 1.81 مليار دولار خلال العام الحالي. الأمر الذي يحتم بذل مزيد من الجهد والضغط لوضع حد للحرب.
*ما هي الحلول التي تقترحونها للحد من هذه الأزمة؟
تتصل الحلول بتحقيق درجة عالية من الشفافية والمساءلة لإدارة الموارد النفطية، وكافة النفقات الحكومية للمساعدة على بناء الدولة، فضلاً عن إنشاء مجموعة اتصال دولية للمساعدة على تأمين السلام وزيادة الضغط على الأطراف المتنازعة لإنهاء القتال.
بطاقة
من مواليد عام 1960، درس الاقتصاد وعمل خبيراً للبنك الدولي. تقلد عدة مناصب في السودان قبل الانفصال، تم اختياره محاضراً في جامعة هارفرد الأميركية وبروفيسوراً في جامعة جوبا ومدير مركز دراسات السلام والتنمية فيها. وقد ساهم في دراسة عن تأثيرات الحرب الجنوبية الصادرة الشهر الماضي
المأساة مستمرة بتكلفة باهظة
تقول الدراسة الصادرة عن مؤسسة "فرونتيار إيكونوميك"، بالتعاون مع مركز دراسات السلام والتنمية بجامعة جوبا، ومركز حل النزاع في أوغندا، إنه ليست هناك أرقام نقدية، أو توقعات اقتصادية، قادرة على تحديد الحجم الكامل للتكلفة البشرية لهذا النزاع في جنوب السودان. كما أنه ليس هناك سعر يمكن وضعه لمعاناة شعب جنوب السودان من النزوح، والمجاعة، والموت. ولكن، من الممكن تقييم التكاليف الاقتصادية المباشرة، بتقدير خسائر الأصول الإنتاجية ورأس المال، وتراجع النشاط الاقتصادي، والتحول الداخلي من الأنشطة الإنتاجية إلى الأنشطة غير الإنتاجية. والتكلفة باهظة، كذلك، بالنسبة لدول الجوار والمجتمع الدولي بأسره، بما في ذلك، في هذه الحالة، التراجع المتوقع في تدفق التجارة الرسمية مع دول جوار جنوب السودان، وتكاليف توفير المساعدات الإنسانية، وقوات حفظ السلام الأممية لسنوات مقبلة. وتلفت الدراسة، في مقدمتها، إلى مصرع الآلاف في جنوب السودان، ونزوح نحو مليونين عن منازلهم، فضلاً عن اغتصاب النساء وتجنيد الأطفال. وتشير إلى أن هذه النتائج محبطة، وأن تدمير الأواصر التي وحدت جنوب السودان تقع مسوؤليتها على الأطراف المتحاربة. وتتابع أنه على الرغم من الجهود الجبارة، التي تقوم بها أفريقيا والمجتمع الدولي لإنهاء هذه الحرب التي لا معنى لها، تستمر المأساة، وبتكلفة باهظة.
*كيف انعكس هذا الواقع النفطي على مالية الدولة؟
هناك عدة عوامل أثرت في الاقتصاد الجنوبي، بينها تدني الصادرات البترولية الي النصف بسبب الحرب، فضلاً عن انخفاض أسعار النفط عالمياً، الأمر الذي أثر سلباً على الجنوب، خصوصاً وأن الإيرادات البترولية لا يدخل ربحها صافياً إلى خزينة الدولة. فالخرطوم تقتطع 24.1 دولاراً عن كل برميل ينتج ويصدر إلى الخارج، وذلك إلى جانب تكلفة البترول وفوائد الشركات وأرباحها، الأمر الذي قلل من الجدوى الاقتصادية للنفط، وأثر على خزينة الدولة وعلى الاقتصاد والوضع المالي بشكل عام. واعتقد أنه في حال استمرار الوضع كما هو عليه قد تلجأ جوبا إلى إيقاف إنتاج النفط نظراً لكونه يلحق الخسائر بالاقتصاد بدلاً من الأرباح.
*كيف يتأثر المواطن السوداني البسيط من هذه الأزمة؟ وهل من تداعيات اجتماعية أصبحت ملحوظة؟
صحيح أن المواطن الجنوبي لم يدخل في دائرة الاقتصاد بشكل كامل، باعتبار أن جنوب السودان دولة حديثة التكوين، لكن الحرب الأخيرة أثرت سلباً على أوضاعه المعيشية والحياتية بطبيعة الحال. فقد بدأت حالات سوء التغذية تظهر وسط الأطفال، وبدأت دائرة الفقر تتسع أكثر بين السكان عموماً، بسبب موجة النزوح الكبيرة.
كذلك، هجر بعض المزارعين القطاع الذي يعتبر محركاً اقتصادياً وتوظيفياً مهماً. وكذا، فإن القطاع العام يعتمد اعتماداً كلياً على إيرادات النفط، ومع تراجع الايرادات النفطية بشكل كبير، انعكس ذلك مباشرة على قدرة الدولة على توفير الرواتب لموظفيها، إذ يوجد موظفون لم يتقاضوا أجورهم منذ شهر وآخرون منذ شهرين.
عموماً، يمكن لكل من يتجول في شوارع جنوب السودان أن يلحظ الأزمة الاجتماعية على وجوه المواطنين، وأن يدرك حجم الضغط الاقتصادي الذي يعانون منه. كما أن معظم الموجودين في جنون السودان لديهم عائلات خارج حدود الوطن، إما للعلاج أو الدراسة أو بسبب الأزمة الاقتصادية التي دفعتهم الى الهجرة بحثاً عن مصدر الرزق. وهذا الواقع يؤثر كثيراً على القاطنين في جنوب السودان، وفي ظل غياب السلام يمكن أن يكون لهذه المشكلات الاجتماعية انعكاسات سياسية خلال الفترة المقبلة.
دراسة تفصيلية عن الحرب
*ساهمت، أخيراً، في إعداد دراسة عن الكلفة الاقتصادية للحرب الدائرة في جنوب السودان، وامتداد الآثار الى الدول المجاورة، ما هي المحاور الأساسية التي تطرقتم إليها؟
أعدت ثلاثة مراكز محلية ودولية وإقليمية وهيئات استشارية اقتصادية رائدة في أوروبا، دراسة مفصلة تناولت خلالها التكلفة الاقتصادية للحرب في دولة جنوب السودان، بمشاركة مركز دراسات السلام في جنوب السودان. ووضعت الدراسة عدة سيناريوهات للوضع، وتطرقت إلى التكلفة التي ستقع على دول الجوار الجنوبي، ولاسيما دولتي السودان وأوغندا، فضلاً عن المجتمع الدولي.
الهدف من الدراسة، هو تقييم تكلفة الحرب وتأكيد أهمية السلام، لأن أهداف المركز الأساسية تشجع وتنمي السلام. وركزت الدراسة على أن تكاليف الحرب ستتحملها ثلاثة أطراف، دولة الجنوب أولاً، ودول الجوار ثانياً، والمجتمع الدولي ثالثاً. اعتمد مركز دراسات السلام، الذي أديره، في الدراسة على تقديرات البنك الدولي، وتقديرات اقتصادية أخرى محلية وعالمية، ودراسات مشابهة في هذا المجال، فضلاً عن ورش وندوات أعدت بشكل خاص للتقييم وإظهار الأرقام الحقيقية المتعلقة بهذه القضية.
*هل خلاصات التقرير تحدد الكلفة الدقيقة للحرب أم الكلفة التقريبية؟
ركز التقرير على تكلفة الحرب الاقتصادية في الفترة من شهر يناير/كانون الثاني 2015، وحتى خمسة أعوام مقبلة، فضلاً عن تقديرات لعشرين عاماً أخرى. وحدد التقرير التكلفة الاقتصادية التي سيتكبدها الجنوب في حال استمرار الحرب في تلك الفترات، فضلاً عن التكاليف الاقتصادية الإضافية التي يمكن أن يتحملها. ولم يتضمن التقرير التكلفة الحقيقية والنهائية للحرب، إذ لم يشر إلى التدهور البيئي وانهيار التلاحم المجتمعي، والصدمات النفسية، فيما يتصل بالعنف الجنسي واستغلال الأطفال وغيرها، والتي ستكون لها انعكاسات اقتصادية إضافية في الدولة خلال الفترات المقبلة.
*إذن ما هو حجم الضرر الذي ألحقته الحرب بالاقتصاد الجنوبي حتى الآن؟
تكلفة النزاع، حتى اليوم، عالية جداً، ويتوقع أن تكون قد أدت إلى انخفاض بنسبة 15% في الناتج المحلي الجنوبي خلال عام 2014، وإذا استمرت خلال العام الحالي فستكلف الاقتصاد في الدولة حوالي 22 مليار دولار.
الأزمة تزيد تعقيداً
*ماذا لو استمرت الحرب إلى ما بعد عام 2015؟
ستتراوح التكلفة في حال استمرت الحرب من عام إلى خمسة أعوام، بين 22.3 مليار دولار إلى 28 مليار دولار. وإذا امتدت الحرب إلى عشرين عاماً، فإن حجم الخسائر سيتراوح بين 122 مليار دولار و158 مليار دولار. وذلك إلى جانب التكاليف الأخرى المتصلة بفقدان الثروة البشرية نتيجة عمليات القتل والجوع والمرض، والتي ستكون لها تأُثيرات على المدى البعيد. ولم تدخل تكلفة اقتصاد المجتمع في الدراسة لغياب المعايير الاقتصادية المحددة، وخصوصاً وأن المعايير الاجتماعية معقدة، ويمكن أن تكون تكلفة الأزمة الاقتصادية - الاجتماعية أكبر من التكلفة الاقتصادية المباشرة.
*وفيما يتصل بدول الجوار والمجتمع الدولي، ماذا سيتكلف من حرب الجنوب؟
تناولت الدراسة خمس دول، هي إثيوبيا والسودان وكينيا وتنزانيا وأوغندا. وحددت التكلفة مجتمعة بحيث تصل إلى 53 مليار دولار في حال حسم النزاع خلال عام من الآن، وقد تتحمل دول المنطقة، خصوصاً أوغندا والسودان تكاليف مالية هائلة متصلة بالاحتياجات الأمنية. وتوقعت الأرقام الخاصة في أوغندا أن يؤدي الإنفاق على الدفاع الناتج عن النزاع، إلى ضعف ميزانية الاستثمار الرأسمالي التي خصصتها الحكومة في كمبالا لقطاع الصحة للعام المالي المقبل. كما أن صادرات كمبالا إلى جوبا قد تقلصت تماماً بسبب الحرب، فقد ارتفعت من 61 مليون دولار قبل الانفصال، إلى 635 مليون دولار بعد إعلان دولة الجنوب. ومع اندلاع الحرب، تراجعت الصادرات بشكل كبير جداً.
وإن استمرار الحرب في جنوب السودان خمسة أعوام مقبلة، سيكلف دولة السودان خسائر تتراوح بين 770 مليون دولار إلى 1.5 مليار دولار. لأن الخرطوم تعتمد بشكل كبير على تجارة الحدود بين البلدين. وقد تأثر إنتاج النفط في جنوب السودان بالحرب، وانخفض من 300 ألف برميل، في اليوم، إلى 150 ألف خلال عام واحد من الحرب المستمرة.
عموماً، لن يدفع فاتورة الحرب الجنوب وحده، وإن كان يتحمل الجزء الأكبر، فقد تكون لبعض دول الجوار أو الإقليم أغراض استراتيجية في استمرار الحرب، ولكن الاستفادة محدودة فيما لو تطرقنا إلى الحسابات الاقتصادية.
*ماذا عن المجتمع الدولي؟ لماذا تعتقدون أنه سيتحمل، أيضاً، تكاليف هذه الحرب؟
ببساطة، يستطيع المجتمع الدولي أن يوفر ما يقدر بنحو 30 مليار دولار، إذا انتهى النزاع في غضون عام، وذلك عبر تخفيض النفقات الخاصة بالصرف على قوات حفظ السلام والمساعدات الإنسانية.
المجاعة تحوم فوق المواطنين
*كم من الوقت تستطيع جوبا الصمود أمام الحرب الدائرة؟
توصلت الدراسة إلى أنه ليس في مقدور دولة الجنوب المخاطرة بتحمل التكاليف الاقتصادية للحرب من الأساس، وبأن هناك ضرورة لتحرك مبكر لأن التكاليف تتزايد بمعدلات متزايدة ومتسارعة مع استمرار فترة النزاع.
وسيصبح الجنوب معرضاً لأن يتحول إلى دولة فاشلة تنهشها الحرب الأهلية، في حال استمرار النزاع دون تحرك سريع لإنهاء القتال، والأسوأ أنه قد يتحول إلى مركز نزاع إقليمي كامل المعالم.
*تحدث عدد من التقارير عن احتمال حصول مجاعة في جنوب السودان، هل هذا الخطر قائم؟
توجد مخاطر جدية فيما يتصل بانتشار المجاعة على أجزاء من البلاد بحلول شهر مارس/ آذار المقبل، وبحسب الأمم المتحدة فإن الجنوب يعاني أزمة سوء تغذية كبيرة. حيث توقعت المنظمة أن يواجه حوالي 6.4 ملايين شخص حالة انعدام حاد للأمن الغذائي بين شهري يناير/كانون الثاني ومارس/ آذار، مع الاحتياج إلى 1.81 مليار دولار خلال العام الحالي. الأمر الذي يحتم بذل مزيد من الجهد والضغط لوضع حد للحرب.
*ما هي الحلول التي تقترحونها للحد من هذه الأزمة؟
تتصل الحلول بتحقيق درجة عالية من الشفافية والمساءلة لإدارة الموارد النفطية، وكافة النفقات الحكومية للمساعدة على بناء الدولة، فضلاً عن إنشاء مجموعة اتصال دولية للمساعدة على تأمين السلام وزيادة الضغط على الأطراف المتنازعة لإنهاء القتال.
بطاقة
من مواليد عام 1960، درس الاقتصاد وعمل خبيراً للبنك الدولي. تقلد عدة مناصب في السودان قبل الانفصال، تم اختياره محاضراً في جامعة هارفرد الأميركية وبروفيسوراً في جامعة جوبا ومدير مركز دراسات السلام والتنمية فيها. وقد ساهم في دراسة عن تأثيرات الحرب الجنوبية الصادرة الشهر الماضي
المأساة مستمرة بتكلفة باهظة
تقول الدراسة الصادرة عن مؤسسة "فرونتيار إيكونوميك"، بالتعاون مع مركز دراسات السلام والتنمية بجامعة جوبا، ومركز حل النزاع في أوغندا، إنه ليست هناك أرقام نقدية، أو توقعات اقتصادية، قادرة على تحديد الحجم الكامل للتكلفة البشرية لهذا النزاع في جنوب السودان. كما أنه ليس هناك سعر يمكن وضعه لمعاناة شعب جنوب السودان من النزوح، والمجاعة، والموت. ولكن، من الممكن تقييم التكاليف الاقتصادية المباشرة، بتقدير خسائر الأصول الإنتاجية ورأس المال، وتراجع النشاط الاقتصادي، والتحول الداخلي من الأنشطة الإنتاجية إلى الأنشطة غير الإنتاجية. والتكلفة باهظة، كذلك، بالنسبة لدول الجوار والمجتمع الدولي بأسره، بما في ذلك، في هذه الحالة، التراجع المتوقع في تدفق التجارة الرسمية مع دول جوار جنوب السودان، وتكاليف توفير المساعدات الإنسانية، وقوات حفظ السلام الأممية لسنوات مقبلة. وتلفت الدراسة، في مقدمتها، إلى مصرع الآلاف في جنوب السودان، ونزوح نحو مليونين عن منازلهم، فضلاً عن اغتصاب النساء وتجنيد الأطفال. وتشير إلى أن هذه النتائج محبطة، وأن تدمير الأواصر التي وحدت جنوب السودان تقع مسوؤليتها على الأطراف المتحاربة. وتتابع أنه على الرغم من الجهود الجبارة، التي تقوم بها أفريقيا والمجتمع الدولي لإنهاء هذه الحرب التي لا معنى لها، تستمر المأساة، وبتكلفة باهظة.