"أعرّف الصبر مثل دولة فاعلة، أو خيار تحفظه في داخلك إلى أن يأمرك حدسك بالتحرّك. يعني أن تنتظر دورك، وتدرك أن دورك سيأتي حتماً. وبمجرّد أنّك تسير نحو هدفك، فهذا يتطلّب منك الثقة في التيّار، ومعرفة توقيت غلي الحساء. الصبر يجعلك قادراً على تأجيل الإشباع، إلا أن ذلك جيّد وسيشعرك بأنك على صواب. لماذا؟ إن استخدام الحدس بذكاء يتطلّب صبراً. ستعرف الوقت، وإن كان الأمر يستحقّ التصرّف أو الانتظار". (الكاتبة والطبيبة النفسية جوديث أورلوف).
دقائق ويبدأ الحفل. أياد قليلة تصفّق وتتكاثر في لحظات إلى أن تصبح كتلة واحدة. أصابع تتشابك وتنتج ضجيجاً جميلاً يوازي الانتظار ويصنع صبراً.
بعد قليل.. أراك بعد قليل. ماذا يمكن أن يحمل وجهك اليوم؟ أيكون وجهي في ليلتنا الماضية؟ أم انتظار اليوم؟ تقلّصَ اليوم وبقي القليل. القليل فقط وأكتشف ذلك الوجه المتجدّد. أفكار الليل وسرعة النهار الذي يبدو في سباق مع أيّام لم تأتِ بعد. الصبر. يطول "القليل". ما باله السائق يعدّ النجوم؟ أيصدّق أنها ما زالت قابلة للعدّ؟ لا بد له أن يعلم أنّها لم تعد من الصابرين، وقد غادرت السماء، وبقي منها "وهمٌ" يسلّينا ليلاً، وقد نتذكّره إذا ما أردنا أن نكون رومانسيّين. لم أصل إليك بعد. وصبري مثل حساء مغلي يكاد يسقط فوق جسدي. ها أنا أهم لأطفئ النار تحت القدر ولا أصل، أو أسابق السائق في عدّ النجوم ونصنع صبراً.
لا بدّ للحياة أن تضحك. هي تضحك لغيرنا الآن. الأمر ليس أكثر من تبادل أدوار بين شمس وقمر. من دون أن ندري، ترتّبنا الحياة في صف طويل يسعنا جميعنا. لا نعرف كيف تختارنا. أيكون بحسب الطول مثلاً أو العمر أو الوجوه الأقرب إلى قلبها. لا داعي للقلق. سيأتي دور الجميع وستحضر أم كلثوم كلّما لوّعنا الانتظار. هي التي وصف لها الصبر مثل دواء، ولم تصبر. كأنّه أعشاب نغليها ونسكبها في أحشائنا فتدفئها قليلاً، ثم ما تلبث أن تبرد مجدداً. أيكون هذا الصبر؟ قليل من الدفء كلّما زاد الصقيع؟
أصوات من بعيد. أصوات تأخذ شكل نصائح. أصبروا. تخيّلوا أنفسكم ذاهبين إلى المتجر لشراء بعض الأغراض. لا بد لكم من الوقوف في الصف لدفع أثمان الأغراض التي تحملونها. وستصبرون وإن تأفّفتم من حين إلى آخر. والحياة متجر ضخم نشتري أحلامنا منها واحداً تلو الآخر، إلى أن تحين الساعة.
يقول الكاتب والمعالج النفسي نيل بورتن إن "الحياة قصيرة جداً لننتظر، لكنّها ليست قصيرة جداً للصبر". يصبر. ومثله آخرون. لا بدّ أن تعود النجوم التي غادرت السماء يوماً، وربّما يتصالح الفلك معنا. على الأرجح، علينا أن نصالحهما. قليل من الصبر إذاً وكثير من الغناء.