تطرح الزيارات الأخيرة لرئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف إلى منطقة الخليج، تساؤلات حول الجديد الذي يمكن أن تطرحه حيال قرار البرلمان بالتزام الحياد إزاء الحرب اليمنية، بعدما راج عن تعويل خليجي وخصوصاً سعودي، على الجيش الباكستاني في خطط محتملة برية وبحرية، ضد تحالف الحوثيين وقوات المخلوع علي عبد الله صالح.
اقرأ أيضاً: باكستان تؤكد أن قرار البرلمان الحياد بالأزمة اليمنيّة نهائي
لقد خلق قرار البرلمان الباكستاني بالحياد في الأزمة اليمنية، ورفض طلب السعودية بالانضمام إلى الحلف المناوئ للحوثيين، فجوة في العلاقات بين إسلام آباد والرياض، كما أثار ضجة في أوساط الشعب الباكستاني بين مؤيد ومعارض ومندّد للقرار. وأكّدت الحكومة الباكستانية مراراً، وعلى لسان أكثر من مسؤول فيها أن القرار نهائي، وأنها لا تنوي الانضمام إلى الحلف المعارض للحوثيين الذي تقوده السعودية، ولكنها لن تأل جهداً في الدفاع عن أمن المملكة واستقرارها، إذا دعت الحاجة.
وفي وقت تعمل فيه إسلام آباد على تطبيع علاقاتها مع الرياض، من خلال الزيارات وآخرها لرئيس الحكومة نواز شريف، ترسل الرياض بدورها وفوداً متتالية من المسؤولين وعلماء الدين والإعلاميين إلى باكستان، لتغيير الرأي العام، الذي كان له أثر كبير في قرار باكستان الأخير. فيما وصفت المنابر الإعلامية وبعض الأحزاب السياسية والدينية، موقف باكستان بالمبهم، وغير اللائق نظراً للعلاقات السعودية الباكستانية التاريخية، في حين أشادت أحزاب أخرى بالقرار، الذي يبعد باكستان عن صراع اليمن، الذي يخشى من تمدده إلى المنطقة.
وتملك الحكومة الباكستانية صلاحيات دستورية لاعتماد السياسات الخارجية، وبالتالي كان من الممكن أن تصدر قرارها بالانضمام إلى عمليات "عاصفة الحزم" بدون إحالة القضية إلى البرلمان، غير أنّها فضلت اللجوء إلى الأخير لإقرار الانضمام. وتؤكّد الحكومة أنّها فعلت ذلك لإيجاد لحمة وطنية إزاء القضية، وتبني موقف موحد للشعب الباكستاني من خلال البرلمان الاتحادي، غير أن المراقبين يتفقون على أنّ باكستان قرّرت أصلاً عدم الانضمام إلى العملية، لذا أحالت القضية إلى البرلمان، كي تظهر للسعودية وحلفائها أن ممثلي الشعب الباكستاني رفضوا الانضمام إلى الحلف، وأنّها عجزت عن تحقيق إجماع لتلبية مطلب السعودية بالمساهمة في العملية بسفن ومقاتلات وجنود.
وبمقتضى علاقاته الشخصية وعلاقات حزبه الحاكم مع السعودية، خصوصاً مع الأسرة الملكية، لم يكن شريف يرغب في رفض طلب حلفائه. لكن الواضح أن القرارات المصيرية في باكستان ترجع دائماً إلى المؤسسة العسكرية، خصوصاً تلك التي تتعلق بالأمن والدفاع. ويبدو أن المؤسسة العسكرية ما كانت ترغب في الانخراط في عملية قد تجذبها نحو حرب جديدة، تضر بعلاقاتها مع بعض دول المنطقة وفي مقدّمتها إيران. وكانت الأخيرة قد أرسلت إلى إسلام آباد وزير خارجيتها محمد جواد ظريف، كي يطلب منها عدم الانضمام إلى "عاصفة الحزم"، وبذل جهود دبلوماسية لحلحلة الأزمة اليمنية.
إضافة إلى ذلك، فإن قرار باكستان بالحياد يعود أيضاً إلى انشغال القوات المسلّحة الباكستانية بالأزمة الأمنية الداخلية، المتمثلة في الجماعات المسلّحة، والحركات الانفصالية البلوشية في إقليم بلوشستان، والتدهور الأمني في كراتشي وغيرها من المدن، ناهيك عن خلفية الصراع الطائفي باليمن، إضافة إلى انتشار قواتها على الحدود مع الهند، التي تشهد التوتر بين حين وآخر.
الحرص على إيران
من جهة ثانية، ترغب باكستان في توطيد علاقاتها الاقتصادية والتجارية مع إيران، إذا ما رفعت العقوبات الدولية عنها. كما أنّ هناك ضغوطا على الحكومة الباكستانية، أدت إلى تأجيل العمل على مشروع أنبوب الغاز بين باكستان وإيران، وبالتالي ترغب باكستان في المضي قدماً في مواصلة المشروع بعد تحسن العلاقات الأميركية الإيرانية. علاوة على أنّ الحدود الإيرانية الباكستانية تشهد توتراً منذ فترة، وتحاول إسلام آباد احتواء المشاكل الحدودية مع إيران، وليس تفاقمها.
اقرأ أيضاً: إيران تقترح القيام بعمليات عسكرية مشتركة على الحدود الباكستانية
في المقابل، هناك خشية باكستانية من التدخل الإيراني، ولاسيما في إقليم بلوشستان المجاور، والذي يعاني من وجود حركات انفصالية بلوشية، تتهم باكستان استخبارات دول الجوار، بما فيها إيران، بالوقوف وراءها.
واللافت أن جزءاً كبيراً من الاستثمارات الصينية في باكستان تتعلق بإقليم بلوشستان، خصوصاً مشروع إقامة ممر اقتصادي باكستاني ـ صيني، من المتوقع أن يربط الصين بباكستان وأفغانستان، ومن ثم بدول آسيا الوسطى. وأن أي تدهورناتج من التوتر في العلاقات الإيرانية الباكستانية يؤثرعلى تلك المشاريع سلباً.
وفي هذا السياق، لا بد من الإشارة إلى حادث قتل 20 عاملاً في إقليم بلوشستان الأسبوع الماضي، بيد مجهولين. واعتبر الحادث في البداية عادياً ضمن أحداث العنف التي تشهدها باكستان بصورة يومية. ولكن زيارة قائد الجيش الباكستاني الجنرال راحيل شريف إلى الإقليم، وتصريحاته الشديدة اللهجة، أوحت بأن الحادث أبعد من ذلك، إذ قال إن التدهور الأمني في إقليم بلوشستان وراءه أياد أجنبية، وإن الحكومة الباكستانية وقوات أمنها على أهبة كاملة لقطع تلك الأيادي. ولا يستبعد المراقبون وقوف إيران وراء هذا الحادث كرسالة تحذير من الانضمام لتحالف "العاصفة"، وهو ما يشير إليه المحلل الأمني الباكستاني شهزاد شودري، بالقول إن "الانضمام إلى الحرب الدائرة في اليمن، لا محالة سيكون على حساب الأمن الداخلي في باكستان".
علاوة على ذلك، إن الشراكة الاقتصادية والتجارية بين باكستان والصين لا تسمح لباكستان بالانخراط في التجاذبات الأمنية الجديدة في المنطقة، لذا طالب الرئيس الصيني الحكومة الباكستانية بالعمل الجاد لحلحلة الأزمة الأمنية الأفغانية، إذ إن نجاح الخطط الصينية الباكستانية في مجال الاقتصاد مرهون بأمن المنطقة، وابتعاد باكستان عن الأزمات الأمنية التي تعاني منها المنطقة.
وفود بين إسلام آباد والرياض
ومنذ أن طالبت السعودية باكستان بالانضمام إلى "عاصفة الحزم"، ورفضت الأخيرة ذلك الطلب، زارت ثلاثة وفود باكستانية الرياض، لتوضيح موقف باكستان، وإقناع السعودية بأن الظروف التي تحيط بباكستان حالياً، لا تسمح لها بالانخراط في الأزمة الأمنية مباشرة، غير أنها مستعدة للدفاع عن أمن واستقرار المملكة.
وكان آخر تلك الزيارات لرئيس الوزراء يرافقه قائد الجيش، ووزير الدفاع خوجه آصف. وأجرت القيادة السياسية والعسكرية الباكستانية لقاءين مع القيادة السعودية، لكن يبدو ألا نتائج ملموسة حتى الآن، إذ إن باكستان غير مستعدة لتغيير موقفها إزاء اليمن، والسعودية لا تقبل الحياد.
وحسب تسريبات صحفية، فإن الجانب السعودي أعرب عن استيائه الشديد حيال موقف باكستان، عند اجتماع وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل برئيس وزراء إقليم البنجاب، شهباز شريف، شقيق نواز شريف. وأضافت التسريبات أن سعود الفيصل أكد خلال اللقاء، أن باكستان هي الدولة الثانية في المنطقة التي أثبتت أنها تعارض "عاصفة الحزم"، بعد إيران.
وبالرغم من الاستياء السعودي، فإن السعودية زادت من اهتمامها بالشعب الباكستاني ووسائل الإعلام، وتحاول من خلال إرسال وفود للمسؤولين وعلماء الدين والإعلاميين إلى باكستان، تغيير الرأي العام هناك. ومن أبرز تلك الزيارات التي استقبلها الباكستانيون بحفاوة، زيارة إمام الكعبة الشريفة الشيخ خالد الغامدي.
وبمقتضى الأواصر الدينية والاجتماعية بين الشعبين السعودي والباكستاني، نجحت تلك الزيارات في تغيير الرأي العام، ورأي الجماعات الدينية في باكستان، إزاء الوضع في اليمن، إذ تشهد الساحة الباكستانية تظاهرات ومؤتمرات وندوات متضامنة مع السعودية، ومؤيدة لعملية "عاصفة الحزم"، ثم "إعادة الأمل".
وعلى الرغم من العتب السعودي على باكستان، فإن كلا البلدين لا يتحملان أي فجوة في العلاقات بينهما، نظرا للعلاقات التاريخية بينهما. كما أن باكستان بحاجة ماسة إلى الدعم السعودي خصوصاً في المجال الاقتصادي، إذ إن أكثر من مليوني باكستاني يعملون في السعودية ويرسلون سنوياً ملايين الدولارات إلى باكستان، إضافة إلى ما تقدمه المملكة من دعم مالي لباكستان بين حين وآخر.
وتُعتبر باكستان شريكة مهمة للسعودية في مجال الدفاع والأمن. لذا لا يُستبعد أن يصل الطرفان إلى حل وسط بشأن القضية، وذلك بعدم انضمام باكستان إلى التحالف المعارض للحوثيين مباشرة، لكن تلتزم بتقديم دعم عسكري من خلال المستشارين العسكريين والدعم اللوجستي، وتدريب القوات وغيرها. وهو ما أشارت إليه الحكومة الباكستانية عقب زيارة رئيس الوزراء إلى الرياض، قائلة إن الطرفين توصلا إلى رفع التعاون بينهما في المجال العسكري والدفاعي، وإن باكستان ستقف جنبا إلى جنب مع السعودية لمجابهة أي تهديد يستهدف أمنها واستقرارها.