لمنع نظام استثنائي في لبنان

10 اغسطس 2017
+ الخط -
في ظل نظام سياسي مبني على المحاصصة الطائفية، شهد لبنان حربا أهلية قتلت وهجرت مئات آلاف اللبنانيين. واجتاحته إسرائيل، واحتلت أجزاء منه وحاصرت عاصمته. وخضع لهيمنة النظام السوري الذي نجح، بفعل وجوده العسكري والأمني الذي استمر عقوداً في تحويله محافظة سورية جديدة، وتحول مقر الحاكم العسكري في عنجر إلى محج يتسابق إليه المسؤولون اللبنانيون، لتقديم فروض الطاعة، وتلقي الأوامر والتعليمات. بالتزامن مع ذلك، نجح النظام السوري بنزع سلاح القوى اللبنانية والفلسطينية، وحصره بيد حزب الله الذي تحول، بفعل دعم النظامين السوري والإيراني، إلى قوة عسكرية ضاربة في لبنان، كشفت الأحداث اللاحقة دورها الوظيفي في تنفيذ أجندة أسيادها. فبعد جريمة اغتيال رفيق الحريري وتداعياتها، استجدت فرصة حقيقية لإعادة صياغة النظام اللبناني، بعيداً عن وصاية النظام السوري الذي أجبر على سحب جيشه، لكن حزب الله وحلفاءه أعاقوا ذلك، وبقي تأثير النظام السوري حاضراً. وتكرّر الأمر نفسه بعد اندلاع الثورة السورية التي كان يمكن لانتصارها أن يؤدي بالفعل إلى تحولاتٍ نوعية في المشهد اللبناني. لكن تدخل حزب الله العسكري في سورية ساهم، مع عوامل أخرى، في تثبيت سلطة النظام الأسدي المنهك. لم يكتف حزب الله بمشاركة النظام الأسدي جرائم قتل السوريين، وتدمير مدنهم وقراهم وبيوتهم وتهجيرهم، بل إنه يتشارك اليوم مع قوى سياسية لبنانية، لها نفوذها في السلطتين التشريعية والتنفيذية، في التحريض وبث سموم الكراهية والطائفية والعنصرية ضد اللاجئين السوريين.
بطبيعة الحال، فإن النظام اللبناني هو من أعاق ويعيق وسيعيق إمكانية تحول لبنان من دولةٍ للطوائف إلى دولة للمواطنين. وإن ما يشهده هذا البلد من وقائع وأحداث، وما شهده بالأمس، وعلى مدى عقود خلت، يؤكد أن لا إمكانية لتقدمه وتحوله إلى دولة حقيقية، ديمقراطية وعصرية، طالما استمر نظامه السياسي الطائفي. إن النظام الذي يولد الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، ويعمّم الفساد والمحسوبية، ويفشل في إدارة ملف تافه، كالنفايات، يستحق أن يرمى به في سلة النفايات. لكن في المقابل، ثمّة من يحذر اليوم من أن هناك من يعمل على استغلال أزمات النظام اللبناني وأمراضه، وحالة التذمر في صفوف المواطنين، ليس من أجل إقامة نظام ديمقراطي حقيقي، وبناء دولة مواطنة، وإنما لاستبداله بنظام ديكتاتوري.
هناك قوى عديدة، ذات الطبيعة الشمولية التي لا تعنيها الديمقراطية، لا من قريب ولا من بعيد، مثل حزب الله والتيار العوني وغيرهما. وبالتالي، ما يعيق الانقلاب الديكتاتوري في لبنان ليس عدم وجود قوى وازنة تشجّع على هذا التحول، وإنما صراع تلك القوى على السلطة، فالديكتاتورية لا تحتمل المشاركة، لأن من طبيعتها الاستئثار بالسلطة والتفرّد بالحكم. ناهيك عن أن طبيعة النظام اللبناني والتوازنات الطائفية والمعادلات الإقليمية والدولية تعقد من إمكانية نجاح انقلابٍ كهذا. لعل الأسباب، آنفة الذكر، هي ما يدعو إلى الاطمئنان والقول إن ما يثار اليوم من مخاوف عن إمكانية صعود ديكتاتوري في لبنان، هو أمر مبالغ فيه. لكن، من يستطيع الجزم بأن التاريخ لن يقدّم نماذج جديدة من الأنظمة التي قد تختلف، من حيث الشكل، عن الديكتاتورية أو الفاشية أو غيرها من الأنظمة الاستثنائية، لكنها تلتقي معها في جوهرها القمعي الوحشي الاستبدادي.
يقول واقع الحال في لبنان اليوم إن موجة الإعجاب بالحلول الأمنية والعسكرية آخذة بالارتفاع، وإن ثمة من يستغل ذلك، ويعمل ويضغط باتجاه تقوية الدولة الأمنية وشرعنتها والتضييق على الحريات. وعليه، فإن الدعوة إلى دق ناقوس الخطر ليس تهويشاً، فالهوامش الديمقراطية التي كانت، على الرغم من هامشيتها، مجالاً للتفاخر في لبنان باتت مهدّدة. ومن أجل حمايتها وتوسيعها، ومن أجل الدولة المدنية لا الأمنية، ولمنع صعود نظام استثنائي، لا بد أن يقول اللبنانيون كلمتهم، اليوم وليس غداً.