لقاء أردوغان ـ مشعل: تطمينات حول "مصالحة إسرائيل"؟

21 ديسمبر 2015
الزيارة جاءت مفاجئة وغير معلنة (الأناضول)
+ الخط -
على نحو مفاجئ، من دون إعلان مسبق، التقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مع رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، مساء السبت، في قصر يلدز الرئاسي بإسطنبول. وجرى خلال اللقاء الذي استمر لأكثر من ساعة، عرض القضايا المشتركة، بحسب ما أعلنت البيانات الرسمية. وبما أن اللقاء يأتي بعد تسريبات حول حصول تقدّم بالمصالحة التركية الإسرائيلية، يقع في القلب منها موضوع تخفيف الحصار الإسرائيلي على القطاع الفلسطيني، فإنّ كل ذلك يشي بأنّ الزيارة جاءت لتحمل تطمينات تركية إلى حركة المقاومة الفلسطينية، بأنّ تحسّن العلاقات مع الاحتلال لن يكون على حساب قطاع غزة، أو لوضع قيادة الحركة في أجواء المفاوضات التركية ــ الإسرائيلية لناحية الحصار على غزة وربما لطلب ضمانات من التنظيم الفلسطيني مرتبطة بما وصلت إليه المحادثات بين أنقرة وتل أبيب حول تخفيف الحصار البحري خصوصاً، وهو ما تعمل عليه القيادة التركية منذ فترة طويلة. وما يعزز من احتمالات تمحور لقاء أردوغان ــ مشعل حول موضوع الحصار تحديداً، تعهُّد الرئيس التركي، مراراً، منذ عدوان 2009 حتى اليوم، وقبل أن يصبح رئيساً للجمهورية، بأنه لن يتخلى عن مشروع تخفيف الحصار وحتى رفعه عن قطاع غزة، وهو قد طرح لهذه الغاية، مجموعة أفكار مع شركاء أوروبيين حول آليات التدقيق بما يدخل إلى القطاع بحراً وبراً بما يحسّن من حياة الفلسطينيين المحاصرين من قبل إسرائيل ومن مصر.

اقرأ أيضاً: السياسة الخارجية التركية: تحولات تفرضها المصالح والأزمات 

وربما نظراً لدقة الموضوع، قرر الطرفان عدم الإفصاح عن التفاصيل، بما أن التسريبات غالباً ما تفسد ما يتم التحضير له. واكتفت حركة "حماس"، في تصريح صحافي عن اللقاء، بالقول إنه جرت خلاله مناقشة آخر المستجدات والتطورات السياسية بالمنطقة، و"سادت اللقاء أجواء إيجابية، كما جرى الاتفاق على عقد لقاءات أخرى موسعة خلال الأيام المقبلة".

ويأتي اللقاء بين أردوغان ومشعل بعد أيام من حديث وسائل إعلام إسرائيلية عن مسودة اتفاق بين تركيا والاحتلال لإنهاء الأزمة بين الجانبين، وإعادة تطبيع العلاقات بينهما، بعد سنوات من القطيعة أعقبتها حادثة الاعتداء الإسرائيلي على أسطول الحرية، وسفينة مافي مرمرة.

ورغم نفي تركيا الوصول إلى اتفاق نهائي حول المصالحة مع إسرائيل، إلا أنّ مؤشرات كثيرة توحي بقرب التوصل إلى اتفاق، ما يثير أسئلة عن شكل العلاقة المستقبلية بين "حماس" وتركيا في ظل هذا التوجه، وخشية الحركة من خسارة حليف مهم في المنطقة.

ورفض قياديون في "حماس" التعليق على اللقاء بين مشعل وأردوغان، وكذلك الحديث عن الاتفاق الإسرائيلي ــ التركي للمصالحة. وعلمت "العربي الجديد" أنّ هناك قراراً في الحركة بعدم التعليق على القضية لحين اتضاح كافة تفاصيلها من مصادر رسمية تركية.

لكنّ قيادياً في الحركة، تحدث لـ"العربي الجديد" شرط عدم ذكر اسمه، عن الموقف المبدئي، مشيراً إلى أنه من حيث المبدأ، فإنّ "حماس" ترفض التطبيع مع الكيان الصهيوني، وإنها تعمل من أجل حشد كل طاقات الأمة لعزل الاحتلال ومحاربته، غير أنّه أكدّ أنّ تركيا دولة لا يمكن للحركة أنّ تتدخل في شؤونها ولا شؤون غيرها من الدول.

في الأثناء، قال مدير مركز "أبحاث المستقبل" في غزّة، إبراهيم المدهون، إنّ لقاء مشعل أردوغان يأتي للتأكيد على عدم تخلي الدولة التركية عن علاقتها بحركة "حماس" على الرغم من البوادر الأولية التي ترشح عن اتفاق مصالحة تركي إسرائيلي.

وأكد المدهون لـ"العربي الجديد"، أنّ الاضطرار التركي لاستئناف العلاقات مع إسرائيل بفعل حالة التوتر القائمة حالياً مع روسيا بعد حادثة إسقاط الطائرة الروسية، لن يمنعها من إبقاء العلاقة مع حركة "حماس" في الإطار المسموح به دولياً، وفي خانة التأييد التركي لحقوق الشعب الفلسطيني عموماً.

وأوضح المدهون أنّ استئناف العلاقة التركية ــ الإسرائيلية القديمة قد يكون مكسباً بالنسبة للحركة الإسلامية في بعض الملفات الشائكة التي تحتاج "حماس" فيها إلى وسطاء منصفين، كملف الجنود الإسرائيليين المفقودين في غزة، والتهدئة، ورفع الحصار عن غزة، بعدما فقدت تلك الصفة "الوسيط المنصف" في دول عربية كانت تحتكر تأدية أدوار الوساطة كمصر، التي تحوّلت إلى طرف أكثر تشدداً ضد المقاومة من الاحتلال نفسه، على ما يردد قادة الفصائل الفلسطينية المستمرة في خيار المقاومة.

ولفت إلى أنه من المبكر الحديث عن الدور الذي من الممكن أن تؤديه تركيا بين حركة "حماس" وإسرائيل في ظل استمرار المباحثات بين الجانبين في سويسرا للتوصل لاتفاق لاستعادة العلاقات المشتركة، التي توترت بعد حادثة السفينة التركية مافي مرمرة.

أما "حماس"، والحديث للمدهون، فتأمل بأنّ يستمر الدعم التركي الشعبي قائماً في ظل الواقع الإقليمي الحالي وتوتر العلاقة مع النظام المصري، وألا تتأثر علاقتها مع تركيا بعد استئناف علاقات الأخيرة مع إسرائيل.

ورأى الخبير السياسي أنّ "حماس" تخشى بأنّ يؤثر استئناف العلاقات التركية الإسرائيلية على طبيعة الدور التركي والدعم السياسي الذي تحظى به في ظل الواقع الإقليمي الحالي، والحصار السياسي المفروض على الحركة الإسلامية منذ سنوات.

والدعم السياسي الذي تحظى به حركة "حماس" من تركيا، لا يقل أهمية عن الدعم المالي والعسكري الذي تحظى به الحركة من أطراف أخرى، وهي لا تريد لهذا الدعم أن يتوقف، كما تريد أن يتوسع الدور التركي في المستقبل ليصل إلى حد الوسيط النزيه، وفق المدهون.

من جهته، رأى أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر بغزة، ناجي شراب، أنّ اللقاء الأخير جاء من قبل تركيا لتقديم تطمينات لحركة "حماس" بأنّ استئناف العلاقة مع إسرائيل لن يؤثر على العلاقات المشتركة، ومن أجل وضعها في صورة المحادثات الدائرة حالياً بسويسرا.

وأوضح شراب، لـ"العربي الجديد"، أنّ تركيا لن تتخلى عن العلاقة القائمة مع حركة "حماس" على الرغم من أنها متجهة نحو استئناف علاقتها مع إسرائيل، في ظل حالة التوتر التي تعيشها المنطقة، وحالة الحرب القائمة بفعل إسقاط الطائرة الروسية.

وقال شراب إنّ "حماس" تعلم أنّ تركيا لن تتنازل عن استمرار العلاقة القائمة معها، بفعل أسباب عديدة، منها تمسك القيادة التركية بالحقوق الفلسطينية ورغبتها في أن يكون لها دور بارز في القضية الفلسطينية.

وأكد شراب أنّ تركيا تسعى إلى القيام بدور الوساطة بشكل كبير في المستقبل القريب بين حركة "حماس" وإسرائيل، وفي الكثير من الملفات المعقدة، والتي تريد لها الحركة الإسلامية وسطاء يحققون بعض المكاسب السياسية من خلالهم.

وأشار إلى أنّ القيادة السياسية لـ"حماس" تبحث عن وسطاء من أجل التوصل لاتفاق تهدئة يرفع الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع منذ عشر سنوات، ويمنع أي حرب جديدة على القطاع، بالإضافة لملف الجنود الأسرى المفقودين في غزة. ويعرب شراب عن قناعته بأنّ استمرار العلاقات هو أمر حتمي لكلا الجانبين، فـ"حماس" تدرك أنّ استعادة تركيا لعلاقتها مع إسرائيل قد يحقق لها الكثير من المكاسب السياسية، في ظل توتر علاقتها مع النظام المصري القائم حالياً.


اقرأ أيضاً: تركيا: اعتراض على الاتفاق المسرب لإعادة تطبيع العلاقات الإسرائيلية 

المساهمون