لقاء "موسكو 2" السوري .. لماذا؟
لا يبدو أن الروس غيروا من أهداف لقاءات موسكو السورية، على الرغم من أنهم مضطرون، هذه المرة، للخروج بشيء ملموس لحفظ ماء وجههم، ولكي لا يقال إن من ذهب إلى لقاء موسكو الثاني عاد "بخفي حنين" للمرة الثانية. ولا تتضمن دعوتهم إلى هذا اللقاء سوى تعديلات شكلية، فقد دعوا بعض المكونات بأسمائها، وتركوا لها تحديد ممثليها، ووضعوا بعض البنود لموضوعات للحوار، والباقي بدون تعديل. وبقيت غاية لقاء موسكو، بحسب الدعوة، هي "الوصول إلى مصالحة وطنية وتسوية الأزمة"، ولم يتحدثوا عن حل سياسي وفق مبادئ جنيف، بل سيبحثون "أسس العملية السياسية بما في ذلك بيان أحكام جنيف"، أي أصبحت جنيف مسألة ثانوية.
يبدو النظام، من جهته، مصراً على حله الأمني، وليس في وارده أي حل سياسي الآن. وبحسب مشاركين في لقاء موسكو الأول، كلما تقدم الحوار مع وفد النظام آنذاك جاءت الأوامر من دمشق التي كانت على اتصال لحظة بلحظة، بأن عودوا إلى المربع الأول، ويتم إفشال أي شيء. ويذهب النظام إلى موسكو الثاني استجابة لطلب الروس، ولرغبته في الظهور بأنه يحاور المعارضة من جهة، ويسعى، من جهة أخرى، وبمساعدة الروس، على تمييع مكوناتها، وتشتيت مواقف اطرافها، ويأمل بأن يسهم في شقها، وإضعافها أكثر، والترويج، مستقبلاً، لحل "تحت سقف الوطن"، وهذا، في أفضل الأحوال، تشكيل حكومة ترأسها شخصية معارضة معتدلة، والباقي من دون تغيير. مراهناً على أن تتحول الحرب على الإرهاب إلى رافعة لإعادة تأهيله، على الرغم من أن خسائره، أخيراً، في إدلب وبصرى الشام ومعبر نصيب تقلقه، وتنال من سمعته، وقد تدفعه إلى تقديم تنازلات ثانوية. كما أنه مضطر لمنح الروس شيئاً ما، للظهور بأن لهم دوراً إيجابياً. وقد يخرج اللقاء بإطلاق بعض المعتقلين، ولديه كثيرون، والسماح بإدخال مساعدات إغاثة إلى مناطق يحاصرها في دمشق والغوطة، من دون أن يفك حصارها.
ليس الإيرانيون جاهزين، اليوم، لأي تسهيل في سورية، فعاصفة الحزم على أشدها، ولن تتساهل إيران في سورية اليوم، طالما أن اليمن مشتعلة، لكنهم لن يصعّدوا أكثر، بعد إبرام خطوط عامة لاتفاق النووي الذي سيعد بصيغته النهائية في الشهور الثلاثة المقبلة. يبدو أن إيران باتت تستخدم روسيا لخدمة استراتيجيتها أكثر مما تستخدم روسيا إيران لخدمة استراتيجيتها، ويساعد إيران في ذلك أن روسيا المعزولة عالمياً لا تجد لها موطئ قدم في السياسة العالمية سوى في البقعة التي تملك إيران تأثيراً فيها. من هنا، أصبحت إيران هي من يرغم الروس على السير وفق استراتيجيتها، وليس العكس.
المعارضة السياسية، ولا تشمل، هنا، المعارضات التابعة للنظام، مشتتة تنظيمياً، متوافقة في غاياتها النهائية بالانتقال إلى نظام تعددي ديمقراطي تداولي حر، وفق جنيف وتشكيل هيئة حكم انتقالي، لكنها متباينة في تكتيكاتها. ودافع الذاهبين إلى موسكو، بحسب ما سمعت من بعضهم، وقد وجهت الدعوة لنحو 30 شخصية قد يحضر منهم 20، هو دافع إنساني، وأنهم لن يتطرقوا للجانب السياسي، فالذاهبون إلى موسكو غير مفوضين، لبحث الجانب السياسي الذي مكانه جنيف، لكن دافعهم للمشاركة انسداد آفاق أي حل قريب، وعقم الاستمرار في صراع مسلح قاتل يمزق البلد، فلا أحد مستعجل لإيجاد حل للكارثة السورية سوى الشعب السوري الذي يدفع الثمن، ورغبتهم في استغلال أية فرصة لكي تبقى القضية السورية على صفيح ساخن، عسى أن يتحقق شيء، يخفف معاناة الشعب على يد نظامه التي فاقت كل تصور، وأن لديهم صوراً وحكايات مؤلمة عن ممارسات النظام سيعرضونها في المؤتمر وعبر وسائل الإعلام. وسيطرحون موضوعات المعتقلين وجرائم الحرب والقصف بالبراميل والحصار والإغاثة. كما يحمل بعض المشاركين مشروعاً لتشكيل مجلس أعلى لحقوق الإنسان، يشكل مناصفة بين النظام والمعارضة، برئاسة شخصية معارضة، وبإشراف الأمم المتحدة، وسلاحهم أن النظام وافق في 2011 على إنشاء هذا المجلس، وقد وعدهم الروس بدعم هذا المشروع، وهو طموح كبير لن يتحقق منه شيء، لأن تحقيقه يعني سقوط النظام. ويسعى بعض المشاركين إلى تعظيم دورهم، عبر إقامة علاقة متينة مع القوى على الأرض، وأن يكونوا صوتهم السياسي. وبالتالي، لعب دور وسيط بين النظام وتلك القوى. ويرى مشاركون أنه في حال عدم تحقيق أي نتيجة ملموسة، سيقومون بالانسحاب والإعلان أن النظام لا يريد أي حل سوى حله الأمني، وأن الروس غير جادين، وليسوا محايدين، ولا يصلحون طرفاً وسيطاً لجمع المعارضة والنظام.
لكن، تبقى المعارضة "كالعريس المخدوع" بوهم الفصل بين السياسي والإنساني، فالسياسة لا تقاد بدوافع إنسانية، فالسياسة والحروب بلا قلب، وبلا أخلاق أيضاً، ثم إن كل عمل يقارن بنتائجه السالبة والموجبة. فقد جاء لقاء موسكو الثاني وفق أسس لقاء موسكو الأول الفاشل نفسها، ثم يأتي في ظروف الصراع في اليمن وعاصفة الحزم، ما يخلق مناخاً غير مناسب لتحقيق أي نتيجة ملموسة، أي أنه جاء اللقاء في الوقت الخطأ. ثم من يشارك في موسكو ليس وفداً موحداً للمعارضة، برؤية واستراتيجية وتكتيكات تفاوض ورأس واحد، بل مجموعة متفرقة من منظمات وشخصيات، لا يوجد تنسيق بين أطرافها، كما أن مشاركين في وفد المعارضة هم من أتباع النظام في لباس معارضة. وكل هذا التشتت في مقابل الجسم الواحد والرأي الواحد لوفد النظام. وبالتالي، سيزيد موسكو الثاني، مثل موسكو الأول الفاشل، من ميوعة تشكيل المعارضة وقسمها، وإمعان في تفتيتها واختزال القضية السورية من المستوى السياسي، لتغدو مسألة قضايا إنسانية وإغاثة، ونسيان مبادئ جنيف، وجعلها بنداً ثانوياً في محادثات حول شؤون إنسانية، ومنح موسكو دوراً أكبر، من دون أن تغير في موقفها قيد أنملة. ولا تملك المعارضة أية رؤية أو خطة للتأثير في موسكو، لتعديل موقفها، ليكون بناءً أكثر تجاه مأساة الشعب السوري. وفي السياسة، تعد لقاءات موسكو، بدون تعديل موقفها، مكافأة لها على مبادرتها السطحية وبلا مضمون، كما وصفها معارض قبل، على مضض، المشاركة فيها، ومباركة لموقفها المزدوج، حيث تدعو إلى حل سياسي عاجل في اليمن، وإلى وقف فوري للعمليات العسكرية لإنقاذ الحوثيين، بينما تشجع النظام وتدعمه بالسلاح، ليستمر في حله الأمني.
ويقول مشاركون في لقاء موسكو الثاني إننا لا نملك ترف رفض أية نافذة تسهم في تخفيف المعاناة، ويرد معارضون للمشاركة بأننا لا نملك ترف استبدال طريق جنيف المحدد، في أزقة لا توصلنا إلى مكان.