18 أكتوبر 2024
لبنان وعودة الإعدامات
أقفلت المحكمة العسكرية في لبنان ملف ما يُعرف إعلامياً بـ"أحداث عبرا"، بإصدار حكم الإعدام على إمام وخطيب مسجد بلال بن رباح في بلدة عبرا، الشيخ أحمد الأسير، وعلى موقوفين معه في تلك الأحداث، فيما أصدرت أحكاماً أقل بالسجن خمس عشرة سنة على موقوفين أو متوارين عن الأنظار آخرين، كما الفنان فضل شاكر.
ويذكر أن الشيخ الأسير أعلن، مطلع العام 2012، مساندته "ثورة الشعب السوري"، ومعارضته احتكار حزب الله السلاح، خصوصا بعدما أعلن الحزب انخراطه في الحرب السورية إلى جانب النظام. وقد قاد الأسير حراكاً سلمياً، تمثّل باعتصامات وتظاهرات وغيرها، وسرعان مع اتجه نحو السلاح، بعد حادثة إطلاق النار عليه، وعلى مرافقيه في منطقة تعمير عين الحلوة، عندما كان يهمّ بنزع صور وأعلام تابعة لحزب الله في المحلّة. ثم تحوّل الأمر إلى صدام مع الجيش اللبناني في محيط المسجد الذي كان يخطب فيه في بلدة عبرا قرب صيدا، وسقط في المواجهة المسلحة ثمانية عشر جندياً للجيش، ومسلحون كانوا مع الأسير، فيما تمكّن هو وبعض مرافقيه من الخروج من المسجد والمجمع الذي كان يحتمي به، وتوارى عن الأنظار فترة إلى أن تمكّن الأمن اللبناني من توقيفه في أثناء محاولته الخروج من مطار بيروت بجواز سفر مزوّر.
مَثُل الأسير والموقوفون في "أحداث عبرا" أمام المحكمة العسكرية اللبنانية، ووجّهت إليهم تهم كثيرة وكبيرة، خصوصا المسؤولية عن إطلاق النار على عناصر الجيش وقتلهم، إلا أن وكلاء الدفاع عن الأسير الذين اعترفوا بإطلاق جماعة الأسير النار على الجيش، وقتل عناصر منه، حاولوا التأكيد مراراً أمام المحكمة، وأمام الرأي العام اللبناني، أن الأسير وجماعته لم يبادروا إلى إطلاق النار على عناصر الجيش، إنما طرف ثالث، في إيحاء إلى حزب الله، هو من بدأ إطلاق النار على الطرفين، لإشعال المعركة. ولأنه (الحزب) يريد التخلّص من الأسير، ومن كابوسه الذي صنعه له وفق رواية وكلاء الدفاع. إلا أن المحكمة لم تصغِ لهم، كما يقولون، ولم تلتفت إلى الوثائق التي قدموها أمام المحكمة. فما كان منهم إلا أن قدموا مزيداً من الأدلة والقرائن التي تثبت روايتهم عن الجهة الثالثة، كما طالبوا المحكمة بإحضار متهمين من الطرف الثالث، بعد الإدلاء بأقوالٍ يعترفون فيها بأنهم هم من بادروا إلى إطلاق النار على الطرفين (الجيش وجماعة الأسير)، وفقاً لرواية وكلاء الدفاع، لكن المحكمة أيضاً لم تلتفت إلى هذا الطلب، فما كان منهم إلا أن استنكفوا عن حضور جلسات المحكمة، بل ذهبوا إلى أبعد من ذلك، عندما تقدّموا بثلاث شكاوى أمام الأمم المتحدة، لعدم إصغاء المحكمة العسكرية لطلباتهم التي تجلي الحقيقة، وتقيم العدالة، بحسب وجهة نظرهم.
تراوح الحكم الذي صدر على الأسير وجماعته بين الإعدام والسجن، وآخر مرة تمّ فيها تنفيذ أحكام إعدام في لبنان كانت في مطلع التسعينيات. ومن المنتظر أن تتقدّم هيئة الدفاع بطلب تمييز الحكم أمام محكمة التمييز، وربما تخفف هذه المحكمة الأحكام إلى السجن المؤبد.
ليست المشكلة الأساسية في هذا السرد، وإنما في أن هذه الاحكام، وهذه المحاكمة وبعد شكوى وكلاء الدفاع، أعطت انطباعاً بما لا يدع مجالاً للشك أن المحكمة والحكم مسيّسان، وهو ما قاله الأسير لرئيس المحكمة قبل النطق بالحكم، وهذا ما يجعل الثقة تهتز بالقضاء اللبناني، وبالدولة بشكل عام، وبغض النظر عن أن المعتدين على الجيش، والذين قتلوا جنوده، وتجب محاكمتهم وإنزال أشد العقوبات بهم. الإشكالية أنه بعد هذه المحاكمة نما شعور عند شريحة كبيرة من اللبنانيين، وعند مكوّن أساسي ينتمي إليه الأسير، ولطالما كان يلامس جراحه في وقتٍ من الأوقات، أنه مكونٌ مستهدفٌ بالظلم والاستبداد والاضطهاد والاقتلاع، نظراً لموقفه من الثورة السورية ومن أمور أخرى في البلد، في وقت يراهن هذا المكوّن بشكل كامل على قيام دولة المؤسسات والعدالة والقانون، وهو ما يمكن أن ينقلب إذا استمرت هذه الأعمال "غير المسؤولة" إلى كفر هذا المكوّن، أو أكثره، بالدولة وعدالتها وقانونها، وهو ما سيؤمّن بيئة خصبة لنمو الأفكار "الإرهابية" و"المتطرفة" التي يمكن أن تطيح ما بقي من استقرار في وطنٍ، يجب أن يجمع الجميع ويحميهم، في ظل سيادة القانون.
ويذكر أن الشيخ الأسير أعلن، مطلع العام 2012، مساندته "ثورة الشعب السوري"، ومعارضته احتكار حزب الله السلاح، خصوصا بعدما أعلن الحزب انخراطه في الحرب السورية إلى جانب النظام. وقد قاد الأسير حراكاً سلمياً، تمثّل باعتصامات وتظاهرات وغيرها، وسرعان مع اتجه نحو السلاح، بعد حادثة إطلاق النار عليه، وعلى مرافقيه في منطقة تعمير عين الحلوة، عندما كان يهمّ بنزع صور وأعلام تابعة لحزب الله في المحلّة. ثم تحوّل الأمر إلى صدام مع الجيش اللبناني في محيط المسجد الذي كان يخطب فيه في بلدة عبرا قرب صيدا، وسقط في المواجهة المسلحة ثمانية عشر جندياً للجيش، ومسلحون كانوا مع الأسير، فيما تمكّن هو وبعض مرافقيه من الخروج من المسجد والمجمع الذي كان يحتمي به، وتوارى عن الأنظار فترة إلى أن تمكّن الأمن اللبناني من توقيفه في أثناء محاولته الخروج من مطار بيروت بجواز سفر مزوّر.
مَثُل الأسير والموقوفون في "أحداث عبرا" أمام المحكمة العسكرية اللبنانية، ووجّهت إليهم تهم كثيرة وكبيرة، خصوصا المسؤولية عن إطلاق النار على عناصر الجيش وقتلهم، إلا أن وكلاء الدفاع عن الأسير الذين اعترفوا بإطلاق جماعة الأسير النار على الجيش، وقتل عناصر منه، حاولوا التأكيد مراراً أمام المحكمة، وأمام الرأي العام اللبناني، أن الأسير وجماعته لم يبادروا إلى إطلاق النار على عناصر الجيش، إنما طرف ثالث، في إيحاء إلى حزب الله، هو من بدأ إطلاق النار على الطرفين، لإشعال المعركة. ولأنه (الحزب) يريد التخلّص من الأسير، ومن كابوسه الذي صنعه له وفق رواية وكلاء الدفاع. إلا أن المحكمة لم تصغِ لهم، كما يقولون، ولم تلتفت إلى الوثائق التي قدموها أمام المحكمة. فما كان منهم إلا أن قدموا مزيداً من الأدلة والقرائن التي تثبت روايتهم عن الجهة الثالثة، كما طالبوا المحكمة بإحضار متهمين من الطرف الثالث، بعد الإدلاء بأقوالٍ يعترفون فيها بأنهم هم من بادروا إلى إطلاق النار على الطرفين (الجيش وجماعة الأسير)، وفقاً لرواية وكلاء الدفاع، لكن المحكمة أيضاً لم تلتفت إلى هذا الطلب، فما كان منهم إلا أن استنكفوا عن حضور جلسات المحكمة، بل ذهبوا إلى أبعد من ذلك، عندما تقدّموا بثلاث شكاوى أمام الأمم المتحدة، لعدم إصغاء المحكمة العسكرية لطلباتهم التي تجلي الحقيقة، وتقيم العدالة، بحسب وجهة نظرهم.
تراوح الحكم الذي صدر على الأسير وجماعته بين الإعدام والسجن، وآخر مرة تمّ فيها تنفيذ أحكام إعدام في لبنان كانت في مطلع التسعينيات. ومن المنتظر أن تتقدّم هيئة الدفاع بطلب تمييز الحكم أمام محكمة التمييز، وربما تخفف هذه المحكمة الأحكام إلى السجن المؤبد.
ليست المشكلة الأساسية في هذا السرد، وإنما في أن هذه الاحكام، وهذه المحاكمة وبعد شكوى وكلاء الدفاع، أعطت انطباعاً بما لا يدع مجالاً للشك أن المحكمة والحكم مسيّسان، وهو ما قاله الأسير لرئيس المحكمة قبل النطق بالحكم، وهذا ما يجعل الثقة تهتز بالقضاء اللبناني، وبالدولة بشكل عام، وبغض النظر عن أن المعتدين على الجيش، والذين قتلوا جنوده، وتجب محاكمتهم وإنزال أشد العقوبات بهم. الإشكالية أنه بعد هذه المحاكمة نما شعور عند شريحة كبيرة من اللبنانيين، وعند مكوّن أساسي ينتمي إليه الأسير، ولطالما كان يلامس جراحه في وقتٍ من الأوقات، أنه مكونٌ مستهدفٌ بالظلم والاستبداد والاضطهاد والاقتلاع، نظراً لموقفه من الثورة السورية ومن أمور أخرى في البلد، في وقت يراهن هذا المكوّن بشكل كامل على قيام دولة المؤسسات والعدالة والقانون، وهو ما يمكن أن ينقلب إذا استمرت هذه الأعمال "غير المسؤولة" إلى كفر هذا المكوّن، أو أكثره، بالدولة وعدالتها وقانونها، وهو ما سيؤمّن بيئة خصبة لنمو الأفكار "الإرهابية" و"المتطرفة" التي يمكن أن تطيح ما بقي من استقرار في وطنٍ، يجب أن يجمع الجميع ويحميهم، في ظل سيادة القانون.