لبنان: هكذا يُصنع "داعش"

طرابلس (لبنان)

ثائر غندور

avata
ثائر غندور
05 يوليو 2014
0267EB51-30E5-4100-8301-78A60D866798
+ الخط -
يخال الداخل إلى مدينة طرابلس اللبنانية الشمالية، بأن تنظيم "داعش" سيراقب كل تحركاته. تصل إلى ساحة عبد الحميد كرامي، أو "ساحة النور"، كما يُسميها الإسلاميون، فتجد أن الحياة طبيعية. بائع القهوة لم يبرح مكانه. ازدحام السير يُشير إلى غياب الاشتباكات المسلّحة عن المدينة. كل شيء يُشير إلى أنّ الأمور في طرابلس عادية.

لم يقتنع أبناء المدينة بإعلان "دولة الخلافة". لا الإسلاميون منهم، ولا الناس العاديون. يقول بعضهم إنها مؤامرة، فيما يعتبرها آخرون جنوناً. يُجمع المشايخ على هذا الوصف. جاهر عدد منهم بمواقفه الرافضة لإعلان الخلافة، فتلقوا تهديدات. من هؤلاء داعي الإسلام الشهال، ونبيل رحيم، ومصباح الحنون، والمسؤول الإعلامي لحزب التحرير في لبنان أحمد القصص.

تُرسَل التهديدات عبر "الواتس آب" ومواقع التواصل الاجتماعي. رصدها سهل إذاً؟ يبتسم المشايخ عند سؤالهم عن هذا الأمر. لا أحد يُلاحق مطلق هذه التهديدات، كما أن أحدا لا يُلاحق مَن يوزّع أسماء المطاعم والمقاهي التي تفتح أبوابها أمام المفطرين في شهر رمضان، وهي أسماء توزّع عبر "الواتس آب" أيضاً. ولا أحد يعرف ما إذا كانت ملاحقة مَن رمى القنبلة على إحدى المقاهي التي تفتح أبوابها نهاراً في باب التبانة، وجرح أربعة من روادها، ستصل إلى نتيجة.

لا يُغطي المشايخ السلفيون هذه الحوادث، كما يؤكّد خالد السيّد، وهو من أبرز المشايخ السلفيين في باب التبانة، وعضو هيئة العلماء المسلمين. يقول السيد، لـ"العربي الجديد"، إن رمي القنابل على المقاهي أو على الجيش، هدفه تشويه صورة المدينة، خصوصاً أن هذه العبوات "هشّة وغير فعالة، ومَن يقوم بها هدفه إعلامي". يعتبر السيّد أن هذه الأفعال تأتي في صالح تصريحات مسؤولي حزب الله التي تدعو إلى عمليات استباقية وضرب حاضنة الإرهاب، "ويقصدون أهل السنّة بحاضنة الإرهاب"، على حد تعبير الشيخ السلفي.

يؤكّد السيّد على أن لا وجود فعلي لـ"داعش" في لبنان وخصوصاً في شماله، لكنه لا ينفي وجود أفراد قريبين فكرياً من هذا التنظيم. ويُشير السيّد إلى أن موجة الانتحاريين الأخيرة غير لبنانية في تأكيد لقناعته. يتقاطع كلام السيّد مع كلام كثير من المشايخ والسياسيين في المدينة. لا يُمانع هؤلاء بمواجهة هؤلاء الأفراد، "لكن المواجهة الأمنيّة ستؤدي إلى تقويتهم"، يقول الشيخ مصباح الحنون، معتبراً أن المواجهة تكون بالدرجة الأولى "فكرية".

يُكرّر منسّق تيار المستقبل، النائب السابق مصطفى علوش، كلاماً مشابهاً. يتحدث علوش لـ"العربي الجديد"، عن تشابه في التشدد الديني لدى مختلف الأطراف الإسلامية. ويُشير إلى أن تيّار المستقبل حسم خياره بالابتعاد عن السلاح منذ عام 2008، والاكتفاء بالمواجهة السياسية مع حزب الله. ويؤكّد على أن السلفيين المحليين لم يبنوا جهازاً أمنياً وعسكرياً لخوض معارك عسكرية، بل إن عملهم سياسي بالدرجة الأولى. لذلك، يقول علوش إن هؤلاء الأفراد الذين "هددوني وهددوا غيري لا يملكون بيئة مساندة، وجميعهم مرصودون من قبل الأجهزة الأمنية اللبنانيّة، إذا لم نقل إن بعضهم برعاية بعض هذه الأجهزة الرسمية أو الحزبية".


يسعى رجال الدين لمواجهة أي انتشار فكري لـ"داعش" في طرابلس. ويعتبرون أن ثمة دوراً للدولة في مساندتهم للقيام بهذا الأمر. لكن هل فعلاً تريد الدولة اللبنانيّة مواجهة هذه الحالات الموجودة في المدينة؟

جال وفد من هيئة العلماء المسلمين أخيراً على وزير الداخليّة نهاد المشنوق، والمدير العام للأمن العام عباس إبراهيم، ورئيس فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي العميد عماد عثمان. خرج المشايخ بعدد من الوعود، لكن المهم ليس تلك الوعود التي سيكون، على الأغلب، مصيرها كمصير سابقاتها، بل المهم ما دار من نقاش، وما عرضه الوفد من معطيات لا يعرفها الرأي العام اللبناني، وما سمعوا من أجوبة:

1 ــ أبلغ وزير الداخلية الوفد أن الخطة الأمنية نجحت في طرابلس بنسبة 90 في المئة، لكنها لم تنجح في البقاع. وقد بدأت الخطة الأمنيّة في شهر مارس/ آذار 2014.
2 ــ يوجد في طرابلس وحدها نحو 11 ألف وثيقة اتصال. ووثيقة الاتصال هي عبارة عن إخبار قدمه أحد المخبرين، بسبب إطلاق نار أو رفع سلاح، أو لخلاف شخصي. وللعلم لا يعترف القضاء بوثيقة الاتصال بل إنها تسمح للأجهزة الأمنية بتوقيف مَن صدرت بحقه هذه الوثيقة والتحقيق معه.
3 ــ وثيقة الإخضاع: يوجد لدى الأمن العام اللبناني أكثر من 60 ألف حالة إخضاع بحق الإسلاميين. ووثيقة الإخضاع هذه، تصدر بحق مَن يطلق لحيته ويواظب على الصلاة في مساجد تُعد قريبة من السلفيين أو القوى الإسلامية. وعندما يتقدم مَن صدرت بحقه وثيقة إخضاع للحصول على جواز سفر، فإنه لا يحصل عليه خلال ثلاثة أيام، كما هي الحال بالنسبة لكل اللبنانيين، بل يُطلب للتحقيق مرة أو مرات في الأمن العام في بيروت. بالتالي قد يضطر مَن توجد بحقه حالة إخضاع، إلى الانتظار لأسابيع عدة للحصول على جواز وقد لا يحصل. لا يقف الأمر عند هذا الحد، بل إن مَن يحصل على الجواز، يخضع للتفتيش الدقيق جداً وللتحقيق معه أحياناً عند السفر من وإلى لبنان. وقد اعترف المدير العام للأمن العام بهذا الرقم ووعد بمعالجته.

4 ــ التوقيفات العشوائية: تستمر التوقيفات العشوائية بحق الإسلاميين من دون التحقّق من المعلومات. وآخرها كانت بحق شابين اعتقلا لأيام لدى الجيش اللبناني تعرضا خلاله لكثير الضغوط الجسدية والنفسية، وتبيّن لاحقاً أن لا علاقة لهما أبداً بما اتهما به. بل إن كلّ ما في الأمر هو تشابه "كنيات" وليس حتى أسماء.
ويقول الإسلاميون إن بيوتهم تُنتهك خلال عملية المداهمة والتوقيف ويُهان الموقوف ويُطلق سراحه بعد فترة من دون أي إدانة.
5 ــ سجن الريحانية: يُعتبر هذا السجن من أكثر السجون أماناً للجيش اللبناني، إذ لا تخرج منه أي معلومة خلال التحقيق. لكن الإسلاميين أبلغوا مَن التقوهم بأن سجن الريحانية يشهد حالات تعذيب نفسي وإهانات وشتائم بحق الموقوفين، الذين يوضعون بغرف إفرادية. وأشار هؤلاء إلى أن أحد الموقوفين خسر 25 كيلوغراماً بعد ثلاثة أشهر من سجنه هناك. كما يُحرم الموقوفون في هذا السجن من النوم لأيام متتالية وتُحلق لحاهم. ويوجد في هذا السجن نحو 140 موقوفاً منذ بدء تطبيق الخطة الأمنية.
6 ــ سأل الوفد رئيس فرع المعلومات عن سبب سماحه بهروب رئيس "الحزب العربي الديمقراطي"، علي عيد، ونجله رفعت، المواليين بشكل كامل للنظام السوري، وإطلاق سراح معظم الموقوفين من الحزب العربي الذين أوقفوا بعد تطبيق الخطة الأمنية (يقول المشايخ إنه بقي اثنان منهم فقط في السجن).

لا يقف الأمر عند هذا الحد، بل يُضاف إليه بطء إجراءات القضاء، إذ تبقى الملفات القضائية سيفاً مسلطاً على رقاب الإسلاميين، وخصوصاً المحكمة العسكرية "التي أبلغنا سياسيو فريق 14 آذار أن فريق 8 آذار يُسيطر عليها"، كما قال السيّد، فيما يسأل شيخ آخر: "هل يُعقل أن يوقف شاب لأنه أطلق النار في الهواء في 7 مايو/ أيار 2008، بينما لا يُحاسب حزب الله الذي احتل بيروت؟". السؤال عينه يُطرح عن المشاركة في القتال في سورية، "إذ يُحقَّق مع الأفراد العائدين من سورية، بينما لا يُحقق أحد مع مقاتلي حزب الله، وهم بالآلاف".
أمّا أكثر ما كان مضحكاً في اللقاء، فهو الجواب الذي سمعه الوفد لدى سؤاله عن مبلغ 90 مليون دولار الذي رُصد لإنماء طرابلس، إذ كان الجواب الرسمي بأن المبلغ قد ضاع في الأدراج!
طرابلس ليست قندهار. هذا أمر مسلّم به. لكنّ سياسييها والأجهزة الأمنيّة العاملة فيها، قد تدفعها باتجاه مشابه.

ذات صلة

الصورة
دبابة إسرائيلية على حدود لبنان من جهة الناقورة، 13 أكتوبر 2024 (Getty)

سياسة

اشتدت حدة المواجهات البرية بين حزب الله وجيش الاحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان مع دخول المعارك شهرها الأول من دون أن تتمكن إسرائيل من إحكام السيطرة.
الصورة
قصف إسرائيلي في محيط قلعة بعلبك الأثرية، 21 أكتوبر 2024 (نضال صلح/فرانس برس)

سياسة

انضمّت مدينة بعلبك إلى الأهداف الإسرائيلية الجديدة في العدوان الموسَّع على لبنان تنفيذاً لسياسة الأرض المحروقة ومخطّط التدمير والتهجير الممنهج.
الصورة
أنشطة ترفيهية للأطفال النازحين إلى طرابلس (العربي الجديد)

مجتمع

أطلقت منظمات وجمعيات أهلية في مدينة طرابلس اللبنانية مبادرات للتعاطي مع تبعات موجة النزوح الكبيرة التي شهدتها المدينة خلال الفترة الأخيرة.
الصورة
دمار جراء غارات إسرائيلية على بعلبك، 25 أكتوبر 2024 (Getty)

سياسة

شنّ جيش الاحتلال الإسرائيلي سلسلة غارات دموية على مناطق عدّة في محافظة بعلبك الهرمل اللبنانية أدت إلى سقوط عدد كبيرٍ من الشهداء والجرحى وتسجيل دمار كبير
المساهمون