18 أكتوبر 2024
لبنان.. انتخاب الرئيس وانتصار إيران
وأخيراً، وبعد 290 يوماً من الفراغ والشغور الرئاسي، وبعد 45 دعوة لجلسات انتخاب رئاسية، وبعد انسحاب مرشحين رئاسيين من السباق الرئاسي، بفعل التعطيل أو اليأس أو الإحباط، وبعد حصر المرشحين للرئاسة بمرشح واحد "لا ثاني له"، وبعد مخاضٍ عسير وتنازلات وأجواء محبطة، تمكّن المجلس النيابي اللبناني من انتخاب المرشح الوحيد للرئاسة، الجنرال ميشال عون، وأنهى بذلك مرحلة طويلة من الشغور جرّت معها أزمات كثيرة، وجاء انتهاء الأزمة بتنازل حاد من فريق "14 آذار" الذي ذهب أبرز أقطابه، سعد الحريري، منذ قرابة العام إلى التراجع عن دعم حليفه سمير جعجع، ودعم خصمه السياسي، سليمان فرنجية، ما دفع جعجع إلى التنازل عن ترشّحه، واتخاذ قرار بدعم منافسه وخصمه السياسي اللدود، ميشال عون، وكلا المرشحَين اللذين حظيا بدعم الحريري وجعجع هما من فريق "8 آذار" الموالي للنظام السوري، وحليف لحزب الله اللبناني. وبالتالي، بات بحكم المؤكد، منذ قرابة العام، أن الشخصية التي ستملأ الفراغ في سدة الرئاسة الأولى في لبنان هي شخصية من هذا الفريق. وبات مؤكداً أيضاً أن حزب الله الذي يتولى إدارة هذا الفريق، بالنظر إلى الضعف الذي يعتري النظام السوري، لن يقبل بأي شخصية لملء الفراغ سوى أحدهما، وقد انحاز، في حينه، إلى عون، علماً أن فرنجية يكاد يكون الأقرب للحزب وللنظام السوري.
وهكذا تمكّن هذا الفريق من فرض مرشحه في نهاية المطاف على رئاسة الجمهورية، عندما وجد الفريق الآخر أن إنهاء حالة الفراغ لن يكون إلا عبر انتخاب عون رئيساً، وهو ما حصل بعد أن أقدم الحريري على سحب تأييد فرنجية، والانضمام إلى جعجع بتأييد ترشيح عون. والمفارقة، هنا، أن كلّاً من جعجع والحريري هما من أبرز خصوم حزب الله في لبنان، وقد خضعا لـ "ابتزازه"، تحت عنوان إنهاء حالة الفراغ، باعتبار أن مرشح الحزب الأساسي
والحقيقي والفعلي في لبنان لرئاسة الجمهورية هو الفراغ، بحسب وجهة نظرهما، إلا أن الحزب دحض هذه الفرضية، واقترع بشكل واضح وصريح للجنرال عون في جلسة الانتخاب. وقد اعتبر مستشار "ولي الفقيه" في إيران، وزير الخارجية الأسبق، علي أكبر ولايتي، انتخاب عون بمثابة انتصار لحزب الله في لبنان. وعلى هذا الأساس، تم طي صفحة الفراغ في سدة الرئاسة الأولى في هذه الصفقة بين الحريري وعون، ما اعتبره بعضهم تنازلاً وتسليماً لحزب الله والنظام السوري في لبنان، فيما اعتبره الفريق الآخر خطوة في إطار الحفاظ على النظام السياسي، واتفاق الطائف تحديداً، الذي يسعى حزب الله إلى إسقاطه وإنهائه كلياً، لصالح إنتاج نظام سياسي جديد، وفقاً لوجهة نظر هؤلاء.
الآن، وبعد إنهاء مرحلة الفراغ الرئاسي، هناك مرحلة جديدة هي مرحلة تكليف الحكومة وتأليفها، فهل يدخل لبنان مرحلة الفراغ الحكومي، في ضوء المواقف السياسية المتضاربة والمتعارضة والموزّعة بين الأطراف السياسية؟ أم يمكن أن يكون التكليف سهلاً، والتأليف صعباً؟
من الواضح أن انتخاب الرئيس جاء نتيجة تسوياتٍ ثنائيةٍ، لم تشمل كل الأطراف أولاً، ولم تكن منسّقةً بين الذين شملتهم ثانياً. وإذا أدركنا أن التكليف، أي تكليف شخصية بتشكيل الحكومة، يتم عبر الاستشارات النيابية الملزمة التي يجريها رئيس الجمهورية (دعا الرئيس النواب إلى استشارات ملزمة)، وبناء عليها يكلف شخصية تشكيل الحكومة. وهنا يبرز أن كتلاً نيابية تتجه إلى تسمية رئيس تيار المستقبل، سعد الحريري، لتشكيل الحكومة، وهي كتل يمكن أن تعطي الحريري القدر الكافي من الأصوات لحصوله على التكليف، إلا أن كتلاً أخرى تشترط شروطاً محددة لتسمية الحريري، وهي ستدخل معه في مساومةٍ حول ما يمكن أن يقدمه لها من أجل تسميته. وهنا تبرز كتل التنمية والتحرير برئاسة نبيه برّي، وكتلة حزب الله، وكتل أصغر أخرى. وعليه، قد لا يكون في مسألة التكليف تعقيد كثير، إلا أن المسألة الأعقد في التأليف، أي في تشكيل الحكومة، باعتبار أن هناك توازنات سياسية، وميثاقية، ودستورية، لا بدّ من توفرها من أجل إتمام تشكيل الحكومة. وهنا تكمن التفاصيل، وفيها يكمن الشيطان.
القوى التي عطّلت انتخاب رئيس للجمهورية على مدى عامين ونصف تقريباً، وفرضت مرشحاً وحيداً على الرئاسة، بغض النظر عن شخصية الرئيس الحالي، قادرة على تعطيل تشكيل الحكومة بألف طريقة وطريقة، وأسلوب وأسلوب. ولنا أن نتذكّر في العام 2011 كيف جعلت القمصان السود رئيس الجمهورية السابق، ميشال سليمان، يؤجّل الاستشارات النيابية الملزمة أسبوعاً، وبعدها جاءت النتيجة مغايرة لما كان يمكن أن تأتي به الأسبوع الأول، وبعد ذلك احتاج الأمر إلى شهور، حتى تمكّن المكلف في حينه (نجيب ميقاتي) من تشكيل الحكومة. وكذلك الأمر بالنسبة لحكومة المصلحة الوطنية، برئاسة تمام سلام التي قدمت استقالتها قبل أيام، فإن رئيسها احتاج عشرة أشهر، حتى تمكّن من تشكيلها، على الرغم من أنها جاءت بشبه توافق بين مختلف القوى السياسية.
يحتاج الرئيس المكلف اليوم إلى تفاهمات وتوافق مع باقي الكتل النيابية، ومع القوى السياسية
من أجل تسهيل تشكيل الحكومة. وهنا بيت القصيد، حيث لكل من هذه القوى والكتل مطالبها، بعضها في البيان الوزاري، كما في حالة حزب الله الذي يسعى إلى شرعنة سلاحه، من خلال البيان الوزاري، كما في كل الحكومات السابقة، فضلاً عن تغطية وجوده في سورية، مقاتلاً إلى جانب النظام السوري، وهذا بند إضافي كفيلٌ بنسف كل مساعي تشكيل الحكومة، ويمنع تشكيلها، أو على الأقل يؤخر تشكيلها، ليبقى الرئيس المكلف في إطار التكليف والبحث فقط، وهي مرحلة تشبه، إلى حد كبير، حالة الفراغ في سدة الرئاسة الأولى، إذ لن يكون في مقدور حكومة تصريف الأعمال الاجتماع واتخاذ القرارات، وهذا بحد ذاته سيكون كفيلاً بجعل الرئيس المكلف يقدم على خطوة من اثنتين، فإما أن يعتذر عن تشكيل الحكومة بعد استنفاد الوقت. وبالمناسبة، ليس هناك نص دستوري يحدد مهلة لتشكيل الحكومة، وهو ما يجعل الوقت مفتوحاً، وتالياً تمدّد حالة الفراغ، أو أن يقدّم التنازلات المطلوبة، أو بالأحرى المفروضة عليه، وهو ما يمكن أن يحصل فعلاً تحت عنوان " التضحية" من أجل مصلحة لبنان، ولا نعرف كم التنازلات التي يمكن أن يقدم عليها الرئيس المكلف، خصوصاً أن الطرف الآخر يحسن عملية الابتزاز من ناحية، وهو غير مستعجل على موضوع تشكيل الحكومة من ناحية ثانية. ولن يملك رئيس الجمهورية شيئاً للضغط على الفريق المعرقل والمعطّل، لأن أساس معركته كان يتلخص بالوصول إلى سدة الرئاسة، وهو ما قد حصل.
وإذا التفتنا إلى الكتل الأخرى التي تريد حصصاً وازنة في الحكومة، من أجل تأمين الغطاء السياسي لها، سندرك أكثر أن عملية التأليف ليست سهلة، ولا نزهة، بل ستكون معقدة قد يدفع فيها الرئيس المكلف بقية ما لديه من رصيد. وهنا يمكن التأكد من صحة تصريح ولايتي عن النصر الذي تحقّق لحلفاء إيران في لبنان.
وهكذا تمكّن هذا الفريق من فرض مرشحه في نهاية المطاف على رئاسة الجمهورية، عندما وجد الفريق الآخر أن إنهاء حالة الفراغ لن يكون إلا عبر انتخاب عون رئيساً، وهو ما حصل بعد أن أقدم الحريري على سحب تأييد فرنجية، والانضمام إلى جعجع بتأييد ترشيح عون. والمفارقة، هنا، أن كلّاً من جعجع والحريري هما من أبرز خصوم حزب الله في لبنان، وقد خضعا لـ "ابتزازه"، تحت عنوان إنهاء حالة الفراغ، باعتبار أن مرشح الحزب الأساسي
الآن، وبعد إنهاء مرحلة الفراغ الرئاسي، هناك مرحلة جديدة هي مرحلة تكليف الحكومة وتأليفها، فهل يدخل لبنان مرحلة الفراغ الحكومي، في ضوء المواقف السياسية المتضاربة والمتعارضة والموزّعة بين الأطراف السياسية؟ أم يمكن أن يكون التكليف سهلاً، والتأليف صعباً؟
من الواضح أن انتخاب الرئيس جاء نتيجة تسوياتٍ ثنائيةٍ، لم تشمل كل الأطراف أولاً، ولم تكن منسّقةً بين الذين شملتهم ثانياً. وإذا أدركنا أن التكليف، أي تكليف شخصية بتشكيل الحكومة، يتم عبر الاستشارات النيابية الملزمة التي يجريها رئيس الجمهورية (دعا الرئيس النواب إلى استشارات ملزمة)، وبناء عليها يكلف شخصية تشكيل الحكومة. وهنا يبرز أن كتلاً نيابية تتجه إلى تسمية رئيس تيار المستقبل، سعد الحريري، لتشكيل الحكومة، وهي كتل يمكن أن تعطي الحريري القدر الكافي من الأصوات لحصوله على التكليف، إلا أن كتلاً أخرى تشترط شروطاً محددة لتسمية الحريري، وهي ستدخل معه في مساومةٍ حول ما يمكن أن يقدمه لها من أجل تسميته. وهنا تبرز كتل التنمية والتحرير برئاسة نبيه برّي، وكتلة حزب الله، وكتل أصغر أخرى. وعليه، قد لا يكون في مسألة التكليف تعقيد كثير، إلا أن المسألة الأعقد في التأليف، أي في تشكيل الحكومة، باعتبار أن هناك توازنات سياسية، وميثاقية، ودستورية، لا بدّ من توفرها من أجل إتمام تشكيل الحكومة. وهنا تكمن التفاصيل، وفيها يكمن الشيطان.
القوى التي عطّلت انتخاب رئيس للجمهورية على مدى عامين ونصف تقريباً، وفرضت مرشحاً وحيداً على الرئاسة، بغض النظر عن شخصية الرئيس الحالي، قادرة على تعطيل تشكيل الحكومة بألف طريقة وطريقة، وأسلوب وأسلوب. ولنا أن نتذكّر في العام 2011 كيف جعلت القمصان السود رئيس الجمهورية السابق، ميشال سليمان، يؤجّل الاستشارات النيابية الملزمة أسبوعاً، وبعدها جاءت النتيجة مغايرة لما كان يمكن أن تأتي به الأسبوع الأول، وبعد ذلك احتاج الأمر إلى شهور، حتى تمكّن المكلف في حينه (نجيب ميقاتي) من تشكيل الحكومة. وكذلك الأمر بالنسبة لحكومة المصلحة الوطنية، برئاسة تمام سلام التي قدمت استقالتها قبل أيام، فإن رئيسها احتاج عشرة أشهر، حتى تمكّن من تشكيلها، على الرغم من أنها جاءت بشبه توافق بين مختلف القوى السياسية.
يحتاج الرئيس المكلف اليوم إلى تفاهمات وتوافق مع باقي الكتل النيابية، ومع القوى السياسية
وإذا التفتنا إلى الكتل الأخرى التي تريد حصصاً وازنة في الحكومة، من أجل تأمين الغطاء السياسي لها، سندرك أكثر أن عملية التأليف ليست سهلة، ولا نزهة، بل ستكون معقدة قد يدفع فيها الرئيس المكلف بقية ما لديه من رصيد. وهنا يمكن التأكد من صحة تصريح ولايتي عن النصر الذي تحقّق لحلفاء إيران في لبنان.